الاتحاد الأوروبي في دوامة "لا" الفرنسية لدستوره
كانت بوادر الرفض الفرنسية للدستور الأوروبي واضحة منذ أسابيع. وبالرغم من ذلك إلا أن زعماء أوروبا لم يكونوا جاهزين لهذا الرفض ولم يحضروا خطة من شأنها أن تنقذ الدستور. لكنهم في الوقت ذاته حثوا شعوبهم على المضي قدما في التصويت على الدستور والذي سيستمر حتى خريف 2006. بعد هذا الموعد سيتخذ رؤساء الدول والحكومات الأوروبية القرارات المناسبة فيما يتعلق بمستقبل القارة الأوروبية. وحتى لو صوتت جميع دول الاتحاد الأوروبي المتبقية بنعم لهذا الدستور، فإن ذلك لن يكون سببا كافيا للفرنسيين للعدول عن رأيهم. كما أن تعديل الدستور بما يتوافق مع مطالب الشارع الفرنسي لن يكون بهذه السهولة، وذلك لأن كل دولة ستحاول إدخال مقترحاتها الجديدة عليه، مما يعني دخول الاتحاد الأوروبي في دوامة المقترحات والتعديلات. ويعتبر الرفض الفرنسي بمثابة وفاة الدستور الأوروبي في صسغته الحالية. ولذا يدعو العديد من المحللين السياسيين الدول الأخرى لتوفير الوقت على نفسها والتفكير في كيفية تعديل هذا الدستور. وهنا يبقى السؤال مطروحا: ماذا بعد؟ وهل يعني ذلك أن أوروبا تقف أمام كارثة حقيقية؟ خاصة وأن الدستور لن يدخل حيز التنفيذ إلا إذا وافقت عليه جميع دول الاتحاد الأوروبي.
صدمة أوروبية
قوبل الرفض الفرنسي بخيبة أمل كبيرة لدى قادة الدول الأوروبية الذين أكدوا على ضرورة استمرار بذل الجهود من أجل المصادقة عليه. فقد قال وزير الخارجية البريطاني جاك سترو إن رفض فرنسا للدستور "يثير الكثير من التساؤلات بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي، وإنه لا بد من أخذ فترة للتأمل والتفكير فيما حدث". وأكد سترو أن بريطانيا "ستحترم نتيجة الاستفتاء الفرنسي". في الوقت ذاته رفض المسؤول البريطاني التعليق على ما إذا كانت بريطانيا ستصوت على الدستور في العام المقبل أم لا. من جهته دعا رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكين إنده مواطنيه إلى تجاهل النتيجة الفرنسية، قائلا" هناك ما يدعو جدا للقول نعم للدستور، حتى يمكن تسجيل بعض التقدم في تلك المعاهدة الدستورية". وهذا يعني أن الناخبين الهولنديين عليهم أن يُقيّموا ذلك بأنفسهم. وفي حال رفضت هولندا المصادقة على الدستور، فإن ذلك سيدخل الاتحاد الأوروبي في أزمة أشد تعقيدا. أما رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يونكر الذي يتولى رئاسة الدورة الحالية للإتحاد الأوروبي فقد أكد على أن المعاهدة لم تمت بعد وأن العملية الأوروبية لم تتوقف اليوم برفض الفرنسيين للدستور.
تهديد لحكومتي ألمانيا وفرنسا
تحتاج الدول الأوروبية الآن لفترة للتفكير. خاصة فيما يتعلق بسياسة الاندماج وتوسيع حدود الاتحاد. وهذه الفترة يجب أن تمتد عدة سنوات وبعد ذلك يمكن صياغة المشروع الموحد. بعد فترة الاستراحة هذه يجب تقليص مراكز اتخاذ القرار، أي بمعنى آخر التخفيف من حدة البيروقراطية في العملية السياسية. ويعتبر دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من الأمور المثيرة للجدل، إذ أنه لم يعد معروفا ما إذا كانت المفاوضات في هذا الخصوص ستبدأ بالفعل في الثالث من أكتوبر/تشرين أول القادم. فقد أدى الرفض الفرنسي على إضعاف موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك إضافة إلى توجيه صفعة أخرى للمستشار الألماني غيرهارد شرودر، حيث أنه من المعروف أن شرودر وشيراك من أهم المتحمسين لدخول كامل لتركيا إلى الاتحاد الأوروبي. هذا الرفض للدستور في صيغته الحالية يدعو شيراك للخوف أكثر على بقاءه في منصبه، حيث أن ذلك جاء بمثابة رفض غير مباشر له ولحكومته وخاصة بعد أن تركت سياسة صديقه المقرب جان بيير رافاران على مدى ثلاث سنوات مذاقا مرا لدى شرائح واسعة من الشعب الفرنسي. من جهة أخرى يعتبر وضع شرودر ليس أفضل من وضع شيراك وخاصة أن المعطيات السياسية تشير إلى احتمال فشل حزبه في الفوز في الانتخابات الألمانية المقبلة. ومن المتوقع أن تجري الانتخابات في خريف هذا العام والتي قد تأتي بمستشار جديد من اليمين المعارض. يشار إلى أن اليمين الألماني المحافظ يرفض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كعضو كامل، ولكنه لا يمانع إعطائها عضوية مميزة، على وصفه.
جنت على نفسها براقش
ورغم إطاحة الرفض الفرنسي بآمال الإسراع في دفع عجلة مشروع الوحدة الأوروبية إلى الأمام ، إلا أن ذلك لا يعني نهاية للدستور. لكن هذه الضربة والتي جاءت في الصميم ستدفع الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة التحديات الاجتماعية داخل دول الأعضاء فيه، الأمر الذي يعني ضرورة التأني في خطوات توسيع الاتحاد المقبلة وتعميق العلاقات بين أعضاءه. ومن جهة أخرى أثار الرفض الفرنسي للدستور الأوروبي غضب بروكسل، خاصة وأنه كان بإمكان جاك شيراك التصويت على هذا الدستور من خلال البرلمان دون إجراء استفتاء عام عليه. لكن خياره هذا حمّل الاتحاد الأوروبي نتائج هذه السياسة. ولهذا السبب اعتبر الكثير من المراقبين أن الرئيس الفرنسي وضع نفسه في مأزق حقيقي قد يكلفه منصبه.
تقرير: زاهي علاوي