الأردن- المساعدات تبقي الأزمة الاقتصادية ضمن نطاق السيطرة
١٧ فبراير ٢٠١٨لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية في المدن الأردنية منذ أن رفعت الحكومة الأردنية أواخر يناير/ كانون الثاني 2018 وبشكل أكثر راديكالية من قبل نسب الضرائب على سلع عديدة. كما رفعت وبشكل غير مسبوق أسعار الخبز بنسب تراوحت بين 60 و 100 بالمائة. ولم تخلو الاحتجاجات من أعمال شغب وعنف طالت مؤسسات حكومية بحرائق اقتصرت خسائرها على الممتلكات كما حصل في مدينة الكرك قبل أيام. المسيرات الغاضية التي خرجت في هذه المدينة وفي عمان ومعان ومدن الأخرى تطالب الحكومة بتغيير نهجها الاقتصادي والعدول عن سياسة رفع الأسعار والضرائب التي تؤدي إلى مزيد من الفقر والبطالة. وترتفع هذه النسبة بشكل خاص في صفوف الشباب الذي يشكلون 70 بالمائة من عدد سكان الأردن الذي يزيد على 9.5 مليون نسمة يشكل اللاجئون من سوريا ودول أخرى خمسهم حسب مصادر الحكومة الأردنية.
الضرورة حجة الحكومة الدائمة!
من جهتها تقول الحكومة الأردنية في معرض ردها على الاحتجاجات أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة لا مفر منها لاستكمال برنامج الاصلاح الاقتصادي الهادف لتحفير الاقتصاد وجذب الاستثمار وفرص العمل وتقليص عجز الموازنة والدين العام الذي وصل حجمه إلى نحو 36 مليار دولار. ومما يعنيه ذلك أن حجم الأخير وصل إلى ما يقارب حجم الناتج المحلي الاجمالي الذي تراوح بين 37 إلى 40 مليار دولار بين عامي 2015 و 2017. أما عجز الموازنة التي تقدر قيمتها بنحو 12 مليار دولار فيتوقع ارتفاعه إلى 15 بالمائة هذا العام مقابل أقل من 10 بالمائة خلال العام الماضي 2017. غير أنه وبغض النظر عما تقوله الحكومة، فإن إجراءاتها جاءت أيضا في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وافق على تقديم قرض للأردن مقابل تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي يتضمن رفع الضرائب والدعم الحكومي عن السلع وتقليص الدين العام إلى 77 بالمائة من الناتج المحلي الأجمالي بحلول 2021. وتقول الحكومة أنها خصصت نحو 276 مليون دولار في موازنة العام الجاري 2018 من أجل "شبكة أمان اجتماعي" تقدم الدعم للفقراء وأصحاب الدخل المحدود الذين لا يستطيعون تحمل عب زيادة أسعار الخبر والسلع الضرورية الأخرى. غير أن كلام الحكومة والغموض في كيفية تطبيقه لم يهدئ مخاوف الكثيرين من أن الأمر قد يكون في إطار الوعود الكثيرة التي تقدمها. وحتى في حال التنفيذ فإن هناك خوف من عدم المعونات الاجتماعية بشكل يستفيد منه المحتاج فعليا للدعم بسبب الفساد والمحسوبيات وغياب الشفافية التي تعاني منها أجهزة الدولة.
أوجه الأزمة
فعليا وبعيدا عن تقييم سياسات الحكومة الأردنية فإن الوقائع تشير إلى أنها في وضع لا تُحسد عليه كونها تقف أمام تحديات اقتصاديات تأخرت كثيرا في مواجهتها. وهذا ما يعكس زيادة حدة الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ عدة سنوات في بلد قدره الاعتماد على السياحة ومساعدات الدول العربية النفطية والغربية بشكل أساسي. غير أن السياحة تضمحل في محيط يشهد الاضطرابات المستمرة والحروب المدمرة، وهكذا تراجعت الحركة السياحية إلى الأردن بنسب وصلت إلى 70 بالمائة، الأمر الذي خلف وراءه آلاف العاطلين الجدد عن العمل. أما المساعدات العربية فقد تراجعت بدورها ليس بسبب تراجع أسعار النفط فقط، بل أيضا بسبب الخلافات السياسية التي يدفع الأردن ثمنا لها بسبب مواقفه التي لا تتطابق مع مواقف الدول المانحة وفي مقدمتها السعودية والإمارات. وبالنسبة للمساعدات الأمريكية والأوروبية التي تصل سنويا إلى نحو 1.5 مليار دولار بما فيها المساعدات العسكرية والأمنية فهي على أهميتها لا تكفي لمواجهة خدمة الدين العام وعجز الموازنة التي زاد من حدته تدفق مئات الآلاف اللاجئين السوريين والعراقيين الهاربين من نيران الحرب التي تعصف ببلديهما. وعلى ضوء ذلك ترى الحكومة أنه لا خيار أمامها سوى اللجوء إلى جيوب المواطنين من خلال رفع الضرائب والأسعار لتخفيف حدة العجز وإبعاد خطر فراغ الخزينة من الأموال الحيوية لخدماتها العامة الأساسية.
مشكلة الحكومة
على الرغم من صحة سياسات الاصلاح الاقتصادي التي تقوم بها الحكومة، فإن المشكلة تبدو في توقيتها الذي تأخر كثيرا وفي عدم بناء شبكة أمان اجتماعي بعيدة عن الفساد وتطال المستحقين من الفقراء فعليا لتخفيف تبعات الاصلاح الاقتصادي القاسية عليهم. ومن هنا فإن المخاوف من استمرار الاحتجاجات وتهديد الاستقرار السياسي النسبي ما تزال قائمة. وتعكس هذه المخاوف إعلان الولايات المتحدة عن زيادة مساعداتها للأردن لتصل إلى حوالي 1.3 مليار دولار للسنة المالية الجارية. ولا يشمل ذلك المساعدات الطارئة التي تقدم بين الفينة والأخرى. وسيقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات بقيمة 500 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات تنتهي بحلول 2020. ولا تشمل هذه المساعدات القروض الميسرة التي يحصل عليها الأردن بشكل استثنائي وإضافي لتمويل مشاريع مختلفة. وهناك محاولة أردنية لتحفيز السياحة عن طريق تخفيض تكاليف السفر من وإلى الأردن، إضافة إلى مشروع للاعتماد على النفط العراقي الرخيص لتوفير مصادر الطاقة.
مساعدات لمنع الأسوأ
يلعب الأردن بالنسبة للغرب وحلفائه دورا جيوسياسيا في غاية الأهمية والحساسية للاستقرار وتحقيق التوازنات وسط محيط تزعزعه حروب ونزاعات في مقدمتها النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وعليه فإن هذا البلد الذي تتكرر أزماته الاقتصادية بحكم ضعف موارده وزيادة أعباءه سيحظى دائما بمساعدات وقروض ميسرة لتجنب أية تبعات اجتماعية وسياسية خطيرة لا أحد يرغب بها. وعلى الرغم من تعبير الملك الأردني عبدالله الثاني وزعماء أردنيين آخرين أكثر من مرة عن خيبة أملهم من قلة الدعم الخارجي قياسا إلى المهام المطلوبة، فإن تلك المساعدات تبدو حتى الآن كفيلة بالحفاظ على استقرار اقتصادي يمنع انفجار الوضع وخروجه عن السيطرة. وأما الازدهار الاقتصادي فيبقى مؤجلا حتى تتوقف حروب المنطقة وتزدهر السياحة والتجارة، لاسيما مع العراق وسوريا. الجدير ذكره أن العراق كان يزود الأردن بالنفط الرخيص ويتصدر قوائم الأسواق المستوردة للبضائع الأردنية. أما سوريا فكان تستوعب بدورها فوائض الأردن من الخضار في مواسم الذروة وتزوده بالألبسة والأغذية بأسعار مغرية على مدار السنة.