الأزمة السياسية في تونس تتصاعد.. أي دور يلعبه الجيش؟
٢١ سبتمبر ٢٠٢١في السادس والعشرين من يوليو / تموز الماضي، وفي خضم إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن قرار بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة حكومة هشام المشيشي، انتشر على نطاق كبير فيديو يُظهر منع عناصر من الجيش رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، وعددا من النواب من دخول مبنى البرلمان فجر ذاك اليوم.
وفي ذلك الوقت، قال الجنود خارج بوابة مقر مجلس النواب التونسي وهم يمنعون الغنوشي والنواب الذين كانوا برفقته "إن الجيش تلقى الأوامر".
جاء ذلك بعد أن أعلن الرئيس سعيّد أنه لجأ إلى سلطات الطوارئ بموجب الفصل (المادة) 80 من الدستور التونسي من أجل إقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان ثلاثين يوما. في المقابل بدا أنّ الغنوشي والنواب المرافقين له كانوا يرغبون من خلال الذهاب إلى مقر مجلس النواب، إظهار التحدي لقرارات سعيّد وعقد جلسة طارئة في البرلمان.
دور الجيش الجديد؟
وبعد مرور أكثر من شهرين، يبدو أن الحل بعيد المنال فلا تزال تونس حبيسة أزمة وتوترات سياسية وسط أوضاع اقتصادية صعبة خاصة في ظل أزمة جائحة كورونا.
وفي الوقت نفسه، لا تزال تتباين الآراء حيال قرارات قيس سعيّد؛ فأنصار الرئيس التونسي يرون أن ما أقدم عليه كان ضروريا لإنهاء الجمود السياسي التي عصف بتونس في الآونة الأخيرة.
وعلى الجانب الآخر، يشير معارضو الرئيس التونسي أن قراراته غير دستورية بل ذهبوا إلى القول بأن سعيّد في طريقه للتحول إلى "ديكتاتور" يهدد الديمقراطية الوليدة في تونس – مهد الربيع العربي. وبدا جليا استمرار حالة التباين خلال الأسبوع الماضي إذ شهدت شوارع العاصمة تونس تظاهرات بين أنصار الرئيس سعيّد ومعارضيه.
بيد أن الاختلاف الكبير بين ما يراه البعض "دكتاتورية محتملة" في تونس وبين أحداث مماثلة وقعت في دول في المنطقة، يتمثل في الدور الذي يلعبه الجيش التونسي. فعلى مدار عقود، ظل الجيش التونسي بعيدا عن السياسة، لكنه الإجراءات التي اتخذها في يوليو/ تموز أثارت في الوقت الحالي بعض القلق.
وهو ما أشار إليه الصحافي التونسي حمادي الأسود في مقال نشر على منصة "نواة" الإعلامية بقوله: "لم يسبق أن سيطر الجيش على مبنى البرلمان وعلى كل منافذه، ليصبح المتحكم في الدخول والخروج إليه".
وأضاف أن حادثة منع الغنوشي "جعلتنا نطرح سؤالا حول علاقة الجيش بالسياسة في تونس. فهل هو عنصر فاعل فيها أم يُستنجد به في بعض المحطات فقط؟".
وفي مقال رأي في مجلة "فورين بوليسي" هذا الشهر، يرى رضوان المصمودي - رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية بواشنطن وعضو في حزب النهضة – أن حادثة منع الغنوشي تعد "الواقعة الأولى في تاريخ تونس الحديث حيث يتورط الجيش في القضايا السياسية ومن الواضح أن الأمر غير دستوري".
نقص التمويل والنزاهة
وبالحديث عن المؤسسة العسكرية التونسية، تجدر الإشارة إلى أن الجيش التونسي يعد من أصغر الجيوش في المنطقة إذ يحتل المرتبة الـ 73 على مستوى العالم فيما يتعلق بالقدرة النارية والقتالية والمرتبة الحادية عشر بين أقوى 16 جيشا في الشرق الأوسط.
ومنذ خمسينيات القرن الماضي، تم تحييد الجيش التونسي عن عمد من قبل قادة البلاد خوفا من أن يمثل الجيش تهديدا محتملا لحكمهم الاستبدادي وقد انطوى على ذلك أن تعرض الجيش التونسي لأزمة تتعلق بنقص التمويل فضلا عن ضمان تنوع القادة العسكريين وعدم السماح للجنود بالتصويت.
لكن في عام 2017، رُفع حظر الاقتراع الذي كان مفروضا على الجنود وقادة الجيش من حقبة الاستقلال.
ويُنظر إلى حيادية المؤسسة العسكرية التونسية على نطاق كبير بأنها كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء نجاح الثورة التونسية التي يٌفضل البعض أن يطلق عليها اسم "ثورة الياسمين" عام 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وأشعلت شرارة الربيع العربي في حينه.
وخلال الثورة، لم يقدم الجيش على إطلاق النار على المتظاهرين المناهضين للحكومة بل قام الجنود بحماية ممتلكات الدولة.
وفي عام 2016، أشار محللون في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في مقال تحليلي حول كيفية تطور الجيش التونسي: "لأنهم كانوا يتقاضون رواتب قليلة ويعانون من قلّة التجهيزات ومحرومين من النفوذ السياسي، فقد كان السواد الأعظم من الضباط مستائين من بن علي".
وأضاف تقرير كارنيغي: "وعندما بدأت الانتفاضة الشعبية في كانون الأول/ديسمبر 2010 وأطاحت في نهاية المطاف ببن علي، لم يشعر غالبية الضباط بأي ندم."
شعبية الجيش التونسي؟
وكان اصطفاف الجيش إلى جانب المتظاهرين إبان الثورة بمثابة سببا وراء تزايد شعبيته بين التونسيين. ففي استطلاع للرأي لشبكة "أفروباروميتر" شمل طرح تساؤلات على التونسيين حيال المؤسسة التي تحظى بثقتهم، كانت المؤسسة العسكرية الأكثر موثوقية في البلاد.
وقد كشف الاستطلاع أن 85 بالمائة من التونسيين يثقون في القوات المسلحة أكثر من رجال الشرطة ورجال الدين والقضاء وحتى السياسيين.
وفيما يتعلق بسلطة البلاد الحالية، قالت ألفة الحامدي – مركز الدراسات الإستراتيجية حول تونس في واشنطن- "إن حكومة سعيّد بدأت في الالتفاف حول القوات المسلحة"، ربما للاستفادة من شعبية الجيش بين التونسيين.
يشار إلى ان الحامدي أصبحت شخصية مثيرة للجدل في تونس في الآونة الأخيرة عقب توليها لفترة قصيرة منصب المديرة التنفيذية لشركة الخطوط التونسية على وقع انتقادات بكونها محسوبة على حزب النهضة. وأضافت الحامدي أن الرئيس التونسي يعمل على الخلط بين السياسة والجيش بشكل متزايد.
يشار إلى أن قيس سعيّد قد ألقى العديد من الخطب في مواقع عسكرية وكان محاطا بالعديد من كبار قادة الجيش فيما أشرك الجيش في مشاريع الأشغال العامة مثل مكافحة جائحة كورونا وقام أيضا بترقية القادة العسكريين إلى مناصب مدنية.
ففي أغسطس / آب المنصرم، كلف قيس سعيّد علي مرابط- جنرال سابق كان مسؤولا عن حملات التطعيم ضد كورونا بمحافظة تطاوين جنوبي تونس - بتسيير وزارة الصحة.
سابقة خطيرة
ويُنظر إلى احتمالية استخدام المحاكم العسكرية في محاكمة المعارضين السياسيين بأنها أكثر القضايا المقلقة فيما يتعلق بزيادة انخراط الجيش في الحياة العامة في تونس. فقد ذكر معهد بروكينغز في عام 2019 أن ثلاثة محاكم عسكرية استخدمت بالفعل لاستهداف عدد من المدنيين بمن فيهم معارضون سياسيون ومدونون.
وفي وقت سابق من سبتمبر/ أيلول الجاري، أكدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس على أنها سترفض "إحالة المحامين والمدنيين على القضاء العسكري".
ورغم كل هذه المعطيات، فإنه من الصعب توقع الدور المستقبلي الذي سوف تلعبه المؤسسة العسكرية التونسية حيال مصير البلاد بقدر صعوبة التكهن بأن قيس سعيّد هو الزعيم السلطوي القادم لتونس أم أن ما فعله كان الخيار الوحيد أمامه للتعاطي مع المأزق السياسي والأزمة الاقتصادية في البلاد؟
وفيما يتعلق بالمحاكم العسكرية، قال تيموثي هازن - أستاذ العلوم السياسية في جامعة إلمهورست بولاية إلينوي الأمريكية- "من منظور قيس سعيّد، إذا تعذر إصلاح المؤسسات السياسية، فإنه من المنطقي استخدام المحاكم العسكرية بدلا من المحاكم المدنية القابلة للفساد على المدى القصير".
بيد أن هازن – الذي كتب دراسة عن دور الجيوش العربية في ثورات الربيع العربي عام 2016- قال إن هذا الأمر يحمل في طياته "سابقة خطيرة".
العنف ضد المدنيين
وإزاء ذلك، تتباين آراء التونسيين حيال خطورة تزايد دور الجيش في الحياة العامة. ففي مقابلة مع DW، قال عبد المجيد بالطيب – متقاعد- إن دور الجيش "مقبول وضروري. وبسبب فشل النظام السياسي والبرلمان الذي أشبه بالمافيا، اضطر قيس سعيّد إلى طلب المساعدة من الجيش لإنقاذ تونس والتونسيين". وأشاد بالطريقة التي ساعد بها الجيش في وقف تفشي وباء كورونا.
أما عماد بن فرج - موظف في القطاع الخاص – فله رأي مخالف لذلك. إذ شدد على أن "الخطوة الأخطر الذي أقدم عليها قيس سعيّد تتمثل في تكثيف تواجد العسكريين في الشؤون المدنية وايضا محاولته جر الجيش من معركة مكافحة الجائحة إلى معترك الأزمة السياسية".
وقال إن هذا الأمر قد "يشكل خطرا كبيرا على ديمقراطيتنا الناشئة في المستقبل".
أما هازن فيرى أن البعض يعتقد أن هناك مبالغة أو نفاق حيال التصور بأن الجيش التونسي انتهك الدستور هذا الصيف لأن "بعض الجنود دعموا إجراء حل البرلمان". وإزاء ذلك، لا يعتقد هازن أن الجيش التونسي سيظل على ولائه لسياسي واحد بعينه إذا تدهور الوضع وذلك استنادا إلى تاريخ المؤسسة العسكرية والطريقة التي تعمل بها.
وفي مقابلة مع DW، قال هازن إن هناك "حدا معينا للدعم الذي سيحصل عليه قيس سعيّد من الجيش."
وأضاف "إذا خرج المتظاهرون التونسيون إلى الشارع بأعداد غفيرة، فإن التاريخ يشير إلى أن الجيش سيتراجع ولن يتجاوز المستويات المرتفعة من العنف ضد المدنيين (كما وقع في الماضي)".
كاثرين شير وطارق القيزاني/ م.ع