الأندية الشبابية فرصة للاندماج
٢٠ أكتوبر ٢٠٠٦يعد الشباب في كل المجتمعات رأس المال البشري وعنصر التنمية والتطور الفاعل. ولذا لا غرابة أن تجد الدول تستثمر بشكل واسع في قطاع الشباب، باعتبار ذلك مسؤولية وطنية تشترك فيها المؤسسات المدنية الفاعلة وفق استراتيجية شاملة تسعى لبناء جيل من الشباب قادر على الابداع ومدرك لحقوقه وواجباته. وهذه الرؤى تختلف باختلاف المجتمعات والخلفيات الدينية والثقافية والسياسية. وفي ظل ذلك فإن الشباب العربي والمسلم في أوروبا عامة وفي ألمانيا خاصة يعيش في معظمه بين مطرقة الاندماج وسندان الانعزال.
ولكن وإيمانا من الشباب العربي والمسلم بأهمية رسالته في المجتمع الألماني لاسيما وأنه يشكل جزءا مهما فيه، إذ يقدر عددهم بنحو مليون ونصف، فإن الكثيرين منهم توجه إلى العمل الشبابي والانخراط في الأندية الشبابية بهدف تعزيز روح التسامح وتجاوز عقبات الاندماج في المجتمع المذكور.
تجربة رائدة
بدرجة عالية من الديناميكية والمرونة المتسمة بالانطلاق والحماسة والجرأة تحدثت صفاء وهي ابنة لاحدى العائلات العربية المهاجرة إلى ألمانيا عن فكرة تأسيس ناد شبابي يجمع الشباب والشابات من الجالية المسلمة في ولاية هسن. فقد قالت بأن هذا النادي قد "تأسس منذ خمس سنوات في مدينة دارمشتات وذلك بفضل جهود ذاتية" من قبل مجموعة من الشباب والشابات" دون أي مساعدة خارجية في بداية الأمر"، كما أوضحت. وتشكل الأندية الشبابية نافذة مهمة للتواصل بين الشباب العربي المسلم والألماني وجسرا رئيسا لكسر حواجز الخوف من الآخر والتعريف به بطريقة صحيحة على أنه إنسان فاعل في هذا المجتمع، يلتزم بالقانون والدستور وانه لا ينجر وراء كل ما يسيء للمواطن العربي المسلم. فقد رسمت صفاء صورة مشرقة عن هذا التفاعل مع الآخر من خلال تبادل الأنشطة المختلفة. هذه الأنشطة التفاعلية تتمثل من خلال تبادل بطاقات التهنئة مع صديقات مسيحيات في عيدي رأس السنة الميلادية والفصح المجيد وكذلك الصديقات المسيحيات يبعثن برسائل التهنئة في الأعياد الإسلامية.
كما تحتل دائرة الحوار المسيحي الإسلامي مساحة واسعة من نشاطات هذا النادي، إذ يتم القيام بإعطاء محاضرات حول الإسلام والطريقة المثلى لحل المشاكل القائمة. وأيضا يقوم بتنظيم دورات خاصة بتعليم اللغة الألمانية وكذلك بإعطاء دروس تقوية في بعض التخصصات ومساعدة الطالبات المسلمات في حالة وجود مشاكل عندهن في المدارس. كما ينظم دورات في اللغة العربية والكمبيوتر.
مشاركة رياضية فاعلة
لقد كثر الحديث عن اندماج الجالية العربية والإسلامية في المجتمع الألماني سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، الأمر الذي قد أثقل كاهل الشباب العربي والمسلم هنا. ولكن هذا النقاش قد دفعه لأن يبذل المزيد من العمل الاجتماعي التواصلي مع الألمان من خلال العديد من الأنشطة. فقد احتلت الفعاليات الرياضية على وجه الخصوص وتمثيل ألمانيا على المستويين الدولي والداخلي مساحة كبيرة من نشاطات هذه الأندية. وفي هذا السياق، قال بشير الذي ينحدر أيضا من عائلة مهاجرة إلى ألمانيا منذ السبعينيات من القرن المنصرم:" لقد شاركت في العديد من البطولات الدولية، حيث مثلت فيها ألمانيا وكان آخرها بطولة التايكوندو في تايلاند."
تشكيك
يبقى الحديث عن مفهوم الاندماج وآليته احدى أهم القضايا الإشكالية التي يحاول الشباب فيما بينهم تناولها والتعرض إليها، ليبقى السؤال قائما كيف يقيمون توازنا بين الدين والتفاعل البناء مع هذا المجتمع. فقد أثار وجود مثل هذه الأندية كثيرا من النقاش على الساحة الداخلية الألمانية خاصة حول جدوى هذه الأندية وأنها تشكل بيئة للتطرف والتغذي بأفكار متشددة. وفي هذا السياق يرى رالف غضبان أحد العاملين الاجتماعيين الذين لهم علاقات وطيدة مع المهاجرين العرب بأن هذه الأندية "تركز على الهوية الإسلامية للمنتسبين وكذلك الانتماء إلى الأمة الإسلامية. وترتكز على الاعتقاد بأن دينهم هو الأصح . ومن خلال محاولاتهم الإيمانية هذه فإنهم يحاولون تعويض النقص عن اندماجهم."
وأما الباحثة في شؤون الهجرة في جامعة بريمن، ياسمين كاراكاسوخلو فترى الأمور من منظور آخر، فالأحكام المسبقة حول الشباب المسلم من أصول مهاجرة غير مبررة، حيث تقول:"ما نلاحظه هنا ان اتجاهات استقطاب الشباب مختلفة. كثير منهم يرى بأنه مسلم لأن والديه مسلمان أو انه لا يوجد له علاقة كبيرة بالإسلام ولكنه يحتفل بالأعياد لأنها جزء من ثقافته وانه لا يوجد تعارض بين الديمقراطية والإسلام."
دعم متواضع من المؤسسات الألمانية
هذه الأندية الشبابية للجالية العربية والمسلمة وجدت نوعا من الدعم من مؤسسات الدولة التي تعنى بالشباب وأن كان لا "يلبي كل طموحاتهم واحتياجاتهم"، كما قالت صفاء. والقائمون على هذه النشاطات حريصون على التواصل مع المؤسسات الرسمية من أجل دفع العمل الشبابي إلى الأمام. ورغبة في مزيد من ذلك تنظم هذه النوادي نوعا من الدعاية الرسمية للنشاطات من خلال تنظيم مؤتمرات صحفية للتعريف بالأنشطة والأهداف وخاصة أثرها في تعزيز عملية الاندماج. وفي هذا الصدد تقول صفاء:"إن اندماج الشبيبة العربية والمسلمة في المجتمع الألماني لن تستطيع الحكومة وحدها تحقيقه دون مساعدة الجالية المسلمة."
وفي ضوء هذا كله، فقد كانت رسالة الشباب العربي في هذا البلد واضحة وهي أن الأندية الشبابية جسر للتواصل ونافذة للحوار وأنها تشكل تربة خصبة لزرع بذور المحبة داخل المجتمع. وأن هذه الأندية تنأى بنفسها عن كل ما يشوه صورة الإسلام وكل ما يتعارض مع القانون والدستور.