الحراك المصري لدفع عملية السلام - غطاء لأهداف أخرى؟
١١ يوليو ٢٠١٦الذي ربما ينجح في ما فشلت فيه واشنطن وغيرها من العواصم الغربية، بين إسرائيل والفلسطينيين؟ سؤال تردّد في أكثر من صحيفة عربية وأخرى ذات صيت دولي. ولعل زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري الأحد (10 يوليو/تموز 2016) – في أول زيارة من نوعها منذ تسعة أعوام – إلى إسرائيل ولقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بعد أسبوع من زيارة مماثلة إلى رام الله ولقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إنما تؤكد رغبة مصر في إحياء عملية السلام المتعثرة أحيانا والمجمدة أحيانا أخرى. رغبة أكدتها الخارجية المصرية في بيان أصدرته أمس الأحد جاء فيه أن زيارة شكري إلى إسرائيل إنما تهدف إلى "توجيه دفعة لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية"، دون الإشارة إلى لعب دور الوسيط بين الطرفين المتنازعين.
مصر - البلد الوحيد القادر على جمع طرفي النزاع على طاولة مفاوضات؟
خطار أبو دياب، الخبير الدولي في شؤون الشرق الأوسط، لا يستبعد أن تنجح مصر في تحريك عملية السلام المجمدة بين إسرائيل والفلسطينيين، بحيث يقول في تصريح لـDW عربية: "مصر تبقى الدولة العربية الأكبر عددا ( في نفوسها) وذات الموقع الاستراتيجي المركزي والتي كان لها صلة كبيرة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عام 1948. ومصر أيضا التي وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979 لعبت أيضا دورا منذ اتفاقية أوسلو عام 1995 في تحسين شروط هذه العملية. كما أن القاهرة شكلت مركزا دائما للوساطات بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال فترة حكم (الرئيس الأسبق) حسني مبارك." يذكر أن مصر هي الدولة العربية الأولى التي وقعت عام 1979 اتفاقية سلام مع إسرائيل قبل أن تلتحق بها الأردن.
هذا الرأي اتفق مع رأي السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر إسحاق ليفانون، حيث قال – في حديث لوكالة الأنباء الألمانية "مصر لديها علاقة ممتازة مع الفلسطينيين ومصر لديها اليوم علاقات ممتازة مع إسرائيل." وأوضح بأن "الفلسطينيين يفهمون أن قبول السيسي للقيام بدور مباشر بينهم وبين الإسرائيليين يشكل فرصة فريدة لن تتكرر مجددا في المستقبل"، مشددا في الوقت نفسه بالقول: "إذا تمسك الفلسطينيون والإسرائيليون ببنادقهم، فلن يكون هناك أي تحرك."
من جهتها، ثمّنت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية في عددها الصادر اليوم الاثنين (11 يوليو/تموز) زيارة شكري إلى إسرائيل واعتبرت أن قرار إرسال وزير الخارجية بدلا من وزير الاستخبارات – مثلما كان يفعل في السابق حسني مبارك - يظهر مستوى جديدا من العلاقات أكثر قربا للتطبيع السياسي. وأضافت بأن شكري لم يتحدث عن مصر كوسيط رسمي وإنما أكد أنه من الممكن تحقيق حل الدولتين.
إذن، فالمؤشرات على إمكانية نجاح مصر في إحياء عملية السلام جيدة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا جاء هذا الحراك الدبلوماسي في هذا الوقت بالذات؟ وهل أن عملية السلام فعلا هي الشغل الشاغل للرئيس عبد الفتاح السيسي؟
"السيسي يسعى إلى تلميع صورته على الصعيد الدولي"
صحيفة ذا وول ستريت جورنال الأمريكية ترى أن الحراك المصري إنما يصب أيضا في مصلحة المصريين. وكتبت على موقعها الالكتروني الأحد (10 يوليو/تموز 2016): "بالنسبة لمصر فإن أي دور تلعبه في المساعدة على إيجاد حل من شأنه أن يعود بالنفع على السيسي الذي طالما واجه انتقادات لاذعة بسبب سياساته إزاء وضع اقتصادي مزري ووسط ارتفاع العمليات الإرهابية داخل بلاده." وبالتالي فإن الجهود المصرية في إحياء عملية السلام من شأنها أيضا أن تساهم في تحسين صورة الرئيس السيسي الذي يواجه انتقادات من قبل حقوقيين بسبب سياساته ضد المعارضين والتي توصف بالقمعية.
كما كشفت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في عددها الصادر الاثنين ( 11 تموز/ يوليو 2016) أن لمصر مصالح عديدة متشابكة بصلات قوية بالطرفين الإسرائيلي والفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء وملف تأمين تزودها بالمياه على خلفية مشروع سد النهضة المثير للجدل الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل. وقالت الصحيفة: "مصر تعتقد، وهي محقة في ذلك، أن لإسرائيل نفوذا في إثيوبيا، وإذا لم تكن قادرة على وقف بناء السد، فهي على الأقل قادرة على إقناع إثيوبيا بالتنسيق لتقاسم المياه مع القاهرة حتى لا يتضرر اقتصاد مصر". يذكر أن مصر، إلى جانب السودان، تجري محادثات مع أثيوبيا بشأن سد النهضة لتجنب أي أثار سلبية للسد بما في ذلك حصة القاهرة من المياه.
قلق من التقارب الإسرائيلي التركي؟
وأشارت هاآرتس إلى أن زيارة شكري بعد عودة نتنياهو مباشرة من جولته الإفريقية، ربما تهدف أيضا "لمعرفة ما إذا كان لديه أي أخبار جيدة للمصريين. فمصر بحاجة إلى هذه المعلومات للإعداد لمؤتمر وزراء خارجية وادي النيل الذي سينعقد الخميس القادم في أوغندا." وأضافت بأن "مصر بحاجة إلى دعم إسرائيل لمواجهة أي نوايا أمريكية لسحب قوات حفظ السلام الدولية من سيناء، وهي خطوة تعتبرها مصر استسلاما للإرهاب".
كما يبدو أن استئناف العلاقات بين تركيا وإسرائيل وخاصة فيما يتعلق بالجزء الذي يتيح لتركيا بأن تكون مورّدا رئيسيا للسلع الاستهلاكية ومواد البناء إلى غزة، يثير قلق مصر. وفي سياق متصل أشارت هاآرتس بالقول: "دخول تركيا (على الساحة الفلسطينية) يجعل مصر في أفضل الأحوال في وضع غير مريح، تواصل فيه إغلاقا رسميا لغزة، بينما تصبح تركيا حليفا لحماس، وهذه المرة بـإذن من إسرائيل".
إذن، ليس دفع عملية السلام إلا واحدا من عدة أهداف تسعى مصر إلى تحقيقها من خلال فتح "قناة سياسية" مع إسرائيل. ولكن نجاح الحراك المصري مرتبط بمدى تجاوز الفلسطينيين لانقساماتهم وكذلك التعاون الإسرائيلي غير "المضمون"، على حد تعبير خطار أبو دياب. "قد لا يتعدى الأمر بالنسبة لإسرائيل أن يكون مجرد مناورة لكسب الوقت، لأنه ليس من قرار استراتيجي في إسرائيل بقبول حل الدولتين...بل ربما يؤجل الأمر إلى حين حسم قضايا إقليمية أخرى". إلى ذلك الحين يبقى السؤالان الملحان: هل سيقتنع عباس بالعودة إلى طاولة المفاوضات؟ وهل سيكون نتنياهو جديا في عملية المفاوضات؟