اكتظاظ مهول.. ما أسباب ارتفاع عدد السجناء في المغرب؟
١٣ أغسطس ٢٠٢٣حوالي مئة ألف سجين في المغرب، بينما لا تتوفر السجون سوى على 64.6 ألف سرير. هذه الأرقام لم تصدر عن منظمة غير حكومية أو جهة حقوقية، بل عن إدارة السجون المغربية (المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج) التي ذكرت أن رقم السجناء وصل حداً غير مسبوق.
والظاهرة قد ترتفع أكثر، إذ تحذر هذه الإدارة أن استمرار الاعتقال بالوتيرة الحالية من شأنه رفع نسبة العجز بين السجناء وبين عدد الأسرة. ودعت المندوبية "السلطات القضائية والإدارية إلى الإسراع بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة إشكالية الاكتظاظ، لتفادي ما قد يترتب عن هذا الوضع من اختلالات أو حتى انفلاتات أمنية".
وكانت المندوبية قد أشارت في وقت سابق أنه لكل 100 ألف نسمة هناك 265 سجيناً، وهي النسبة الأعلى مقارنة بدول الجوار.
ودعا المرصد المغربي للسجون، وهو منظمة غير حكومية، إلى تأسيس "لجنة وطنية للرصد والإنقاذ" تقوم بزيارة السجون ورصد ظروفها، وتفعيل حقيقي لـ"الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، باعتبار أن الاكتظاظ هو أيضاً تعذيب حسب القرارات الأممية"، و"اتخاذ إجراءات لإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والحركات الاجتماعية"، حسب بيان من المرصد.
ظاهرة الاعتقال الاحتياطي
ومن أكبر الملفات التي تساهم في ظاهرة الاكتظاظ، ظاهرة الاعتقال الاحتياطي، أي وجود سجناء لم تصدر بشأنهم أحكام قضائية تدينهم بالسجن، لكن يتم اعتقالهم نظراً لخطورة الجرائم المتهمين بارتكابها، في انتظار صدور حكم قضائي حول قضاياهم.
ويشكل المعتقلون احتياطياً نحو 39 بالمئة من مجموع السجناء، بحسب رئاسة النيابة العامة التي تفاعلت في بلاغ لها مع قلق المندوبية العامة للسجون. وذكرت النيابة العامة أن هناك تراجعاً في نسبة الاعتقال الاحتياطي مقارنة بسنوات سابقة، كما أن النسبة ليست مرتفعة كثيراً مقارنة مع دول أوروبية.
نادي قضاة المغرب، أشار على لسان رئيسه عبد الرزاق الجباري إلى أن إشكالية الاعتقال الاحتياطي تعود إلى عدة أسباب منها أن السياسة الجنائية للحكومة تعتمد "على العقوبة السالبة للحرية وميلها إليها كحل سهلٍ لمواجهة الجريمة"، حتى في مواجهة جرائم غير خطيرة للغاية كخرق الطوارئ الصحية والغش في الامتحانات.
وليس الاعتقال الاحتياطي وحده هو الذي يرفع عدد السجناء، بل كذلك عدم تنفيذ أحكام قضائية تقضي بإيداع محكوم عليهم في مؤسسات العلاج، خصوصاً منهم من يعانون من المرض العقلي، وكذلك من يعانون من إدمان المخدرات، وفق ما يشير إليه الجباري.
"تطور للجريمة"
لكن النيابة العامة تتحدث عن أن السلطات الأمنية لا تلجأ إلى الاعتقال إلّا عند الضرورة، وأن نسبته لم تتجاوز 24 في المئة من نسبة من تم تقديمهم أمام النيابة العامة خلال النصف الأول من عام 2023.
كما تذكر النيابة العامة أن هناك "تطوراً نوعيا للجريمة في السنوات الأخيرة"، خصوصاً لأشخاص يرتكبون جرائم جديدة بعد خروجهم من السجن، وذكرت أنه في ستة أشهر فقط، تمّ اعتقال حوالي 309 شخص، في جرائم كالاتجار في المخدرات والشغب الرياضي وجرائم الأموال، كما أوقفت أكثر من 162 ألف شخص كانوا فارين من العدالة.
ويقول رئيس نادي قضاة المغرب في مقال نشره على صفحته على فيسبوك أن "ارتفاع نسبة الجريمة بكل أنواعها يحتم ضرورة توفير الأمن للمواطنين"، وأن ارتفاع حالة العودة لارتكاب الجرائم يبين "فشل السياسة العقابية التي تعتبر فيها العقوبة السالبة للحرية قطب رحاها".
مراجعة القانون الجنائي
من أسباب الاكتظاظ حسب عبد الرزاق الجباري هناك "عدم تفعيل مؤسسة الإفراج المقيد بشروط"، التي يمكن تبت في اقتراحات مسؤولي السجون بالإفراج عن من تحسن سلوكه، وكذلك تعثر مراجعة القوانين الجنائية، وهي مراجعة من شأنها "رفع لتجريم عن العديد من السلوكيات البسيطة" و"إقرار العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدى".
وكانت الحكومة المغربية قد صادقت يونيو/حزيران الماضي على مشروع قانون رقم 43.22 يتعلق بالعقوبات البديلة، قدمته وزارة العدل. ويتيح القانون للقاضي في إطار سلطته التقديرية تطبيق عقوبات بديلة، على الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها 5 سنوات، لأجل المساهمة في حل مشكلة الاكتظاظ داخل السجون وترشيد التكاليف حسب ما ذكره الناطق باسم الحكومة المغربية.
ولم يتم بعد مصادقة البرلمان على القانون الذي يركز على العمل لأجل المنفعة العامة كعقوبة بديلة للسجن. كما صادقت الحكومة على مشروع قانون رقم 10.23 يخص مراجعة شاملة لقوانين السجن، ومن ذلك "حماية الفئات الهشة المحرومة من حريتها ومراعاة احتياجاتها كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة".
وطالب المرصد المغربي للسجون باتخاذ إجراءات مستعجلة للحد من إجراءات الاعتقال الاحتياطي، ومن ذلك "الإفراج عن السجناء والسجينات الذين ستنتهي مدة الأحكام الصادرة في حقهم في الأشهر الثلاثة القادمة، أو الذين تتعثر قضاياهم لدى مكاتب التحقيق".
وترفع عدة منظمات حقوقية دعوات بإصلاح القانون الجنائي، ومن ذلك حذف العقوبات التي تمسّ حرية المعتقد، وحقوق المجموعات الجنسية المختلفة، والحريات الفردية، وكذلك الجرائم التي تمسّ حرية التعبير.
إسماعيل عزام