اتساع الهوة بين مؤيدي ومعارضي توسيع مجلس الأمن
في جو تسوده خلافات عميقة في الرأي، انطلقت أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة المبادرات المطروحة لتوسيع مجلس الأمن الدولي، الهيئة الأهم والأكثر نفوذا في هيئات الأمم المتحدة. وعلى بساط البحث هناك ثلاث مبادرات مختلفة تماما، الأمر الذي يشير إلى حجم التباينات السائدة بين أعضاء المجتمع الدولي حول مسألة إصلاح المنظمة الدولية. المبادرة الأولى تمثل مشروعا أصبح يعرف بـ "مجموعة الدول الأربع" (G4) التي تضم ألمانيا والبرازيل والهند واليابان ومجموعة "متحدون من أجل التوافق" التي تضم كل من إيطاليا وباكستان والمكسيك والأرجنتين، وأخيرا الدول الإفريقية التي صاغت مشروعا في قمتها الأخيرة بليبيا يتسم بطموح سياسي لا يمكن أن يجد له طريقا للتحقيق، حسب رأي المراقبين الدوليين. هل ستنجح الأمم المتحدة في تمرير مشروع التوسيع أم أن دول الفيتو ستشهر هذا الحق في وجه الدول التي تطمح للحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن؟
الحاجة إلى توسيع مجلس الأمن
إن مسألة إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن الدولي مطروحة منذ حوالي 12 سنة، كما أن هناك شبه إجماع على أن المجلس بتشكيلته الحالية التي تعتبر إفرازا لنتائج الحرب العالمية الثانية، لم يعد يعكس أولا حجم الدول الأعضاء داخل الامم المتحدة وثانيا أن هناك متغيرات دولية وإقليمية تفرض إعادة النظر في تمثيل الدول داخل مجلس الأمن. غير أن الإشكالية تتمثل في كون تشابك المصالح الدولية من جهة واختلاف وجهات النظر بين هذه الدول من جهة ثانية يعقدان مسألة الإصلاح والتوسيع.
مشاريع الاصلاح
يقترح مشروع الدول الأربع (ألمانيا، البرازيل، اليابان والهند) توسيع مجلس الأمن إلى 25 عضو، ستة منهم دائمين لا يتمتعون بحق الفيتو وأربعة غير دائمين. والمشروع لا يحدد الدول بالأسماء، لكن المقصود طبعا هي الدول الأربع بعينها ودولتان من إفريقيا. أما مشروع المجموعة الثانية (إيطاليا، باكستان، الأرجنتين، المكسيك) فهو مخالف تماما، اذ ينص على توسيع المجلس إلى 25 لكن من دون عضوية دائمة إضافية، كما يقترح أيضا أن يعاد انتخاب الدول التي اختيرت لمقعد دائم لسنتين فور انقضاء هذه المدة. أما المقترح الذي صاغته دول الإتحاد الإفريقي بمدينة سيرت الليبية في قمتها الأخيرة فيقضي بتوسيع مجلس الأمن إلى 26 دولة مع إضافة 6 دول دائمة العضوية تملك حق النقض من بينها مقعدين لأفريقيا. غير أنه من المستبعد جدا بل من المستحيل أن يتم تبني هذا القرار لكون الأعضاء الدائمين الحاليين يرفضون رفضا تاما منح أي من الاعضاء الجدد حق النقض الفيتو. ويتطلب تغيير تركيبة المجلس تصويت أغلبية الثلثين من أعضاء الجمعية العامة الـ 191 وموافقة الاعضاء الخمس الدائمين في مجلس الامن عليه وهي الولايات المتحدة، وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين.
إيطاليا تهاجم مجموعة الدول الأربع
في إطار التنافس الشديد لربح مقعد بمجلس الأمن عقد وزراء خارجية الدول الأربعة (ألمانيا، البرازيل، اليابان والهند) اجتماعا في العاصمة البريطانية لندن مع ممثلين عن دول الإتحاد الإفريقي وهم وزراء خارجية نيجيريا وغانا ومصر وليبيا والجزائر. ويعد هذا الاجتماع الثاني من نوعه خلال أقل من شهر. وكان اللقاء الأول قد عقد في مقر الأمم المتحدة، ولكن اللقاءين لم يحققا أية نتائج تذكر. من الجدير بالذكر أن أن دعم الدول الإفريقية في غاية الاهمية لتأمين الاغلبية المطلوبة في الجمعية العامة. ايطاليا كانت أشد المنتقدين للقاءات هذه حتى أن سفيرإيطاليا لدى الامم المتحدة مارسيلو سباتافورا وجه انتقادا شديد اللهجة إلى مجموعة الأربعة بالقول: " إن ما يجري في بعض العواصم عيب وعار، ولقد حان الوقت لكل دول المجتمع الدولي أن تقف وتقول: كفى كفى." ولقد برر السفير الإيطالي نقده هذا لقيام إحدى دول المجوعة دون أن يذكرها بالاسم بالتراجع عن تقديم الدعم لمشروع خاص بالأطفال ويقدر بنصف مليون دولار لإحدى الدول النامية التي تتحفظ على مسألة توسيع مجلس الأمن الدولي. وبما أنه لا يمكن أن يكون المقصود هنا إلا ألمانيا أو اليابان، أعرب السفير الألماني لدى الأمم المتحدة غونتة بلويغه عن امتعاضه من اتهامات السفير الإيطالي، معتبرا أن "هذا المستوى من الحوار لا يشكل إطلاقا أرضية للنقاش السياسي."
العرب وقضية توسيع مجلس الأمن
تعتبر الأصوات العربية والبالغ عددها 21، أي ما نسبته %11، من مجموع أصوات الأعضاء الممثلين في الجمعية العامة في غاية الاهمية في هذا التنافس المحموم حول الحصول على مقاعد دائمة داخل مجلس الأمن الدولي، فمصر وليبيا تطمحان إلى الفوز بمعقد دائم داخل المجلس. غير أن التنافس الشديد قد يحد من طموحهما خصوصا أن دول الإتحاد الإفريقي لا تدعم ترشيح الدول العربية لمقعد دائم في المجلس، وانما تحبذ منح صوتها لصالح جنوب إفريقيا.
من دون شك سيشهد الخريف القادم نقاشا وصراع حادا حول مسألة توسيع مجلس الأمن. فالخلافات القائمة خلف الكواليس أشد بكثير من تلك الظاهرة للعيان، ناهيك عن تهديد الصين الدائم بالفيتو في حالة منح اليابان مقعد دائم، وبالمقابل تهديد الولايات المتحدة بأنه لن يكون هناك توسيعا لمجلس الأمن بدون اليابان.
تقرير محمد مسعاد