أوغسبورغ: مدينة تتلاقى على أرضها العصور
١١ ديسمبر ٢٠٠٦لأوغسبورغ طابعها الفريد
فحين تقام السوق،
تتجول النساء الضامرات
وتُعرض الأبصال والطيور
على الأرصفة المتحجرة
بهذه الأبيات يصف الشاعر الألماني يؤاخيم رينغلناتس (1883-1934) مدينة أوغسبورغ في مطلع القرن الماضي. ولم تنال مدينة أوغسبورغ تسمية "مدينة كبيرة" حسب القانون الألماني سوى عام 1906، بعد ان تجاوز عدد ساكنيها المائة ألف نسمة. أما اليوم فأن هذا العدد أرتفع ليصل الى قرابة 264 ألف مواطن، يشكل الأجانب نسبة 16.7 بالمائة منهم. ومن حيث المساحة فأن أوغسبورغ تعد ثالث أكبر مدينة في مقاطعة بافاريا بعد مدينتي ميونخ ونورنبيرغ. واستمدت المدينة الجميلة أسمها من أسم المستعمرة الرومانية اوغوستا فينديلنكوروم، التي شيدت في السنة الخامسة عشر قبل الميلاد أثناء حكم الإمبراطور الروماني أوغوستوس كمعسكر للجنود. وقد توالى على حكم المدينة بعد إنشاءها ولدا الإمبراطور نفسه دوروس وتيبريوس. وبعد تقسيم مقاطعة ريتيا الرومانية عام 294 ميلادية، أصبحت أوغسبورغ عاصمة للمقاطعة الجديدة رتيا سيكوندا.
وبعد انهيار الإمبراطورية الرومانية توافدت قبائل الجرمان الغربيين أو ما يعرفون بـ"الألمانايين" لسكن المدينة. ويرى بعض المؤرخين الألمان ان الفضل في بقاء المدينة يعود الى وقوعها على طريق الحجاج القاصدين قبر القديسة افرا. أما اليوم فإن مدينة أوغسبورغ تعد من المراكز الثقافية والصناعية المشهورة في ألمانيا. ومازلت سكان المدينة يفتخرون بأن مدينتهم أنجبت أكبر منظري المسرح في العصر الحديث وهو برتولت بريشت في عام 1898. ومن الطريف ان المدينة تعد الوحيدة بين المدن الألمانية، التي تتمتع بعطلة رسمية خاصة بها تسمى بـ"العيد الأكبر للسلام الأوغسبورغي" في الثامن من أغسطس من كل عام. وبهذا العيد تعد المدينة أكثر مدن ومناطق ألمانيا عطلاً.
شرفة عالية وشبكة جداول كبيرة
تقع المدينة على نهر الليش، الذي ينبع في مدينة تيرول النمساوية وعلى مبعدة 150 كيلومتر في الجنوب الغربي ويصب شمالاً في نهر الدانوب الأزرق. ويقع أقدم جزء من المدينة بالإضافة الى أطرافها الجنوبية على النهاية الشمالية "للشرفة العالية"، كما يسميها أهل المدينة. ونشأت هذه الشرفة المطلة العالية بين الأطراف المنحدرة لمدينة فريدبيرغ شرقاً ومرتفعات في الغرب. وقريباً من هذه الشرفة يمر نهارا الليش وفيرتاخ، اللذان يتحدان شمال المدينة. وباتت الأنهار الثلاثة التي تمر قريباً من المدينة، تشكل أحد معالمها، فعمد سكان المدينة الى إنشاء شبكة كبيرة من الجداول الاصطناعية التي لا يكاد يخلو منها شارع من شوارع المدينة.
شواهد تاريخية مغرقة في القِدم
تعد مدينة أوغسبورغ بتاريخها الطويل معلماً ومركزاً ثقافياً هاماً في الحياة الثقافية الألمانية. ففي فترة القرون الوسطى شيد فيها الكثير من الكنائس والكاتدرائيات الكبيرة، ككاتدرائية أمنا العذراء وكنيسة القديسين أولرش وأفرا، التي شيدت على طراز الباسيليقا الروماني الكاثوليكي. وترك هذا الطراز المعماري بصمات واضحة على الطابع المعماري للمدينة. ومن جانب أخر فإن "النوافذ الرسولية" في كاتدرائية "أمنا العذراء" تعد أخر الشواهد الباقية عالمياً على الفن الروماني في الرسم على الزجاج. أما كاتدرائية أوغسبورغ فإنها تقدم نماذج رائعة من الأبواب البرونزية، التي يعود تاريخها الى 1065. وفي عصر النهضة توافد الى مدينة اوغسبورغ الكثير من الفنانين، كان في طليعتهم هانس هولباين وهانس بورغكميار، اللذان عملا على مدى سنوات طويلة على جعل المدينة حاضرة شمال الألب. فخلال هذه الفترة تم إنشاء مبنى البلدية و"النافورة البهية"، التي حملت بعد ذلك أسماءً مختلفة كنافورة أوغسبورغ ونافورة هرقل. ويبدو ان عصر النهضة والفترات التاريخية اللاحقة لم تكن الوحيدة في ترك بصماتها على المدينة. فقد بدا عصر الركوكو بعد ذلك واضحاً على قصور الأمراء ومبنى الأسقفية وغيرها من بنايات المدينة، التي شيدت في تلك الفترة، حتى انها حملت أسم "حلية أوغسبورغ".
قاعة شفابن
وفي عام 1988 تم بناء قاعة شفابن الكبيرة لتنظيم المعارض والمؤتمرات والاجتماعات. ومنذ ذلك الوقت تستضيف القاعة، التي تتسع لأربعة آلاف شخص الكثير من الحفلات الموسيقية والمهرجانات الثقافية ومعرض الربيع الذي يعد من التقاليد الثقافية في المدينة.
سوق عيد الميلاد
يعد السوق الموسمي، الذي يقام في مدينة أوغسبورغ خلال فترة الاحتفال بعيد الميلاد، من أجمل واكبر الأسواق التي تقام في ألمانيا في هذه الفترة. وتأخذ "فرقة عصر النهضة" التابعة للبلدية على عاتقها بناء مرفقات السوق كل عام كتقليد يعود الى اكثر من خمسة قرون. وتعتبر القاعة الذهبية لمبنى البلدية وبرج بيرلاخ من الشواهد التي تخطف الأنظار في ليلة عيد الميلاد، بالإضافة الى شجرة عيد الميلاد الكبيرة بطولها البالغ ثمانية أمتار وزينتها المتمثلة بالملائكة المتحلقين حولها وهم يعزفون الموسيقى. ويقام السوق من 27 نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى ليلة عيد ميلاد المسيح في الرابع والعشرين ديسمبر/ كانون الأول.