"أمريكا أولا" .. ترامب المثير للجدل يُنصّب رئيسا لمرة ثانية
٢٠ يناير ٢٠٢٥اليوم، العشرين من يناير/ كانون الثاني 2025، يُنصّب دونالد ترامب (78 عاما) الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، وستكون هذه هي فترته الثانية في الرئاسة، إذ كانت قترة رئاسته الأولى بين عامي 2017 و 2021.
إن ما ينتظر الولايات المتحدة الأمريكية وبقية العالم خلال فترة رئاسة ترامب الثانية أمر لا يمكن التنبؤ به، ولكن نظرة إلى ما حدث خلال ولايته الأولى وما بعدها قد تقدم بعض الإشارات لما يمكن أن يحدث في المستقبل.
"الانتخابات المسروقة"، اقتحام الكابيتول وتهم ترامب الجنائية
أكثر مؤيدي ترامب ولاءً ظلّوا دائمًا إلى جانبه. وعندما رفض ترامب قبول خسارته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 أمام جو بايدن وادّعى أنها "سرقت" منه، صدقت أعداد كبيرة من المحافظين هذا الادعاء. لكن المراجعات العديدة أثبتت أن هذا الادعاء غير صحيح. ومع ذلك، استمر ترامب في الادعاء بأن الديمقراطيين ارتكبوا تزويرًا انتخابيًا على الرغم من رفض المحاكم لكل القضايا التي تم رفعها بهذا الشأن.
وفي 6 يناير/ كانون الثاني 2021، اقتحمت مجموعة من المتطرفين اليمينيين ومؤيدي ترامب مبنى الكابيتول (الكونغرس) في واشنطن العاصمة في محاولة لوقف التصديق الرسمي على فوز بايدن في الانتخابات. وفي وقت سابق من ذلك اليوم، ألقى ترامب خطابًا أمام الآلاف من مؤيديه كرر فيه ادعاءاته الكاذبة وقال: "إذا لم تقاتلوا بكل ما لديكم من قوة، فلن تبقى لديكم بلد بعد الآن". واعتبر مراقبون هذا الخطاب وأكاذيبه المستمرة بشأن تزوير الانتخابات تشجيعًا لأعمال العنف كي تحدث.
وفي 13 يناير/ كانون الثاني 2021، أي قبل أسبوع من انتهاء ولايته الأولى، صوت مجلس النواب الأمريكي على إدانة ترامب بتهمة التحريض على التمرد. وصوت عشرة من النواب الجمهوريين لصالح القرار، وهو أكبر عدد أصوات لعزل رئيس من حزبه وأول مرة يتم فيها عزل رئيس لأكثر من مرة. ولكن برأه مجلس الشيوخ في الشهر التالي، وفي عام 2023، وُجهت لترامب أربع تهم تتعلق برفضه نتائج انتخابات عام 2020.
واستأنف فريق ترامب القانوني القرار، ووصلت القضية إلى المحكمة العليا الأمريكية. وقررت المحكمة أن الرؤساء يتمتعون بحصانة من الملاحقة القضائية بسبب أدائهم الرسمي. أعاد المدعون توجيه اتهامات لترامب مع تعديلات طفيفة على الادعاءات. وبعد فوز ترامب في انتخابات 2024، تم إسقاط القضية، لأنه لا يمكن لرئيس في السلطة أن تتم ملاحقته قضائيًا.
تم اتهام ترامب وإدانته أيضًا بـ 34 تهمة تتعلق بتزوير السجلات التجارية للتستر على مدفوعات سرية لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز. واستمر ترامب في إعلان براءته، حتى بعد إدانته من قبل هيئة المحلفين. وقبل عشرة أيام من تنصيبه، حصل ترامب على إعفاء غير مشروط، مما يعني أنه لن يتلقى أي عقوبة - لكن لو لم يُعد انتخابه مرة ثانية، لكان قد حُكم عليه بغرامة باهظة أو بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات.
واضطر ترامب إلى دفع ملايين الدولارات كتعويضات للصحفية السابقة إي. جين كارول بعد أن وجدت هيئة المحلفين أنه مذنب بالاعتداء الجنسي عليها في أواخر التسعينيات، ثم تشويه سمعتها لاحقًا من خلال تصريحات مسيئة تدعي أنها كانت تكذب بشأن الواقعة. واستأنف ترامب الحكم لكنه خسر في ديسمبر/ كانون الأول 2024.
أنصار ترامب يقدرون وعده بجعل "أمريكا أولاً"
يبدو أن معظم الناخبين المؤيدين لترامب يهتمون بشكل كبير بوعده بوضع "أمريكا أولاً". في هذا السياق، كان ترامب ناقدًا لحلف الناتو، وانسحب من منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، وتخلى عن اتفاقية باريس للمناخ خلال فترته الأولى في المنصب. وفي عهد الرئيس بايدن، عادت الولايات المتحدة للانضمام، لكن ترامب يخطط للانسحاب مجددًا.
نهجه الأحادي أثار استياء حلفائه الأوروبيين آخر مرة كان فيها في البيت الأبيض، لكنه أرضى العديد من المحافظين الأمريكيين. كما رحب أنصار ترامب بتخفيضاته الضريبية للأثرياء.
لديه خلفية في الأعمال والترفيه، لا في السياسة
ولد الرئيس الأمريكي السابع والأربعون في 14 حزيران/يونيو 1946، في حي كوينز بمدينة نيويورك. وكان جد ترامب لأبيه قد هاجر إلى الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر من بلدة كالشتات الألمانية، الواقعة في الوقت الحالي في ولاية راينلاند-بفالتس. التحق دونالد ترامب بمدرسة وارتون المرموقة للأعمال في فيلادلفيا، وتخرج بدرجة بكالوريوس العلوم في الاقتصاد عام 1968.
خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، واصل تنمية أعمال عائلته العقارية وقام بتطوير مشاريع بارزة مثل برج ترامب في وسط مدينة مانهاتن حيث عاش أيضا قبل انتقاله إلى فلوريدا. على مر السنين قامت مؤسسته بتشغيل عدد كبير من الفنادق والكازينوهات وملاعب الغولف والتي أفلس العديد منها في النهاية.
كما صنع ترامب لنفسه اسما كمقدم لبرنامج تليفزيون الواقع "The Apprentice" ومعناه المتدرب/ المتدربة، والذي تم اطلاقه في عام 2004 وتميز هذا البرنامج بوجود مجموعة من المتسابقين يتنافسون ضد بعضهم البعض للفوز بعقد لمدة عام واحد في إحدى شركات ترامب، وبعد كل جولة كان ترامب يطرد أحد المتسابقين بعبارته الشهيرة "أنت مفصول" أو "You are fired".
"الأخبار الكاذبة" وسياسات الهجرة المتشددة
طوال فترة رئاسة ترامب، حافظت إدارته على علاقة متوترة مع الصحافة وسجل مليء بالادعاءات الكاذبة والمضللة. غالبًا ما كان ترامب يرفض الحقائق التي لا تعجبه بوصفها "أخبارًا كاذبة"، مقنعا العديد من مؤيديه بأن وسائل الإعلام الناقدة تنشر الأكاذيب لتشويه سمعته.
وخلال فترته الرئاسية الأولى، اتبع ترامب سياسات هجرة متشددة وأدلى مرارًا بتصريحات عنصرية. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2016، وصف ترامب المهاجرين المكسيكيين بأنهم "مغتصبون" و"مجرمون". كما تعهد لاحقا ببناء جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك كما تعهد بجعل المكسيك تتحمل تكاليفه، وهو ما لم يحدث قط. وبحلول نهاية فترة ترامب الأولى في عام 2021، تم بناء 732 كيلومترًا (455 ميلًا) من الجدار على طول الحدود التي يبلغ طولها 3,145 كيلومترًا، بتكلفة بلغت نحو 16 مليار دولار أمريكي (14.4 مليار يورو) من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
ومن المتوقع أن يركز ترامب خلال ولايته الثانية على عمليات الترحيل واسعة النطاق للمهاجرين غير القانونيين. في حين أن تمسك حملته بترحيل مليون شخص سنويا هو أمر غير واقعي استنادا إلى التكلفة والعوائق اللوجستية، ومن المرجح أن يزيد عدد عمليات الترحيل بشكل حاد تحت قيادة ترامب، كما أنه من المحتمل أن تصبح الهجرة الشرعية أكثر صعوبة.
أول محاكمة لعزل ترامب وجائحة كورونا
في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2019، اتخذت إجراءات لعزل ترامب لأول مرة، مما جعله ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه مثل هذه المحاكمة. ركزت محاكمة العزل على الادعاء بأن ترامب قام بحجب المساعدات العسكرية عن أوكرانيا للضغط على كييف للحصول على دعم لإعادة انتخابه في عام 2020 من خلال التحقيق في أنشطة جو بايدن وابنه هانتر بايدن.
من جانبه، رفض الرئيس المنتخب جميع الاتهامات الموجهة إليه. واعتمد مجلس النواب الأمريكي مادتين من مواد العزل ضد ترامب وهما: إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس. ومع ذلك، تمت تبرئته من قِبل مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون، ولم تتم إقالته من منصبه.
تركت جائحة فيروس كورونا أيضًا بصمتها على فترة رئاسة ترامب. فقد كانت معدلات الوفيات الناجمة عن "كوفيد-19" في الولايات المتحدة أعلى بكثير مقارنة بالدول الغنية الأخرى. وقلل ترامب من خطورة الوضع وركز على العودة السريعة لبلاده إلى الحالة الطبيعية قبل الجائحة والإنتاج الاقتصادي بدلاً من الاستماع إلى نصائح خبراء الطب والباحثين.
ويقول النقاد إن تصرفاته ساهمت في وفاة مئات الآلاف من الأمريكيين. وفي مقابلة أجريت معه في أغسطس 2020، اعترف ترامب بأن الناس يموتون، قائلاً: "هذا هو الواقع".
ثلاث زيجات وخمسة أطفال
في عام 2005، تزوج ترامب من ميلانيا كنارف، عارضة الأزياء السلوفينية السابقة. وأنجب الزوجان ابنًا سمي بارون ترامب. وقبل زواجه من ميلانيا، كان ترامب متزوجًا من الممثلة مارلا مابلس، والتي قامت بتربية ابنتهما تيفاني بمفردها في كاليفورنيا.
أما زواج ترامب الأول، الذي دام من عام 1977 حتى 1990 من إيفانا زيلنيكوفا، فقد أسفر عن ثلاثة أطفال: دونالد الابن، إيفانكا، وإريك.
سابقة لم تحدث منذ 40 عاما
وخلال تنصيبه اليوم الاثنين (20 كانون الثاني/يناير 2025) سيتخلى دونالد ترامب عن إجراء مراسم القسم في الهواء الطلق، وسيلقى القسم في القاعة المستديرة (روتوندا) داخل مبنى الكابيتول، حسبما كتب هو بنفسه قبل يومين، على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال". والسبب في ذلك هو "البرد القارس"، حيث ستكون درجات الحرارة تحت الصفر بكثير. وهذا الأمر سابقة لم تحدث منذ أربعين عاما، عندما أدى الجمهوري رونالد ريغان القسم الرئاسي لولايته الثانية عام 1985 داخل الكابيتول.
نقله إلى العربية: صلاح شرارة