"الجهاديون الصغار" ـ هل تصلح الدولة ما أفسدته الأسرة؟
٦ أغسطس ٢٠١٨تحذر هيئات ألمانية وفرنسية من الأطفال الذين يترعرعون وسط عائلات إسلامية متطرفة. عدد هذه العائلات الذي يقدر بالمئات، يدق ناقوس الخطر بالبلدان الأوروبية والعربية، حيث بوادر انزلاق القصر والبالغين من الشباب إلى التيار الإسلامي المتطرف يكون على نحو أسرع وأسبق وأكثر احتمالية.
وإذا كان التحليل الجديد للهيئة الاتحادية الألمانية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) يعتبر أن هؤلاء الأطفال يشكلون "إمكانية خطورة لا يستهان بها"، فالخطر لا يشمل منطقة معينة دون أخرى، وإنما هو ممتد حتى بعض الدول العربية كالمغرب ومصر وكذلك تونس التي تعتبر "مصدِرا" أساسيا للجهاديين في السنوات الأخيرة.
الحديث عن مخاطر هؤلاء الأطفال، يقود أيضا نحو الحديث عن مخاطر الذين سافروا إلى مناطق النزاع في سوريا أو العراق، وكيفية العمل على إعادة إصلاحهم وتأهيلهم لبداية جديدة داخل مجتمعاتهم، وقبله البحث عن الأسباب التي قادت هؤلاء "الأبرياء" لدخول غمار التجنيد ضمن خلايا إرهابية.
آفة دولية
الجماعات المتطرفة تشكل عنصر تهديد لبراءة الأطفال في العالم بأسره، إذ تعمل على خلق أجيال مستقبلية من الإرهابيين، تزرع فيهم الأفكار المتطرفة. رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الإرهاب بتونس، مختار بن ناصر، في حديثه لـ DW عربية توقف عند هذه النقطة بالضبط ووصف آفة إرهاب الأطفال بـ"الدولية"، التي أجبرت الدول العربية على إعادة حساباتها من أجلي التصدي للآفة. لكن من هم الأطفال المستهدفون من طرف الجماعات الإرهابية؟
مجلة "فورين إفريز" الأمريكية، صنفت في وقت سابق الأطفال الذين يستخدمهم "داعش"، وقالت إنهم ينقسمون إلى خمس فئات: أبناء الإرهابيين أنفسهم سواء كانوا أجانب أو مهاجرين، زيادة عن الذين ولدوا داخل بيئات حاضنة لـ"داعش"، فضلا عن المتخلى عنهم والقابعين في دور أيتام سيطرت عليها "داعش"، ثم المأخوذين قسرا من أسرهم، بالإضافة للذين انضموا طواعية إلى التنظيم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ضم الأطفال إلى الصفوف الجهادية والجماعات المتطرفة لا يقتصر على "داعش"، وإنما تُشير بعض المعطيات إلى "تنظيم القاعدة" المتورط في استمالة أطفال قصر أيضا.
أسباب كثيرة والنتيجة "إرهاب"
الحديث عن تجربة تونس في مجال التصدي لخطر الإرهاب الناشئ، يستلزم منا أيضا التطرق لمجموعة من المعطيات التي جعلت أطفال البلد حلقة من سلسلة أفراد كثر ضمن التنظيمات الإرهابية بالعالم. تورط الأطفال في هذه التنظيمات، حسب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الإرهاب بتونس، مختار بن ناصر، هو "تورط مرتبط بانسياق الأسر التي ينتمي إليها هؤلاء أكثر من رغبتهم الشخصية".
وبالرغم من غياب أرقام تُشير إلى أعداد المنتمين للصفوف الإرهابية من الأطفال، إلا أن هنالك مؤشرات تُفيد بوجود2929 تونسي في بؤر القتال، جزء مهم منهم نساء لديهن أطفال، وفق ما ذكر رئيس لجنة مكافحة الإرهاب التونسية.
أسباب كثيرة تجعل من هؤلاء عرضة لإغراءات الجماعات الإرهابية. وبالاستناد إلى حديث بن ناصر، فإن تشرد الأطفال والأزمات الأسرية كالطلاق أو موت الآباء، فضلا عن غياب الاهتمام والعناية الضرورية بالأطفال، مرورا بالفهم الخاطئ للدين وتقديم مغريات يساهم بشكل وثيق في بروز "إرهابيين صغار".
ولا يمكن الحديث عن عوامل بناء "إرهابيين صغار" دون لفت النظر إلى الإنترنت الذي تحول لأداة في يد المتطرفين، الذين يستغلون انزواء الأطفال وتفردهم بشاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية لاختراق عوالمهم وضمهم للصفوف القتالية.
وقاية خير من إصلاح!
أمام خطورة انضمام هؤلاء الأطفال لصناعة الارهاب وجدت الدول العربية نفسها مجبرة على وضع خطط فعالة مسبقة لمواجهة هذا المد ومنع الفئات المجتمعية وخصوصا الأطفال من الانتماء لهذه الجماعات الإرهابية. بن ناصر، قال: "إن الدول العربية أعادت بناء استراتيجياتها لمحاربة الإرهاب"، كما تحدث عن اللجان التي اعتمدتها بعض الدول العربية لمحاربة الإرهاب. المتحدث نفسه، وضح الاجراءات التي تعمل عليها اللجنة الوطنية لمكافحة إرهاب الأطفال والتي تنبني على مبدأ الوقاية من خلال التربية والتعليم بالإضافة إلى تحسيس الأطفال بخطورة الأمر.
وبجانب المؤسسات التعليمية والأسرية توجد "جمعيات المجتمع المدني التي تعمل مع الكشافة التونسية، وتستهدف بأنشطتها توعية وتحسيس النساء بحجم وخطورة الآفة باعتبارهن النواة الأولى للمجتمع"، كما يؤكد بن ناصر.
وفي السياق نفسه، شدد رئيس لجنة مكافحة الإرهاب على دور تظافر المجهودات لمحاربة غسيل أدمغة الشباب والأطفال، وتطرق للحديث عن منصة الخطاب البديل التي تعد واحدة من البرامج التي تؤيدها الحكومة التونسية لمحاربة الإرهاب والترويج للفكر المتشدد التي يستهدف الأطفال والشباب التونسيين.
ماذا عن العائدين؟
قد تكون التدابير الوقائية مهمة لحماية الأطفال في سن صغير من الانسياق وراء التنظيمات الإرهابية ومغرياتها، لكن انضمام الأطفال إلى الجماعات الجهادية، أوعودة هؤلاء إلى بلدانهم تجعل تونس، مثلا، أمام تحدي صعب، وهو "إصلاح ما أفسده الإرهاب". وإلى ذلك يشير بن ناصر بقوله: "هؤلاء الاطفال لا ذنب لهم في هذه الاعمال الارهابية، والدولة اليوم ملزمة بأن تحفظهم من المتاهات وتعدهم للاندماج الاجتماعي".
ويعتبر الجانب النفسي من أهم ما يجب العمل عليه لدى هؤلاء الأطفال، إذ يتم التركيز على "دمجهم داخل مجتمعات قد تنبذهم وتجعلهم ينفرون منها" يوضح بن ناصر. ويشترك في هذه العملية جهات مختلفة منها علماء النفس والاجتماع بهدف إعادة، كما يقول المصرح ذاته.
ويشكل التعاون بين المؤسسات الدولية والدول العربية، بنية مهمة داخل الاستراتيجيات التي تسعى لمكافحة الإرهاب لدى الأطفال. في هذا السياق، تحدث بن ناصر عن المؤسسات والجمعيات الألمانية التي تساهم في حماية الأطفال من الاستمالة الإرهابية، وذكر مجموعة من الجهات المعنية بذلك ك مؤسسة "فريديريش إيبرت" الألمانية.
ما الحل؟
أمام ازدياد خطورة إرهاب الأطفال أو "تلاميذ الإرهاب"، كما ينعتهم البعض، تتجه الحكومة في تونس إلى جانب المجتمع المدني للحيلولة دون سقوط الضحايا الأبرياء في قبضة الإرهاب. رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، يرى أن إعادة النظر في النظام التربوي والتعليمي الذي يخلق جيل غير مرتبط بوطنه ولا يستميت للدفاع عنه، من بين البدائل التي يمكن الاعتماد عليها لحماية الأطفال. كما يؤكد على أن اهتمام الأسر بأطفالها وتربيتهم على القيم والفهم الصحيح للدين وسيلة ناجعة لمكافحة التطرف وانسياق الأطفال وراء التنظيمات والجماعات الإرهابية.
مريم مرغيش