التقارب الصيني السعودي.. هل فقدت واشنطن أوراقها في المنطقة؟
١ أبريل ٢٠٢٣شهدت الآونة الأخيرة زخما كبيرا في خطوات تعزيز التقارب بين الصين والرياض إذ وافقت الأخيرة على الانضمام إلى منظمة "شنغهاي" التي تقودها بكين والمكرسة للتجارة ومكافحة الإرهاب في خطوة تلت الوساطة الصينية بين طهران والرياض.
فقد وافق مجلس الوزراء السعودي الثلاثاء الماضي (28 مارس/آذار 2023) على قرار الانضمام لمنظمة شنغهاي بصفة "شريك للحوار" في إشارة جديدة إلى تزايد روابط المملكة الخليجية مع البلد الآسيوي العملاق.
وتأسست منظمة شنغهاي في 2001 كمنظمة سياسية واقتصادية وأمنية لآسيا الوسطى بمواجهة المؤسسات الغربية فيما تضم إلى جانب الصين ثماني دول هي روسيا والهند وباكستان وكازاخستان ودول أخرى من دول الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى وتضم دولًا أخرى لها صفة مراقب أو شريك في الحوار مثل إيران ومصر وقطر.
وسبق ذلك، قيام الصين برعاية اتفاق بين السعودية وإيران يمهد الطريق أمام إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد قطيعة استمرت سبع سنوات مع توسع نفوذ بكين في الخليج والشرق الأوسط في مواجهة الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
بدوره، اعتبر المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري انضمام الرياض إلى منظمة "شنغهاي" وتقاربها مع الصين "خطوة جريئة بلا شك ستغير الديناميكيات الاستراتيجية في الشرق الأوسط".
وفي مقابلة مع DW عربية، قال "الصين هي الشريك التجاري الأكبر للسعودية فيما تتجه بكين في مسار أن يكون لها تأثيرا فيما يتعلق بأمن الشرق الأوسط".
دعم أمن الطاقة في الصين
وخلال العام الماضي، حافظت السعودية على مكانتها كأكبر مورد للنفط إلى الصين حيث بلغت صادرات الرياض إلى بكين 1.75 مليون برميل يوميا عام 2022 في تكرار للمعدل الذي تحقق عام 2021.
وقبل أيام، اتفقت شركة النفط السعودية، أرامكو، مع الصين على بناء مصفاة للنفط ومجمع للبتروكيماويات في شمال شرق البلاد في مشروع مشترك بين العملاق السعودي وشركتي "نورينكو" و"بانجين زينتشين" الصينتين تصل تكلفته إلى 12.2 مليار دولار أمريكي.
ويهدف المشروع، الذي سوف سيفتتح عام 2026، إلى تلبية الطلب المتزايد للبلاد على الوقود والبتروكيماويات فيما جاء بعد أيام من تأكيد أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لأرامكو، على دعم الشركة لأمن الطاقة والتنمية في الصين على المدى الطويل.
وفي ضوء ذلك، أكدت آنا جاكوبس، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، على أن الصين "باتت شريكا اقتصاديا مهما للغاية للسعودية" ما مهد الطريق أمام قيام البلدين "بتعزيز العلاقات السياسية الثنائية بشكل متزايد."
وأضافت جاكوبس في مقابلة مع DW عربية أن الوساطة الصينية بين السعودية وإيران تعتبر "تحولا من النفوذ الصيني الاقتصادي التقليدي في المنطقة إلى مشروع لنفوذ سياسي واضح عبر حل النزاعات ودعم جهود التهدئة في المنطقة".
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد ذكرت في تعليقها على الاتفاق السعودي-الإيراني أن الولايات المتحدة التي كان دورها فاعلا في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي، وجدت نفسها حاليا على "الهامش" فيما باتت الصين، التي كان دورها ثانويا في المنطقة خلال السنوات الماضية، لاعبا قويا على الساحة.
استعداد لنظام عالمي متعدد الأقطاب
يشار إلى أنه في ديسمبر / كانون الثاني الماضي، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ السعودية التي استضافت أول قمة صينية-عربية من نوعها والتي أسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقيات فيما يبدو أنها ساعدت على تحقيق اختراقات دبلوماسية.
وأشارت جاكوبس إلى أن التقارب مع الصين يصب في صالح الأجندة السياسية للرياض، موضحة أن "السعودية تعمل على تنويع علاقاتها وإقامة علاقات أكبر مع القوى العالمية الأخرى مثل الصين وروسيا في إطار استعداد الرياض لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب."
ويأتي ذلك في ظل تزايد التنافس بين الولايات المتحدة والصين وسط توقعات بأن منطقة الشرق الأوسط ستكون علامة بارزة على خارطة صراع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
من جانبه، يرى المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري أن "الرياض تركز فقط على تحقيق مصالحها الخاصة ولا تولي الكثير من الاهتمام لقضية التنافس بين القوى العظمى"
ويتفق في هذا الرأي كريستيان كوتس أولريشسن، زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس الأمريكية.
وفي مقابلة مع DW عربية، قال إنه من خلال تعزيز السعودية علاقاتها مع الصين يرغب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "في بعث رسالة إلى الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة مفادها أن الرياض ليست مستعدة لأن تُدفع إلى الاصطفاف مع طرف على حساب طرف آخر في أي تنافس بين القوى العظمى".
خروج من العباءة الأمريكية؟
ومع ذلك، تساءل مراقبون حيال تأثير الوساطة الصينية بين السعودية وإيران على شراكة الرياض التقليدية والوثيقة مع واشنطن وهو يمثل ذلك خروجا عن العباءة الأمريكية في ضوء أن العلاقات الأمريكية-السعودية تعرضت للتوتر مؤخرا بسبب الخلافات حول حقوق الإنسان وإنتاج النفط.
ولا يغيب عن ذلك الجيوسياسية البعيدة عن الشرق الأوسط خاصة تجاه الولايات المتحدة نحو آسيا في ظل قلقها المتزايد بشأن تنامي نفوذ الصين في منطقة المحيط الهادئ وقيام بكين بالتغلغل في الشرق الأوسط خوفا من قيام واشنطن بمنع وصول إمدادات النفط الخليجية إليها في حالة حدوث صراع.
كذلك أثار الحديث عن تراجع الولايات المتحدة عن بعض التزاماتها في المنطقة التي تعتمد عدد من دولها على التحالف الأمني مع واشنطن، تساؤلات حيال هل يمكن أن تحل بكين محل واشنطن في توفير الأمن لمنطقة الخليج؟
بدوره، شدد المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري على أن "الولايات المتحدة ستظل الشريك الأمني الأهم للسعودية على الرغم من هذا الكم الكبير من القيل والقال والتحليلات السطحية".
ورغم إعراب السعودية ودول خليجية أخرى عن قلقها بشأن ما تراه انسحابا من المنطقة من قبل الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن أكدت أنها ستبقى شريكا نشطا في المنطقة حيث شددت في الوقت نفسه على أن محاولات الصين لتعزيز نفوذها حول العالم لن تغير سياستها تجاه الشرق الأوسط.
متى ستقلق واشنطن من التقارب السعودي-الصيني؟
وفي سياق متصل، قالت آنا جاكوبس، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، إن الولايات المتحدة لم تبد حتى الآن قلقا إزاء التقارب بين السعودية والصين لأن معظم الاتفاقيات بين البلدين "ذات طبيعية اقتصادية "حيث تركزت على تنويع العلاقات الاقتصادية الثنائية التي تقوم في الأساس على قطاع النفط "ولم تتضمن أي اتفاقيات أمنية حساسة."
وأضافت أن تنامي العلاقات بين السعودية والصين قد يثير التوتر في العلاقات بين الدولة الخلجية والولايات المتحدة "بشكل جدي" إذ بدأت العلاقات بين بكين والرياض "في التأثير على القضايا الأمنية الحساسة في العلاقة السعودية-الأمريكية خاصة المتعلقة بالطاقة النووية ومبيعات الأسلحة".
ورغم الزخم في العلاقات بين دول الشرق الأوسط والصين، إلا أن مراقبين يرون أن الولايات المتحدة مازالت تحتفظ بأوراق رئيسية في المنطقة في ظل علاقات تجارية وعسكرية واستخباراتية واسعة النطاق.
فمنذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، بقت الولايات المتحدة اللاعب الخارجي الوحيد المهم في المنطقة، رغم أن روسيا عادت إلى المشهد بقوة عام 2015 عندما أرسلت دعما عسكريا للرئيس السوري بشار الأسد.
بدوره، قال كريستيان كوتس أولريشسن، إن الرد الأمريكي الرسمي على التقارب السعودي-الصيني والاتفاق بين الرياض وطهران بوساطة صينية "كان حذرا"، مضيفا أن "الولايات المتحدة لن تجرى تقييما شاملا حتى ترى كيف سيتم تنفيذ الاتفاق والدور الذي سوف تلعبه الصين في ضمانه".
وأوضح "إذا نجح شي جين بينغ في استضافة قمة خليجية-إيرانية في الصين في وقت لاحق من هذا العام، فإن هذا سيلقي بظلاله على العلاقات بين الولايات المتحدة والخليج وكذلك أي مؤشر يدل على أن الصين باتت أكثر انخراطا في مجال الأمن والدفاع بالخليج بما في ذلك نقل معدات أو تكنولوجيا عسكرية حساسة...هذه أمور سوف تراقبها واشنطن عن كثب."
محمد فرحان