ارتفاع عدد الجرائم الجنسية في ألمانيا ـ فمن المسؤول؟
٢١ سبتمبر ٢٠١٧قلما يحصل أن تنال جلسة حكومية في ميونيخ لحكومة ولاية بافاريا اهتماما في جميع أنحاء ألمانيا. يومها، في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر، عرض وزير الداخلية البافاري يواخيم هيرمان تقريرا شمل إحصائيات الوضع الحالي للجريمة في الولاية الألمانية الجنوبية الغنية. التقرير بدأ بشكل إيجابي حين كشف أن حالات الهجوم على المنازل والسرقات في تراجع.
بيد أنه سرعان ما وصل إلى الحديث عن تطور "مفزع". فقد ارتفع عدد حالات الاغتصاب في النصف الأول من 2017 بنسبة النصف: 685 جريمة ارتُكبت منذ بداية السنة، بينها 126 حالة نسبت لمهاجرين. وبزيادة 60 حالة أكثر من الفترة نفسها في السنة الماضية يكون ذلك ارتفاعا بـ 90 في المائة.
إنها أرقام مفزعة، لكن خبراء الجريمة لا يمكنهم التسليم بالإحصائيات التي قدمها وزير الداخلية. "الأرقام مفاجئة"، يقول رالف كولبيل خبير القانون الجنائي بجامعة لودفيش ماكسميليان بميونيخ. وتبقى هذه الأرقام حسب تقييمه غير منطقية لتعكس ارتفاعا حقيقيا.
مشتبه به لكنه ليس مجرما
لكن كيف يمكن تفسير هذا الارتفاع السريع؟ فأرقام وزير الداخلية البافاري كانت أرقاما مؤقتة لإحصائيات الجريمة المسجلة من قبل شرطة ولاية بافاريا. وإحصائيات الجريمة تضم أيضا الجنايات التي تحقق بشأنها الشرطة، إذن هي حالات مشتبه بهم. والمشتبه به لا يعتبر جانيا تلقائيا. "إحصائيات المشتبه بهم ليس موثوق بها"، يقول خبير شؤون الجريمة كريستيان بفايفر من معهد بحوث الجريمة ـ عندما يتعلق الأمر بضبط الجريمة الحقيقية.
الإبلاغ عن الغرباء أكثر من السكان الأصليين
الاستعداد للإبلاغ عن الجرائم الجنسية لدى الشرطة يبقى ضعيفا، إذ كشفت دراسة لوزارة شؤون العائلة في 2012 أن 8 في المائة فقط من ضحايا العنف الجنسي يتوجهون للشرطة. ويبقى الرقم المحتمل للتجاوزات في الوسط الشخصي والمهني، حسب الخبراء عاليا. وإذا لم يكن الجاني يعرف الضحية، فإن الاستعداد للإبلاغ عن ذلك يكون مرتفعا. ويقول بفايفر خبير شؤون الجريمة: "الغرباء يواجهون خطر الإبلاغ عنهم أكثر بكثير مقارنة مع السكان الأصليين".
وقد أصدر معهده في 2017 دراسة شملت 20.000 من الشباب الألمان، والفارق يبقى قويا، لاسيما فيما يتعلق بالجنح الجنسية: فقط 18 في المائة من الضحايا يقبلون على تقديم شكوى عندما يكون الجاني من السكان الأصليين، لكن 44 في المائة يفعلونها عندما يتعلق الأمر بشخص غريب، وهذا ما يشوه الصورة.
هل القانون الجنائي الجديد يساعد؟
والارتفاع السريع قد يكون مؤشرا على استعداد متزايد للإبلاغ لدى الشرطة، يقول خبير القانون الجنائي كولبيل. وبعد الاعتداءات الجنسية في ليلة رأس السنة 2015 في كولونيا كان القانون الجنائي حاضرا بقوة. ويقول كولبيل إن الجدل حول هذه القضية ربما ساهم في تقوية الاستعداد للإبلاغ عن الاعتداءات لدى الشرطة.
وهذا الأمر ينطبق على ضحايا حالات سابقة، لأن الشرطة تدون في إحصاءاتها فقط التحقيقات المنتهية، وهذا لا يجب بالضرورة أن يكون مرتبطا بوقت اقتراف الجريمة. إضافة إلى ذلك يمكن للشروط المتغيرة أن تؤثر على الإحصائيات، فبعد الاعتداءات الجنسية في كولونيا تم تشديد القانون الجنائي المرتبط بالاعتداءات الجنسية في ألمانيا.
مأزق تقليدي للإحصائيات
وبتوسيع مجال الجنحة يتم إدراج جنايات أكثر تحت هذه الفئة وبالتالي يتم تسجيل شكاوى أكثر. ويقول بفايفر إنه كان متوقعا أن يرتفع عدد الجرائم المسجلة. وفي الوقت الذي تغير فيه فقط سلوك الإبلاغ يبدو وكأن عدد الجنح ارتفع فعلا، يقول خبير الإحصائيات فالتير كريمر من جامعة دورتموند. وهناك أيضا أرقام غير منسجمة مع بعضها البعض: فإحصائيات الجريمة تميز بين السكان الأصليين والمهاجرين. وتبقى بنية العمر والجنس مختلفة، كما يقول خبير شؤون الجريمة بفايفر.
ويوجد بين المهاجرين عدد أكثر من الرجال، فيما أن السكان الأصليين يكونون متقدمين في السن. ولا يمكن بالتالي مقارنة المجموعات مع بعضها البعض، كما يؤكد ذلك مكتب الجريمة الاتحادي لعام 2016 حول "الجريمة في محور الهجرة".
سلطة الأرقام
لكن كيف يتم تصديق الأرقام بسرعة؟ خبير الإحصائيات كريمير يقول بأن الأرقام تعكس نوعا من السلطة. "وفي العادة لا يتم نشر إحصائيات تغطي نصف سنة، لأنها غير موثوقة"، كما يقول خبير شؤون الجريمة بفايفر. ويفترض هذا الأخير أنه "يتولد لدينا انطباع أنه تم توظيف إحصائية تغطي نصف سنة، لأنها مواتية، ولأن هناك حملة انتخابية يمكن الظهور فيها بنظرية معينة".
وقد سارع وزير داخلية ولاية بافاريا هيرمان عقب عرض تقريره إلى القول: "هدفنا هو مكافحة الجرائم الجنسية بشكل أدق حتى في مراكز إيواء اللاجئين". وهذا يشمل بالنسبة إليه "الحد الفعال من الهجرة وترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم".
ولم يكن وزير الداخلية بالفعل قادرا في الجلسة نفسها على تعليل هذا التطور، واكتفى بالقول "إن خبراء الشرطة يعملون حاليا على إصدار تحليل مفصل للإحصائيات". ورغم هذا الوضع الغامض تم استغلال تلك الأرقام لأهداف سياسية.
ماكسميليانه كوشيك/ م.أ.م