أزمة المياه في الشرق الأوسط – فرصة لتوثيق التعاون؟
١٩ أغسطس ٢٠١٢تتناقص مياه نهر الأردن، الذي يعتبر أحد أكثر الأنهار التاريخية في الشرق الأوسط، باستمرار، ولا يصل هذا الرافد إلى مصبه في البحر الميت إلا على شكل بحيرة، وأيضا مستوى المياه في تلك البحيرة ينخفض بمقدار متر واحد سنويا.
لكن ما الذي يحدث بالضبط في الأردن؟ تقارير منظمة أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط (FoEME)، ذكرت أن 98 في المائة من مياه نهر الأردن يتم استهلاكها من قبل السكان المحليين، حيث تتنافس إسرائيل والأردن وسوريا والأراضي الفلسطينية، على موارد مياه نهر الأردن وكذلك على المياه الجوفية في المنطقة.
"إجهاد مائي" في المنطقة
ويطلق الخبراء على هذه الحالةالسائدة في هذه البلدان"الإجهاد المائي". وكما تقول إيناسدومبروفسكي من المعهد الألماني للتنمية(DIE)، فإنه حتى الآن "لا يمكن لندرة المياه في المنطقة أن تبرر بمعزل عن ظاهرة التغير المناخي، فهذه المنطقة كانت دائما ذات طبيعة جافة، واستهلاك المياه فيها مرتفع". ومع ذلك، فإن عدد السكان يتزايد بسرعة كبيرة، ويتراوح معدل الزيادة بين اثنين او ثلاثة في المئة سنويا. لكن على المدى الطويل، فإن التغير المناخي سيؤدي إلى تفاقم مشكلة المياه، كما تقول دومبروفسكي.
مشروع “GLOWA Jordan River”درسحجم ومدى التأثير الذي سيحدثه التغير المناخي على حوض نهر الأردن، ويعمل في المشروع علماء أردنيون وإسرائيليون وفلسطينيون وألمان. ومن ضمن هؤلاء العلماء ينس لانغ من جامعة فرايبورغ، الذي يوضح أن "موارد المياه ستنخفض بحسب نتائج البحوث، ففي منطقة البحر الأبيض المتوسط برمتها يقل هطول الأمطار وتزداد نسبة التبخر."
توزيع غير عادل
ويتمثلقسم كبير من مشكلة المياه في التوزيع غير العادل للموارد المائية، فبينما يعاني السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية من نقص المياه، تتمتع المستوطنات اليهودية على بعد بضعة كيلومترات بحمامات السباحة، وهناك يتمري الحقول بطريقة الرش. وطبقا للإحصائيات وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن الفلسطينيي يحصلفي المتوسط على نحو 70 لترا من الماء يوميا، وعلى النقيض من ذلك يحصل الإسرائيلي على ما يقربمن 300 لترا. وتفرض الحكومة الإسرائيلية قواعد صارمة، فالفلسطينيون بحاجة إلى إذن من السلطات الإسرائيلية لبناء آبار جديدة،لكن مثل هذا التصريح نادرا ما يمنح، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي.
وكما يقول الخبير في شؤون المياه الفلسطيني أمجدعليوي، فإن"مياه الضفة الغربية بطبيعتها ليست نادرة، وهناكما يكفي من المياه، لكنسياسة الاحتلال الإسرائيلي هي التي تتسبب في شح المياه بالنسبة للفلسطينيين، فلا يتبقى لهم في كثير من الأحيان إلا القليل، ويضطرون حينها لشراء المياه بأسعارمرتفعة من إسرائيل." أما كلايف ليبشين مدير هيئة آرافا البيئية الإسرائيلية فيقول: "صحيح أن الفلسطينيين يحصلون على كميات أقل من المياه، لكنهم يحتاجون أيضا إلى كميات أقل من المياه، ولن تحل هذه المشكلة دون التوصل إلى اتفاق ملزم للطرفين."
مشروع دولي لحل الأزمة
ومن شأنمشروع Red-Deadأن يضع حلا لهذه المشكلة، إذ سيتم في إطار هذا المشروع حفر قناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت، ويمكن للمياه أن تتدفق من البحر الأحمر عبر خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 177 كيلومترا، لتغذي بذلك البحر الميت الذي تتناقص مياهه. في الوقت نفسه ستولد الطاقة الكهرومائية، فالبحر الأحمر يزيد علوه عن البحر الميت بحوالي 417 مترا، على أمل أن ينجح المشروع في ضرب عصفورين بحجر واحد، أي يتم رفد البحر الميت بمزيد من المياه،وفي الوقت ذاته تزويد المناطق الواقعة على طول القناة بالمياه عبر تحلية مياه البحرالأحمر في محطات تقام لهذا الغرض.
لكن من غير الواضح ما إذا كانت مشاكل جديدة ستنشأ بين حكومات المنطقة على خلفية هذا المشروع الضخم، وستكشف دراسات الجدوى عن هذا الأمر. لكن المخاوف تسود بشأن وقوع مزيد من الخلل في التوازن البيئي في البحر الميت بسبب تركيبتهالمختلفة عن مياه البحر الأحمر، وهذا بحسب إدارة المسح الجيولوجي الإسرائيلية. من ناحية أخرى، يرى خبير المياه الفلسطيني أمجد عليوي أن إنشاء القناة لا يمثل حلا، بل "هو مجرد التفاف على المشكلة الحقيقية"، فالحل الطبيعي برأيه هو "استغلال كميات أقل من مياه نهر الأردن". وهناك أيضا مشكلة أخرى محتملة، تتمثل في أن مسار القناة يمر بمنطقة الزلزال، وإذا ما وقع زلزال، فقد ينجم عن هذا انفجار القناة، ما يعني تلوث المياه الجوفية بالمياه المالحة.
البحر الأبيض المتوسط مصدر للمياه
وتستفيد إسرائيل من مميزات موقعها على البحر الأبيض المتوسط من أجل الحصول على المزيد من المياه، إذ قامت بإنشاء ثلاث محطات لتحلية مياه البحر، وعبر هذه المياه المحلاة يتم تغطية30 في المئة من المياه اللازمة للاستخدام في المنازل، ومن المخطط زيادة هذه النسبة، وكما يوضح كلايف ليبشين مدير هيئة آرافا البيئية الإسرائيلية، فإن "الجهود المبذولة من أجل التكيف مع نقص المياه تسير على قدم وساق" ويضيف: "بحلول عام 2020، نسعى لسد ما يصل الى 80 فيالمئة من احتياجاتنا للمياه، من مياه البحر المحلاة".
ولكن عملية تحلية المياه لها انعكاسات سلبية أيضا، فهي عملية تستهلك الكثير من الطاقة، وبحسب ليبشن، فإن "تشغيل محطات التحلية كان يتم حتى الآن بالوقود الأحفوري، وبذلك فهي تسهم في تسهم تفاقم ظاهرة التغير المناخي. وحاليا هناك محطتان إضافيتان تحت التخطيط، لكن سيكون من الممكن مستقبلا، تشغيل هذه المرافق بإستخدام الطاقة الشمسية.
الكاتبة. بريغيته مول/ نهلة طاهر
مراجعة: سمر كرم