ألمانيا: نشر صواريخ "باتريوت" في تركيا "لأغراض دفاعية محضة"
١٢ ديسمبر ٢٠١٢"إنها مهمة دفاعية بحتة"، كما يصفها وزير الخارجية الألماني، غيدو فيسترفيله، الذي يؤكد في كل مناسبة بأن الجنود الألمان سوف لا ينجرون إلى التدخل في الحرب الأهلية السورية. ويضيف الوزير الألماني بأن صواريخ "باتريوت" التي يبلغ مداها 900 كم، هي لحماية حدود تركيا مع سوريا. وعرفت هذه الحدود في الأشهر الأخيرة توترا متصاعدا يستوجب ضمان أمنها بشكل أكبر. كما أكد فيسترفيله أن "ألمانيا لا تشارك في خطط تهدف إلى تدخل عسكري في الأزمة السورية".
أحداث عديدة سبقت قرار نقل وحدة صواريخ "باتريوت" إلى تركيا مطلع عام 2013: ففي حزيران/ يونيو الماضي أسقطت القوات السورية طائرة حربية تركية. إثر ذلك دعت أنقرة شركائها في حلف شمال الأطلسي إلى اجتماع تشاوري طارئ. و استندت أنقرة في دعوتها إلى مبدأ الحلف الذي يضمن حق كل عضو في دعوة الحلف إلى الاجتماع في حالة تعرضت وحدة أراضيه وسلامتها إلى الخطر. وإثر ذلك أعلن حلف الأطلسي تضامنه الكامل مع تركيا. لكن المشهد الحدودي بين تركيا وسوريا عرف تصعيدا مطلع تشرين ألأول/ أكتوبر الماضي عندما سقطت قذائف هاون على أراضي قرية "أكجاكلي" التركية المتاخمة للحدود السورية ما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين. وردت القوات التركية بقصف المواقع العسكرية السورية التي أطلقت القذائف. كما قدمت في حينها طلبا إلى الحلف الأطلسي لمساعدتها.
تركيا تشعر بالخطر
أظهرت تركيا عند مشاوراتها مع شركائها في بروكسل بأنها لا تسعى إلى الحصول على المساعدة في حماية حدودها البرية مع سوريا، فهي تملك جيشا قوامه 500 ألف جندي. لكنها أبدت قلقها من ترسانة نظام بشار الأسد من الصواريخ بمختلف أحجامها. في هذا السياق قال وزير الدفاع الألماني، توماس ديميزير، إن الأمر يتعلق ببضعة مئات من الصواريخ يصل مدها إلى 700 كم وقد تضرب أهدافا في العمق التركي. وأضاف الوزير الألماني أن سوريا تملك أسلحة كيماوية جاهزة وقابلة للاستخدام. وفي حال هجوم من هذا النوع تستطيع منظومة صواريخ " باتريوت" التعرض لها وإسقاطها.
و لكن لا توجد لحد الآن مؤشرات تدل على توجه الجيش السوري لاستخدام أسلحة "الدمار الشامل". بيد أن الرئيس بشار الأسد يكافح من أجل بقاء نظامه سياسيا، وربما يقاتل أيضا من أجل بقائه شخصيا على قيد الحياة. وبرر وزير الدفاع الألماني ديميزير قرار حكومة بلاده الخاص بنشر بطارية صواريخ باتريوت بالقول "إن الحكومة الألمانية ترغب في أن لا يتخذ أحد في دمشق قرارا خاطئا". في هذا الإطار يبرر الحف الأطلسي موقفه أيضا. ففي الرابع من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري وافق الحلف بالإجماع على نشر وحدات صواريخ باتريوت في تركيا. في هذا السياق قال الأمين العام للحلف، أندرس فوغ راسموسن "نقول لكل من يرغب في مهاجمة تركيا، عليك حتى أن لا تفكر في الأمر"، في إشارة إلى تأكيده على مبدأ التضامن المطلق مع شركاء الحلف.
الحماية من هجمات صاروخية
وستشارك كل من الولايات المتحدة وهولندا في نشر وحدات صواريخ باتريوت في تركيا إلى جانب ألمانيا. فالدول الثلاث هي الوحيدة التي تملك احدث الصواريخ في هذه المنظومة الدفاعية والتي تتكون من أجهزة رادار متطورة وعالية الكفاءة التي تحرص على سلامة المجال الجوي، إلى جانب أجهزة إطلاق ومنصات متحركة. وبهذه الأجهزة يمكن لنظام باتريوت التعامل مع صواريخ باليستية وصواريخ طويلة المدى، وطائرات معادية على بعد 68 كيلومترا من أهدافها. لكن صواريخ باتريوت لا تستطيع التعامل مع قذائف هاون التي قتلت مدنيين في شهر أكتوبر الماضي.
وتشارك ألمانيا ببطاريتين من هذا النوع في مهمة حماية الأراضي التركية والتي يقودها القائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي في أوروبا. وتتضمن المشاركة الألمانية نشر 170 جنديا في تركيا. وقد يصل عدد الجنود الألمان في النهاية إلى 400 جندي إذا أضفنا إلى ذلك أغراض المساندة وتنظيم المهام اللوجستية. وعلاوة على ذلك تشارك ألمانيا في حماية المجال الجوي التركي بطائرات "أواكس". وتبلغ تكاليف المشاركة الألمانية في مهمة حماية تركيا والتي تستمر لغاية الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2014 25 ، مليون يورو.
جدل داخل البرلمان
و قبل بحث ها الموضع في البرلمان الألماني عبر بعض السياسيين عن قلقهم إزاء المهمة. حيث يخشى البعض تورط الجيش الألماني في الحرب الأهلية السورية دون قصد، من خلال قصف سوري متعمد لتركيا بهدف استفزاز القوة الأطلسية. في هذا السياق طالب عضو البرلمان عن حزب الخضر، أوميد نوريبور، بضرورة عدم نشر القوة الألمانية في مناطق قريبة جدا من الحدود السورية. فيما ترفض كتلة حزب اليسار هذه المهمة جملة وتفصيلا. في هذا السياق انتقد نائب ريس كتلة اليسار في البرلمان الألماني، يان فان أكن، المشاركة الألمانية بالقول "إنه ضرب من الجنون نشر 400 جندي ألماني في أزمة في قلب الشرق الأوسط التي قد تتحول إلى حرب إقليمية في أية لحظة".
لكن الحكومة الألمانية لم تحدد بعد مواقع انتشار الوحدتين العسكريتين الألمانيتين. بيد أن حيثيات المهمة تشير فقط إلى "أن مهمة الدفاع الجوي الألماني لا تمتد إلى داخل الأجواء السورية".