أقباط مصر أكبر أقلية مسيحية في الشرق تحت نيران الإرهاب
٩ أبريل ٢٠١٧يقول بيشوي مجدي الذي شهد تفجيرا وقع في كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية المصرية "شيء بشع. كنا نجمع الناس (أشلاء القتلى) من على الأرض بالكوم. ناس مقطعة.. من فقئت عيناه..ومن خرجت أحشاؤه.. ومن تناثر مخه من جمجمته المحطمة.. ومن قطع الانفجار ساقيه."
في اتصال هاتفي مع رويترز يصف شاهد العيان ما حدث قائلا: "الكنيسة تحطمت. كل الخشب طار من مكانه وكل الصور أيضا. كل الزجاج تحطم. معروف أن ارتفاع الكنيسة يتراوح بين ثمانية وعشرة طوابق. معروف أن سقف الكنيسة أعلى نقطة في طنطا.. الدم وصل إلى سقف الكنيسة."
حصيلة الإعتداءين الإرهابيين على كنيستين للأقباط في طنطا والإسكندرية، بلغت العشرات بين قتيل وجريح، وهي مرشحة للإرتفاع في ظل وجود حالات إصاباتهم خطيرة. وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي مسؤوليته عن الإعتداءين، وتعهدت السلطات المصرية بتعقب الجناة ومضاعفة الإجراءات الأمنية لحماية دور عبادة المسيحيين الأقباط.
إعتداءات تستهدف الأقباط في توقيت حساس
وتأتي هذه الإعتداءات في توقيت حساس للغاية بالنسبة للمسيحيين الأقباط بمصر، اذ عبر كثيرون ممن أدلوا بتصرحيات أمام كنيستي مار جرجس في طانطا والمرقسية في الاسكندرية، عن أن شعورهم بالصدمة والحزن والخوف ينغص إحتفالاتهم بعيد الفصح. كما تأتي الإعتداءات على كنائس مصرية قبل ثلاثة أسابيع على زيارة من المقرر أن يقوم بها بابا الفاتيكان فرنسيس إلى مصر.
ويشكل أقباط مصر كبرى الطوائف المسيحية في الشرق الاوسط وواحدة من أقدمها. ويقدر عدد أفراد هذه الطائفة بحوالى 10في المائة من حوالى تسعين مليون مصري. ويشكل الأقباط الارثوذكس غالبية الأقباط المصريين الذين بينهم كاثوليك ايضا.
وينتشر الأقباط في مختلف مناطق مصر مع تركيز في وسط البلاد، ويتوزعون على مختلف الشرائح الاجتماعية من العمال العاديين الفقراء في القاهرة إلى عائلات الميسورين أمثال بطرس غالي إلى كبار الأثرياء مثل نجيب ساويريس.
والأقباط الذين يشكون من ضعف تمثيلهم في الحكومة والبرلمان يعتبرون أنه يتم استبعادهم من العديد من الوظائف في مجالات القضاء والجامعات وأيضا الشرطة. وهم يشكون أيضا من تشريعات يقولون إنها متشددة بشأن تشييد الكنائس في حين يتم التساهل كثيرا في منح تراخيص لبناء المساجد.
واستهدف الإرهابيون كنائس الأقباط خلال العقود الثلاثةالأخيرة، كما وقعت أحداث ذات طابع طائفي أدت إلى اشتباكات وحوادث دامية بين مسلمين وأقباط في البلاد.
مسلسل الإعتداءات ضد المسيحيين في مصر
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي تم تفجير كنيسة ملاصقة لكاتدرائية الاقباط الارثوذكس في القاهرة، ما أدى الى مقتل 29 شخصا، معظمهم من النساء والاطفال.
وفي فيبراير شباط الماضي فرت عشرات العائلات القبطية من شمال سيناء إثر عمليات قتل عديدة استهدفت أبناء الطائفة منذ أشهر.
وشهدت قرية الكشح بصعيد مصر، التي تقطنها غالبية من الأقباط، أحداثا دامية، إثر مقتل أحدهم وتبادل الاتهامات بين أفراد مسلمين وآخرين أقباط، لكن قوات الأمن ألقت القبض على أكثر من ألف مسيحي. وحدث انفجار الأوضاع على مرحلتين، الأولى عام 1999 والثانية عام 2000 والتي سقط فيها 21 قتيلاً بينهم مسلم واحد وعشرون قبطيًا في ليلة رأس السنة، بمشادة بين تاجر قبطي ومشتري مسلم من أهل القرية، قتل بعدها أكثر من 20 قبطيا، وجرح ما يزيد عن 30 آخرين من مسلمي وأقباط القرية.
وفي الأول من كانون الثاني/يناير 2011 استهدف اعتداء لم تتبنه أي جهةٍ الأقباطَ، وأسفر عن سقوط 23 قتيلا و79 عند انتهاء قداس في كنيسة قبطية ليلة رأس السنة في الاسكندرية ثاني مدن البلاد.
ويساهم تصاعد التشدد الإسلامي في إثارة مشاعر التهميش بين الأقباط خصوصا منذ تنحي الرئيس حسني مبارك في 11 شباط/فبراير 2011، وترجم ذلك بتدهور الأوضاع الأمنية وصعود الإسلاميين.
وفي الثامن من آذار/مارس 2011 قتل 13 شخصا في مواجهات بين مسلمين وأقباط في حي المقطم الفقير في القاهرة حيث تجمع آلاف المسيحيين احتجاجا على إحراق كنيسة جنوب العاصمة.
وبعد شهرين أوقعت مواجهات بين مسلمين وأقباط 12 قتيلا وأكثر من 200 جريح في حي امبابة الشعبي في القاهرة حيث استهدفت كنيسة وأحرقت أخرى.
وتعرض الأقباط لأعمال انتقامية من الإسلاميين المتشددين الذين يتهمونهم بدعم الاطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، بعد عام تماما على وصوله إلى السلطة.
وفي صيف 2013 أحرقت أو تضررت عشرات الكنائس والمدارس والمنازل والمحلات التجارية التي يملكها أو يديرها أقباط، وخصوصا في الصعيد، بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي حسب منظمة هيومن رايتس ووتش التي تتهم قوات الأمن بالغياب عند وقوع مثل هذه الاعتداءات.
مقارنة أوضاع الأقباط بأقليات مسيحية أخرى في الشرق
وفي حوار مع DW يقول الخبير الألماني ماركوس رود، حول مدى توفر الحماية للمسيحيين الأقباط من قبل السلطات المصرية، إن "حماية حقيقية بالكاد يمكن حاليا تحقيقها" موضحا أن وضع الأقباط في مصر يختلف عن باقي الأقليات المسيحية في الشرق، بحكم نسبتهم الكبيرة من عدد السكان، أي حوالي 10 في المائة، وأسلوب حياتهم اليومية وانتشارهم وسط فئات المجتمع المدني، وصعوبة تحديد ملامحهم من بين سكان البلد الآخرين. ماركوس رود الذي يدير مركز "الأبواب المفتوحة" الذي يهتم بشؤون المسيحيين في الشرق الأوسط، يعتقد أن نمط حياة الأقباط في مصر يجعل منع تعرضهم إلى إعتداءات أمرا "صعبا للغاية" لكنه أشار مع ذلك إلى ضرورة مضاعفة الإجراءات الأمنية حول الكنائس.
استهدف العديد من الهجمات الدامية في الأعوام الأخيرة كنائس المسيحيين الشرقيين، وتبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي عددا منها أحدثها التفجيرين الذين وقعا في كنيستي طنطا والاسكندرية.
وفي 31 تشرين الأول/اكتوبر 2010، وقع اعتداء دام على كنيسة "سيدة النجاة" قرب منطقة التسوق الرئيسية في بغداد، أودى بحياة 44 مصليا معظمهم من النساء والأطفال، واثنين من الكهنة. والاعتداء الذي أعلن تنظيم القاعدة تبنيه، كان الأكثر دموية ضد المسيحيين منذ الاجتياح الاميركي عام 2003.
وأثار الاعتداء صدمة في المجتمع الدولي دافعا بالمسيحيين العراقيين إلى الهجرة فرارا من العنف في بلادهم. وفي 25 كانون الأول/ديسمبر 2013، قتل 14 شخصا على الأقل في اعتداء بسيارة مفخخة استهدف كنيسة في بغداد، بعد انتهاء قداس عيد الميلاد.
وفي سوريا تعرضت العديد من الكنائس للتدمير أو لأضرار جسيمة في البلاد منذ بدء النزاع عام 2011.
وفي 27 حزيران/يونيو 2013، قتل أربعة أشخاص على الأقل في اعتداء انتحاري يضرب الحي المسيحي في البلدة القديمة في دمشق. وسبق أن استهدفت هذه المنطقة باعتداء في تشرين الأول/أكتوبر 2012 خلف عشرة قتلى على الأقل.
وفي أيلول/سبتمبر 2013، أدانت المعارضة السورية اعتداء للجهاديين ضد كنيسة البشارة في الرقة وتحويلها إلى قاعدة عسكرية. وتؤكد إحدى المنظمات غير الحكومية السورية، أن الجهاديين أحرقوا أيقونات وصلبانا في كنيستين في الشمال.
وأثناء معارك استعادة حلب، تعرضت كاتدرائية الموارنة لأعمال عنف، وانهار سقفها تحت وابل من القذائف. وفي تدمر، بالإضافة إلى تخريب آثارها الرائعة، حوَّل تنظيم "الدولة الاسلامية" إحدى كنائس المدينة إلى مركز للتجنيد.
م.س/ ع.ج ( وكالات، DW)