ألمانيا: عودة اللاجئين السوريين لبلدهم كالبوسنيين سابقاً؟
٦ فبراير ٢٠١٦في عام 1993 انتشر الخوف من الهجرة غير المنضبطة. فخلال عام واحد دخل ألمانيا 440 ألف طالب لجوء، بسبب حرب البوسنة. وكانت الحكومة الألمانية في حاجة إلى التحرك بسبب الضغوط القوية عليها، فقامت بتشديد قوانين اللجوء، بحيث تستقبل ألمانيا الملاحقين سياسيا فقط.
وخلال جلسة برلمانية في البرلمان الألماني (بوندستاغ) تم التصويت على إجراء تغيير بالقانون الأساسي للدولة (الدستور الألماني)، حيث تم إدخال ما يسمى بـ "نظام الدولة الثالثة"، الذي يقضي بأن اللاجئين، الذين يدخلون ألمانيا عبر دولة تابعة للاتحاد الأوروبي أو دولة مجاورة لألمانيا، لا حق لهم في الحصول على اللجوء ومن الممكن ترحيلهم فورا.
هناك تشابه كبير بين الأوضاع عند المقارنة بين ذلك الوقت وما يحدث حاليا في موضوع اللجوء. حيث يبدو أن سياسة الترحيب قد انتهت، لأن كل الاهتمامات في برلين تركز حاليا على كيفية الحد من تدفق اللاجئين إلى ألمانيا.
الآن هناك تراجع في التصريحات التي أطلقتها المستشارة ميركل بدايةً، حيث إنها لم تعد تتحدث عن اعتقادها في القدرة على مواجهة التحديات، بل إنها تصرح الآن أن ألمانيا تمنح الحماية بشكل مؤقت لأغلبية اللاجئين. فهي تنتظر من اللاجئين السوريين والعراقيين أن يعودا إلى أوطانهم بعد انتهاء المعارك فيها.
ضيوف بشكل مؤقت؟
بالنسبة لبيرند ميزوفيتش، نائب مدير منظمة "برو أزول" (ProAsyl) الألمانية، المدافعة عن اللاجئين فإن "الوقت غير مناسب للحديث عن عودة اللاجئين وأن ذلك يذكر بالوضع خلال حرب البوسنة والهرسك في التسعينيات". ويضيف ميزوفيتش أن النقاش الحالي بهذا الشأن يقلص من وضعية الاعتراف بحق اللجوء و يجعله فقط عبارة عن "حق ضيافة بشكل مؤقت"، كما حدث من قبل خلال الحرب في يوغوسلافيا السابقة. ومثل هذا النقاش لا يساهم في عملية الاندماج، بحسب رأيه.
في ذلك الحين انتهجت ألمانيا نهجا مخالفا عن الدول الأوروبية الأخرى، حيث رفضت الاعتراف بوضعية البوسنيين كلاجئين ومنحتهم وضع الحماية المؤقتة عوض وضع اللجوء. وما أن تم التوصل الى اتفاقية دايتون للسلام عام 1995، كما يضيف ميزوفيتش، حتى قيل لهم إن "هذا هو الوضع القانوني الذي حصلتم عليه سابقا، والآن قد حل السلام (في بلدانكم) ويمكنكم العودة في أقرب وقت" إليها.
وذلك ما حدث سريعا حيث أوضحت السياسة الألمانية بشكل لا جدال فيه أن وضع إقامتهم القانونية اعتمد على نظام "السماح بالإقامة" فقط. وبحسب تصريحات المكلف الحكومي بشؤون اللاجئين في ألمانيا ، ديتمار شلي، فقد غادر حوالي 250 ألف لاجئ بوسني ألمانيا حتى خريف عام 1998. وكان ذلك أيضا على أساس اتفاقية بين ألمانيا والبوسنة والهرسك بشأن إعادة اللاجئين خطوة بخطوة.
"الإبعاد عن ألمانيا للمرة الثانية"
ويرى ميزوفيتش أن من المخجل أن أمريكا و كندا -وليس ألمانيا أو دول أوربية أخرى- هما الدولتان اللتان قدمتا فرصة عيش جديدة لأولئك اللاجئين. وذكر هؤلاء اللاجئون في ذلك الحين أن الضغوطات عليهم للرجوع كانت بالنسبة لهم بمثابة عملية تهجير ثانية، كما يتذكرالسيد شلي.
ورغم الوضع القانوني الذي لا يسمح لهم بالبقاء في ألمانيا فقد كان من الممكن أن يعيشوا في ألمانيا لأسباب كثيرة كما هو الشأن بالنسبة للسيدة ياسمينة بوروغوفيتش (28 عاما) التي جاءت إلى ألمانيا مع والديها وهي طفلة صغيرة، حيث تعلمت بالمدرسة الابتدائية وعادت إلى البوسنة ثم تأهلت هناك كممرضة ولكنها لم تجد فرص عمل هناك فعادت إلى ألمانيا لتشتغل في إحدى المستشفيات بمدينة كولونيا لاحقا.
من حالة اللجوء إلى الحالة المهنية
بالنسبة للكثيرين من اللاجئين السوريين فقد يكون من المحتمل أن تتكرر مثل هذه التجربة التي عاشتها السيدة البوسنية سابقاً. فإذا عاد السلام إلى الى سوريا فسيقرر عدد من هؤلاء اللاجئين العودة إلى بلادهم ولكن سيكون منهم من لا يودّ العودة لأسباب شخصية، مثلا خوفا من التعرض للتعذيب وأعمال عنف، بحسب مدير منظمة "برو أزول" المدافعة عن اللاجئين. ونظرا لعدم معرفة ما قد يأتي به المستقبل، فإنه يرى أنه من الجيد البدء في عملية الاندماج في وقت مبكر. فبذلك يمكن تجنب الأخطاء التي حدثت سابقا في سياسات اللجوء، خصوصا وأن العديد من أطفال اللاجئين الذين قضوا طفولتهم في ألمانيا وتعلموا لغتها، عادوا إليها من جديد ولكن ليس كلاجئين بل كطلبة ومهندسين وكأطباء، أي كقوى مهنية متخصصة، كما تأمل الحكومة الألمانية ذلك من الهجرة.