ألمانيا تحتفل بأسطورة الفيزياء ألبرت آينشتاين
تأكد أنك تعرفه حتى ولو لم تكن تحفظ اسمه عن ظهر قلب، تعلمت منه الكثير والكثير دون أن تكون تلميذا عنده، غيّر حياتك رغم أن الزمان والمكان لم يجمعكما قط، يخرج لك لسانه ليعلن تمرده على كل ما هو تقليدي، يشك في كل شيء، استطاع أن يحطم نظريات الفيزياء لكبار العلماء الذين سبقوه وهو لم يتعد الثلاثين من عمره. ألبرت اينشتاين استحق أن يفتتح المستشار الألماني غيرهارد شرويدر بنفسه اليوم الاحتفالات بعامه، بحضور 800 ضيف من كافة أنحاء العالم. هل استحق اينشتاين ذلك؟ بالتأكيد، بل انه شرف للمستشار أن يرتبط اسمه بشخصية كهذه حتى ولو كان الأمر لا يتعدى افتتاح الاحتفالات ألمخصصه لهذا الشخص الأسطورة.
طالب فاشل يحصل على شهادة الدكتوراه
لم تظهر إمارات النبوغ والذكاء الخارق على الطفل ألبرت أينشتاين الذي ولد في عام 1879 في مدينة "أولم" الألمانية الواقعة في جنوب البلاد على مقربة من الحدود السويسرية، بل على العكس من ذلك، تأخر كثيرا في النطق، وكان مستواه في المدرسة سيئا للغاية، حتى أن معلمه نصح والده ألا يرهق نفسه في اختيار تخصص لابنه "لأنه سيفشل حتما بغض النظر عن نوع الدراسة". وحتى حين غادر أبوه ألمانيا متوجها إلى إيطاليا، بقى أينشتاين في ألمانيا في محاولة يائسة منه للحصول على شهادة تعليمية قد تمكنه يوما من الحصول على رغيف الخبز بشرف، ولكن معلما آخر قال له انه لا أمل فيه، ويحسن أن يغادر المدرسة ففعل.
تعلم من هذه الفترة الشك وعدم احترام المعلمين الذين يعتبرون أنفسهم أساقفة العلم والتعليم ولا يهتمون بالطالب ولا يسعون لاكتشاف مواطن القوة والضعف عنده. وقد قاده هذا الشك إلى عدم التسليم بما يقرأه في الكتب، وحتى حين انتقل للدراسة فيما بعد إلى سويسرا، ووجد هناك المعلمين الذين يهتمون به، كان يفضل أن يتعلم بمفرده، مما جعله يهتم بالمواد التي يبرع فيها، ويتجاهل المواد الأخرى، فرسب من جديد، وأعاد الاختبار مرة تلو الأخرى، حتى استطاع أخيرا أن يشق طريقه إلى الجامعة التي أنهاها بحصوله على شهادة الدكتوراه.
الشاب العبقري يكشف عن قدراته
في عام 1905 كتب أينشتاين خمسة مقالات عن الظاهرة الكهروضوئية ونشر النظرية النسبية الخاصة، وقد شجعه على ذلك صاحب مجلة علمية، حيث قام بنشر آراءه العلمية رغم صغر سنه وعدم حصوله على الدكتوراه بعد. وأثارت هذه الآراء العلمية استياء الكثيرين من العلماء الذين أقاموا أعمالهم العلمية على أسس نظرية تحطمها آراء أينشتاين وخاصة ما وضعه نيوتن من نظريات فيزيائية خالفها العالم الشاب. وفي عام 1910 أصبح أينشتاين أستاذا في جامعة زيوريخ السويسرية، ثم انتقل بعدها إلى براغ التشيكية، حتى أقنعه العالم الألماني ماكس بلانك بالانتقال إلى برلين في عام 1914، وبقى هناك حتى عام 1933 حين هرب خوفا من الحكم النازي، الذي كان يعرف أصوله اليهودية.
عالم ومفكر
حصل آينشتاين في عام 1922 على جائزة نوبل في الفيزياء. لم يكن هذا العبقري نابغة في العلوم الطبيعية فحسب، بل وكان مفكرا سابقا لعصره، فقد اقترح إنشاء حكومة دولية تحل النزاعات، وتحول دون قيام الحروب، ولكنه كان يؤمن بأن الحروب تكون في بعض الأحيان ضرورية، كما حصل في حال مقاومة الحكم النازي في ألمانيا. أثناء الحرب العالمية الثانية أرسل آينشتاين خطابا إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ينصحه فيه بصناعة القنبلة النووية، وهو الأمر الذي حاول تبريره بعد ذلك بأن الخطاب جاءه جاهزا، واقتصر دوره على التوقيع عليه فقط. يشار إلى أن آينشتاين لم يشارك قط في أي أبحاث متعلقة بهذا الأمر.
نظريات جديدة
أغرب ما في نظريات أينشتاين أنها مازالت موجودة في عالمنا رغم التطور الهائل في كل العلوم يوما بعد يوم، جهاز كمبيوتر اليوم يصبح تقنية بالية بعد عام واحد، وملايين العلماء يبتكرون ويفكرون ويغيّرون، وهذا ما يفسر ما أعلنه فريق من العلماء الأستراليين قبل عامين من أن أبحاثهم توصلت إلى احتمال ألا تكون سرعة الضوء ثابتة، وشككوا بذلك في نظريات آينشتاين، ولكنهم في الوقت ذاته قالوا إنه لو ثبتت صحة معلوماتهم فإن ذلك لن يجعل نظرية النسبية لآينشتاين بلا أهمية، "لأن من طبيعة الثورات العلمية أنها تدمج النظريات القديمة مع الحديثة."
من يهتم بهذه النظريات سيجد في ألمانيا في الشهور المقبلة الكثير الكثير عن هذا العالم. ألمانيا جعلت من العام 2005 عامه وبهذه المناسبة ستقام العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية التي ستحيي ذكراه. أما من لا تهمه هذه الشخصية، فسيعجبه تعليق الممثل الشهير شارلي شابلن الذي قال لآينشتاين ذات مرة "يضحك الناس من كلامي لأنهم يفهموه، أما أنت فيضحكون لعدم فهمهم ما تقوله لهم."