أحداث مصر تُذكر الجزائريين بـ"العشرية السوداء"
١ أغسطس ٢٠١٣تباينت أراء ومواقف الشارع الجزائري من الأحداث التي تشهدها مصر عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي من طرف الجيش في بداية يوليو/حزيران. DWرصدت في جولة لها في وسط الجزائر العاصمة حجم الاهتمام الكبير الذي يبديه الجزائريون إزاء أحداث مصر، على ضوء تجربة مريرة عاشها هؤلاء في عقد التسعينات من القرن الماضي والتي عرفت بـ"العشرية السوداء" عندما خاض العسكر مع الإسلاميين صراعا دمويا عنيفاً.
يقول عبد الرحيم سراج (32سنة، موظف)، إن ما حدث في مصر هو "حراك شعبي كبير وواسع جاء من أجل تصحيح مسار ثورة 25 يناير، التي استولى عليها تيار، وأقصى الأطراف الأخرى". وأعتبر عبد الرحيم في حديثه لـ DWبأن حكم الإخوان لمصر جاء "بالخراب للبلاد" وزاد على بؤس المصريين معاناة أخرى، وهذا دليل على فشل الإسلام السياسي في إدارة شؤون الدول، ومن حق الشعب أن يثور على الحاكم الذي وعده وأخلف" وعده.
التاريخ يعيد نفسه
لكن سليمة (45 سنة، مدرسة) بأن ما حدث في مصر هو "انقلاب على الشرعية التي جاءت بأول رئيس منتخب بكل شفافية في مصر، وأنه مهما حاول الانقلابيون تسويق مبررات عملهم فلن تقنع أحدا". وتضيف سليمة لـ DW"يحزننا كثيرا الدم المصري الذي يراق في الشوارع بالمجان، وتذكرنا بأيام مصر العصيبة عشناها في بداية تسعينات القرن الماضي".
ويجزم عمي أحمد (66 سنة، متقاعد) الذي وجدناه أمام مقر البريد المركزي وهو يقلب صفحات إحدى الجرائد "أن المصريين في انتظار سنوات عصيبة إذا لم يجلسوا إلى طاولة الحوار مع بعضهم البعض، ولهم في التجربة الجزائرية نموذجا لما ستؤول إليه لغة السلاح من دمار". ويقف عمي أحمد إلى جانب أنصار مرسي ويقول" لقد ظلموا جزءا من الشعب المصري، ووصفوه بكل الأوصاف السيئة، تماما مثلما فعل عسكر الجزائر مع أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
التعاطف و"الجريمة"
وينكر عمار (39 سنة) أن يكون إخوانياً أو من أنصار التيار الإسلامي، لكنه ضد "الانقلابات مهما كانت مبرراتها"، ويؤكد لـDWبأنه بدأ يتعاطف مع الأخوان بعد "مجزرة الحرس الجمهوري"، ويضيف "لا يحق لأحد أن يسلب حياة الآخر الذي يختلف عنه في المعتقد أو اللون أو الفكرة"، معتبرا أن تبرير مثل هذه الأمور جانب الإعلام المصري "جريمة أخرى بحق هؤلاء". ويضيف عمار بأن "الدور القذر للإعلام المصري في نقل الأحداث لن يزيد أنصار الرئيس مرسي إلا تأييدا ومساندة من كل المنطقة العربية، " وأنا واحد من هؤلاء".
الجدل بين أنصار الرئيس المعزول وخصومه في الجزائر يحتدم يوميا على شبكات التواصل الاجتماعي، ويلجأ فيها كل طرف إلى استخدام كل تقنيات الإعلام الجدي لإثبات صحة وجهة نظره لدحض الحجج التي يسوقها خصومه. وعلق أحدهم قائلا "لم يهتم الجزائريون بالسياسة والسياسيين، كما هو الحال اليوم في مصر، حتى يخيَّل لك أن كل الجزائريين أصبحوا مصريين".
الثقافة تدخل معترك السياسة
المثقفون الجزائريون بدورهم يخوضون في الشأن في مقالاتهم اليومية على صفحات الجرائد أو عبر تدويناتهم في شبكات التواصل الاجتماعي، وقد انقسموا ـ كما هو حال الشارع الجزائري ـ بين مؤيد لـ"شرعية مرسي" و "مشروعية الجيش" في حكم البلاد، حيث أدان مثقفون ومبدعون جزائريون "الاعتداءات الإرهابية التي تعرّض لها المتظاهرين السلميين في ميادين مصر المختلفة". وطالبوا في البيان الذي حصلت DWعلى نسخة منه، بضرورة احترام الحياة البشرية وتقديسها وفق ما اتفقت عليه جميع الأديان السّماوية والتشريعات الإنسانية، و"محاكمة الجنرال عبد الفتاح السيسي بتهمة قتل المتظاهرين والانقلاب على الشرعيّة والخيانة العظمى".
غير أن عددا آخر من المثقفين استنكروا بيان زملائهم، واعتبروا الأمر تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة مصر، متهمين أصحاب البيان بالانحياز لجماعة الإخوان المسلمين ضد الشعب المصري وقيادته. ونفى بعضهم صفة "المثقفين" على موقعي ذلك البيان، حيث يقول عاشور فني أن هؤلاء انتحلوا صفة "المثقفين الجزائريين"، واغلبهم "قراء الصحافة الصفراء وفتوى إرضاع الكبير انتحلوا صفة المثقفين ليتدخلوا كالمعتوهين في شؤون بلد مستقل".
إسلاميو الجزائر ..الاستثناء العربي؟
وتتخوف التيارات العلمانية والوطنية في الجزائر من استغلال تيار الإسلام السياسي موجة التعاطف الواسعة للشعب الجزائر مع حركة الإخوان في مصر في تحقيق مكاسب انتخابية مهمة في الانتخابات القادمة، إلا أن الدكتور بوحنية قوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة يستبعد وجود أي تأثير لما يحدث في مصر على التيار الإسلامي في الجزائر وذلك لعدم وجود تنسيق مؤسساتي حقيقي بين هذه التيارات، والدليل على ذلك ـ في رأيه ـ أن إخوان مصر لم يستطيعوا رأب الصدع بين قيادات أخوان الجزائر، وهو ما جعلها تنشق إلى أربعة أحزاب سياسية، هذا من جهة ومن جهة أخرى "حقق إسلاميو الجزائر الاستثناء العربي في الكثير من المرات السابقة". ويضيف قوي لـ DW أن تجربة الأخوان جعلت الحركات الإسلامية تعيد النظر في خياراتها الإيديولوجية والسياسية وتكييفها مع متطلبات المرحلة.