إضرابات واحتجاجات: قصة عمال مصر قبل وبعد الثورة
٢٦ أبريل ٢٠١٣دار الخدمات النقابية والعمالية هي إحدى المؤسسات الأهلية التي تعمل على متابعة المواضيع ذات الطابع العمالي، وأسهمت في تشكيل النقابات المستقلة للعمال. وواحد من أهم فروعها هو فرع مدينة السادات، المدينة الصناعية التي تقع شمالي غرب القاهرة بحوالي 90 كيلومتر. يعمل سعد شعبان في هذا الفرع ويحكي لـDw عربية عن تاريخ النضال العمالي قبل وبعد حكم الإخوان المسلمين: "الضغوط كانت ولا تزال مستمرة على العمال. سهّل قانون العمل لعام 2003 إجراءات فصل العامل. قبله كان يمكن للمحكمة أن تحكم بعودة العامل لعمله، وأن يعود، أما بعده فقد أصبح قرار المحكمة غير ملزم لصاحب العمل. هذا القانون جعل أصحاب العمل أكثر تعسفاً ضد العمال، فالعقود مع العمال أصبحت تتجدد سنوياً، بما يعني أنه إذا تم فصل العامل فإنه يحصل على مكافأة شهرين فقط على خدمته كلها، بدلاً من شهرين على كل سنة عمل، كما أصبح أصحاب العمل يجعلون العمال يوقعون على استمارة تسمح بفصلهم قبل عملهم في المصنع".
حالة اللا دولة
ساء الوضع أيضاً مع تولي الإخوان الحكم. حيث أصبحت هناك حالة يسميها شعبان بحالة اللادولة. "في البداية كان يمكننا الشكوى لمكتب العمل، ومكتب العمل كان يحل المشاكل بين العمال وصاحب العمل بشكل ودي، مثلاً يأتي مكتب العمل ويرى المنشأة أو المصنع ويسجل مخالفاتها القانونية ويتفاوض مع صاحب العمل على حل المشكلة مع العمال مقابل التغاضي عن المخالفات. أما الآن فإذا تم فصل العامل ولجأ لمكتب العمل فيحيله هذا للمحكمة، التي تحدد جلستها بعد أسابيع طويلة، ثم جلسة ثانية وثالثة، وهذا حتى تحكم له في النهاية بشهرين مكافأة. من الطبيعي إذن أن يمل العامل ويرضى بأية تسوية مع صاحب العمل ولو كان فيها إجحاف له".
عرضت الدار على وزير القوى العاملة الحالي، خالد الأزهري، الآتي من خلفية إخوانية، حلاً للإضرابات المتزايدة، لجنة تمثل فيها القيادات النقابية وجمعية المستثمرين ووزارة القوى العاملة ممثلة في مكتب العمل، تشرف على المشاكل العمالية كي لا يقع صدام أو إضراب، ويكون الحكم الفيصل هو وزارة القوى العاملة نفسها، ولكن الأزهري رفض، كما يقول شعبان: "هو يفكر بمنطق إخواني، يريد لعجلة الإنتاج أن تدور اليوم ولا يهم كيف ولا يهم ما الذي سيحدث فيما بعد".
ولكن هناك سلبيات أيضاً يشير لها شعبان في النضال العمالي، فوضع اللا دولة كان له تأثير آخر، حيث ولدت بعد الثورة تنظيمات نقابية كثيرة، تطالب بحقوق العمال، ولأنها وليدة الثورة فلم يكن لدى أعضائها الخبرة الكافية بكيفية تنظيم الإضراب: "قبل الثورة كان العمال مضطهدين وكانوا إذا ما قاموا بإضراب يأتي أمن الدولة ليعتقل قياداتهم كلها. الآن الدولة في حالة انهيار. لذا يرى العمال أنهم إن لم يحصلوا على حقوقهم الآن فلن يحصلوا عليها أبداً. كما أنهم يطلبون أحياناً طلبات فردية، أو يضربون في حالة عدم وجود طلبيات عاجلة، مما يسهل على صاحب العمل فصلهم من المصنع."
قصة النقابات المستقلة
النقابات المستقلة هي طرف أساسي في قصة العمال، فالنقابات المستقلة عن النقابة العامة التابعة للدولة تبدو مغضوباً عليها من كل الجهات الرسمية في الدولة، على الرغم من كونها مشهرة قانوناً. يضيف شعبان: "وزير القوى العاملة، الإخواني، بدا في البداية مشجعاً للعمل النقابي المستقل، ولكنه بدأ بعدها في تجاهلها، مما قوّى من سلطة رجال الأعمال ضدنا. أصبحوا ينتقمون من أعضاء اللجان النقابية المستقلة متهمين إياهم بأنهم المحرضون على الإضراب. وبالتالي فقوة النقابات المستقلة لا تنبع من القانون وإنما من قدرتها على التأثير في العمال ومن تضامن العمال سوياً مع بعضهم البعض". مثلا، يحكي شعبان عن تهديد صاحب مصنع للبطاطس نصف المقلية العمال بإغلاق المصنع، فما كان من العمال إلا أن هددوه في المقابل بإدارة المصنع بأنفسهم وتسويق المنتج بأنفسهم والاستفادة من أرباحه، مما جعله يتراجع عن تهديد بشكل فوري.
ويحكي إبراهيم صابر، أحد العمال المفصولين من شركة النيل للغزل، طرفاً من التوتر بين النقابة المستقلة والنقابة العامة. فقد لجأ عمال الشركة إلى عبد الفتاح إبراهيم، وهو رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج، وصديق شخصي لوزير القوى العاملة خالد الأزهري. فما كان منه إلا أن وعدهم بتلبية جميع مطالبهم شريطة ابتعادهم عن النقابات المستقلة. وعندما سأله إبراهيم عن كيفية تلبية مطالبهم قال له: "النظام في النقابة العامة أن تكسر الإضراب وتعمل أولاً، ثم تطالب بحقوقك"، وهو ما رفضه العمال بالطبع، الذين كانوا فاقدين الثقة تماماً في صاحب الشركة.
إبراهيم، الذي تم فصله من شركة النيل للغزل، من ضمن أربعة وعشرين عاملاً تم فصلهم من هناك لتزعمهم إضراب كبير ضد صاحب الشركة محمد مرزوق، يقول للـDW عربية إن الإخوان لا يريدون سوى أن تبدو الأمور ظاهرياً في حالة جيدة، لذا فقد وافقت لجنة فض المنازعات على طلب صاحب الشركة بفصل العمال. الفصل لم يحدث بشكل واضح. وإنما طولب كل عامل بالتوقيع على استقالته مقابل مبلغ مالي. وقع بعض العمال ورفض إبراهيم، ولكنه استجاب في النهاية تحت ضغط زملائه.
كان هذا تتويجا لمسيرة من الاحتجاجات ضد صاحب العمل والتي يصرح فيها برغبته في فصل إبراهيم ويهدد العمال كل مرة بالإضراب في حالة تم فصله، وتتويجاً لمساع تقوم بها أمانة حزب الحرية والعدالة لإقناع العمال المضربين بالاستقالة: "يقولون لنا اتركوا المصنع وسنصرف لكم مكافأة الشهرين بدون اللجوء للمحكمة وسوف نعمل على إعادة تشغيلكم فيما بعد، وبعدها طبعا لا يفعلون شيئاً."
يحكي إبراهيم بداية نشأة الشركة. حيث اشترى صاحب الشركة ماكينات العمل كخردة، وطلب من العمال إعادة تركيبها وتشغيلها ووعدهم بزيادة مرتباتهم عندما تبدأ الشركة في الربح. وبينما استطاع شراء كيلو الخردة بدولار فقد باع الماكينة فيما بعد للمصانع، بوصفه عضواً في الغرفة التجارية، بمئتي دولار أو أكثر، ولم يدفع شيئاً للعمال بالطبع. هذا مع سياسة تفرقة في الرواتب للعمال. يزيد رواتب عمال أقل كفاءة ويخصم من رواتب الأكثر كفاءة. وهذا له فوائده على المدى البعيد، حيث يمنع عن العمال التعاطف والتضامن مع بعضهم البعض، كما يفسر إبراهيم.
الجيش هو الحل الأول للإخوان
أكرم إسماعيل، أمين عام حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالقاهرة يقول للـDW عربية إن النضال العمالي يتحرك وفق بوصلة الصراع السياسي، ولكن ليس بالضرورة وفق بوصلة الصراع بين الإسلاميين والقوى المدنية. وإنما بشكل مختلف: "هناك دائماً توتر اجتماعي مرتبط بالفقر، وعندما يبدو واضحاً للناس ضعف النظام تتزايد أشكال الاحتجاجات. الدولة الآن منهارة، ومؤشرات هذا عديدة، منها عدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة، عدم وجود آلية واضحة، مثلما كان أيام مبارك، للعقاب. كل هذا يرسل للعمال إشارات بأن النظام منهار. يضاف طبعا لهذا أسباب اجتماعية واضحة. هناك غلاء وأزمات سولار وحالة إحباط عام."
يضاف لضمن مظاهر انهيار النظام تعطل القطارات: "عندما يصطدم قطار بآخر فإن من يعاقب هو السائق، وليس المسئول عن ترهل بنية السكة الحديد بأكملها. كل هذا يغذي حالات الإحباط التي يعاني منها العمل". يحكي أكرم قصة إضراب سائقي السكة الحديد، والذين أضربوا مؤخراً فما كان من الجيش إلا أن تدخل في الصورة واستدعى السائقين المضربين ممن كانوا على ذمة الاحتياط وأمرهم بتسليم أنفسهم إلى وحدتهم العسكرية، يشير أكرم إلى كون هذا إشارة لعسكرة الدولة في عهد الإخوان: "ما لم يلاحظه الكثيرون إن نظام مبارك كان يحاول في السنوات العشر الأخيرة من حكمه كسر عسكرة الدولة، وتفتيت هيمنة الجيش عن طريقة تنمية دور رجال الأعمال وشبكات المصالح الاجتماعية وعن طريق تقوية دور الداخلية بالطبع، أما هنا فالإخوان فيبدأون بالخطوة الأخيرة التي يلجأ لها أي نظام في حالة الانهيار، وهي الاستعانة بالجيش. هذا يعني أن نظام مبارك كان أكثر مرونة وقدرة على المناورة من نظام الإخوان فيما يعلق بالمطالب الاجتماعية".