ألمانيا- هل يكون أصغر حزب في الحكومة القادمة أكبر مؤثر فيها؟
٣٠ نوفمبر ٢٠٢١إنه عالم متغير ومعكوس، فقد كان كريستيان ليندنر، رئيس الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) يردد كثيرا خلال الحملة الانتخابية لانتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ) عبارة "لا يخطر في خيالي"، ويقصد بذلك إمكانية تشكيل ائتلاف حاكم في ألمانيا مكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، بعد 16 عامًا من حكم المستشارة المسيحية الديمقراطية أنغيلا ميركل.
كريستيان ليندنر كوزير للمالية يثير قلق حزب الخضر
لكن هذا هو الحال بالضبط الآن بعد أن وافقت الأحزاب الثلاثة على ما يسمى بائتلاف "إشارة المرور"، نسبة إلى ألوان الأحزاب، فالاشتراكي لونه أحمر والخضر أخضر والليبرالي أصفر. والآن كل ما تبقى هو موافقة قواعد تلك الأحزاب فقط، فالاشتراكيون والليبراليون يريدون الحصول على تلك المواقفة من خلال مندوبيهم في المؤتمر العام لكل حزب منهما أما الخضر فمن خلال استطلاع رأي للأعضاء.
وحزب الخضر هو من سيتعين عليه القيام بأكبر الأعمال من أجل إقناع الكثيرين في صفوفه، ممن يرون أن بنود حماية المناخ في اتفاقية الائتلاف ضعيفة جدا. وينتشر الشعور بين هؤلاء بأن الحزب الديمقراطي الحر ذا التوجهات الاقتصادية الليبرالية قد فرض نفسه في هذه القضية. ويتعزز هذا الانطباع داخل حزب الخضر المهتم بالدفاع عن البيئة لأنّ وزير المالية المعين هو كريستيان ليندنر. وأنه من خلال ذلك سيحصل أصغر الأحزاب الحاكمة في المستقبل على واحدة من أكثر الوزارات نفوذاً.
تقسيم الوزارات يبدو متوازنا
فهل الحزب الديمقراطي الحر هو الرابح الأكبر إذن في عملية شد الحبل بخصوص تقسيم الوزارات بين الأحزاب الثلاثة؟ وماذا تتضمن البنود الجوهرية لاتفاقية الائتلاف؟ الحزب الفائز في الانتخابات سيتولى طبعا أهم منصب، وهو منصب المستشار الاتحادي، الذي سيتولاه أولاف شولتس، وعلاوة على ذلك سيكون للاشتراكيين الديمقراطيين ست وزارات، وللخضر خمس أما الليبراليون فسيحصلون على أربع وزارات. وتتوافق هذه النسبة تقريبًا مع نتيجة انتخابات البوندستاغ، فقد حصل الاشتراكيون على 25.7 بالمائة فيما حصل الخضر على 14.8بالمائة وحصل الليبراليون على 11.5 بالمائة من جملة أصوات الناخبين.
وزير المالية المستقبلي كريستيان ليندنر "راض" عن نتائج مفاوضات الائتلاف. وعند عرض النتيجة، التي تم تلخيصها في 177 صفحة، تحدث عن "حكومة الوسط" المستقبلية، وقال إنه بمقدور الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر أن "يفخروا بما تفاوضوا عليه في اتفاقية الائتلاف هذه، فقد كانوا مفاوضين أقوياء بحجج جيدة".
ظهور غير مسبوق للخضر عالميا.. فماذا عن الليبراليين؟
فهل هناك من يتحدث معتقدا أن الحزب الديمقراطي الحر استفاد أكثر من الحزبين الآخرين؟ من المفيد - من بين أمور أخرى - إلقاء نظرة فاحصة على توزيع الاختصاصات بين الأحزاب الثلاثة. فبالإضافة إلى الشؤون المالية سيكون الليبراليون مسؤولين عن العدل والنقل والتعليم. وهذا مزيج يبدو أنه يناسب قوة سياسية تؤيد بقوة، الحقوق المدنية والحرية بشكل خاص، وستكون تلك القوة مسؤولة أيضا عن المسائل الرقمية في وزارة النقل، وهي نفسها أيضا القوة التي دعت في الحملة الانتخابية لتحقيق "أفضل تعليم في العالم".
لكن ما ينقص الحزب هو وزارة دولية بالمعنى الكلاسيكي. وهذا ملحوظ لأن الحزب الديمقراطي الحر، عندما كان يشارك في الحكم كان يأتي من صفوفه وزير الخارجية وذلك على مدار عقود، ولنتذكر مثلا أسماء هانز ديتريش غنشر وكلاوس كينكل وغيدو فيسترفيله. والآن يفترض أن تصبح رئيسة الدبلوماسية الألمانية هي أنالينا بربوك من حزب الخضر، وهي المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة حقيبة الخارجية الألمانية. أما وزارة الدفاع ووزارة التنمية فسيذهبان إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وبذلك سيخرج الحزب الديمقراطي الحر خالي الوفاض في هذا المجال؛ إلا إذا اعتبرت وزارة المالية أيضًا واحدة من تلك الوزارات ذات الأهمية الدولية الكبيرة. ويمكن رؤية ذلك إذا وضعنا فقط في الاعتبار مسألة تنظيم الأسواق المالية العالمية أو إدخال حد أدنى عالمي من الضرائب، وهما مسألتان شارك فيهما المستشار الألماني المستقبلي أولاف شولتس بصفته وزيرا للمالية في حكومة ميركل.
ومن خلال المنظور السابق سيكون الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) مرئيًا ومؤثرًا أيضًا خارج ألمانيا. وهذا سينطبق أيضا بشكل خاص على الخضر لأنهم سيتولون وزارة الخارجية في ائتلاف إشارة المرور المتفق عليه وكذلك وزارة الاقتصاد والتي ستكون مسؤولة عن حماية المناخ أيضا في المستقبل.
زيادة الحد الأدنى للأجور ولا زيادة في الضرائب
وماذا عن النقاط الرئيسية في محتوى اتفاقية الائتلاف؟ وزير المالية الألماني المستقبلي، كريستيان ليندنر، التزم مبكرا خلال الحملة الانتخابية بأنه "لن تكون هناك زيادات ضريبية مع الحزب الديمقراطي الحر". بينما كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر يودان مطالبة الأغنياء بدفع المزيد. فهل انتصر الحزب الديمقراطي الحر؟ الإجابة: نعم ولا. لأن الحزب كان يفضل حتى رؤية تخفيضات ضريبية. بيد أن مثل تلك التخفيضات لم تكن واقعية في ضوء المليارات التي استدانتها الدولة نتيجة جائحة كورونا.
وكان هناك حل وسط بين أطراف إشارات المرور الثلاثة في تفسير مسألة كبح جماح الاستدانة المنصوص عليها في القانون الأساسي، الدستور الألماني، فقد اتفقوا على عدم القيام بكبح لعملية الاستدانة إلا بداية من عام 2023، إذ إن هناك حاجة للاستدانة من جديد في الفترة المقبلة بسبب الجائحة.
وفيما يتعلق بموضوع الحد الأدنى للأجور، كان على الحزب الديمقراطي الحر أن يستسلم لرغبات الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. ويفترض أن يرتفع الحد الأدنى القانوني للأجور من 9.60 يورو إلى 12 يورو للساعة. وأغلب الظن أن القضاء سيبت فيما إذا كان هذا التدخل متوافقا مع مسألة "استقلالية تعريفة الأجور". وبشكل عام فإن الحزب الليبرالي ينظر بعين الريبة إلى مسألة الحد الأدنى للأجور.
آخر مشاركة لليبراليين في الحكم كانت عام 2013
هل اتفاق الائتلاف حول حكومة إشارة المرور يسيطر عليه بشكل خاص اللون الأصفر (الليبراليين) كما يعتقد البعض؟ أم أن اللونين الأحمر والأخضر يضيئان بنفس القوة التي توحي بها نتيجة الانتخابات؟ سيجيب كل واحد على هذا السؤال من زاوية وفقا لما يربطه من أهداف وآمال بهذا الائتلاف. للوهلة الأولى، يبدو أن الحزب الديمقراطي الحر هو الأكثر رضا. ويمكن سماع انتقادات من منظمات الشباب خصوصا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.
لدى عرضه نتائج المفاوضات، تحدث كريستيان ليندنر عن المهمة المشتركة لحكومة إشارة المرور من أجل تحديث ألمانيا وقال: "نحن نشكل ائتلافا لا يقيد فيه الشركاء الثلاثة بما يتعارض مع ما كان في برامجهم" الانتخابية.
البحث عن حل وسط بين الأحزاب الثلاثة نتج عنه شعار "تجرأ على القيام بالمزيد من خطى التقدم"، وهذا هو عنوان اتفاقية الائتلاف. وبعد انتخابه لمنصب المستشار الألماني، المقرر إجراؤه في بداية ديسمبر/ كانون الأول، سيقدم أولاف شولتس حكومته. وكانت آخر حكومة اتحادية يشارك فيها الحزب الديمقراطي الحر قد تشكلت بقيادة أنغيلا ميركل عام 2013.
مارسيل فورستناو/ ص.ش