الحزب المسيحي الديمقراطي يحتفل بعيد ميلاده الستين
١٦ يونيو ٢٠٠٥عندما تسلم كونراد آديناور (1876 ـ 1967) أحد أبرز شخصيات الحزب المسيحي الديمقراطي في عام 1949 منصب أول مستشار ألماني، كان عمر حزبه لا يتجاوز أربع سنوات. هذا الحزب الذي أعلن مؤسسوه عن تشكيله في برلين ومنطقة الراين (غرب ألمانيا) في عام 1945 ولد في بلاد أنهكتها الحرب العالمية الثانية وترقب سكانها بفارغ الصبر الخروج من تبعات النظام النازي والالتحاق بركب المجموعة الدولية. وبالفعل جمع الحزب بين أعوام 1945 و1959 قواه وأعلن في عام 1950 عن ولادة حزب شعبي بدأ بممارسة نشاطه في جميع الأراضي الألمانية. ومنذ البداية أعلن الحزب عن هدفه الرئيسي وهو "تجميع كافة القوى المسيحية الألمانية في اتحاد واحد". ومنذ البداية كذلك أوضح مؤسسوه ركائز الحزب الثلاث وهي القيم المسيحية والديمقراطية والفيدرالية.
لمحة تاريخية
خرجت ألمانيا في عام 1945 من الحرب العالمية الثانية منهكة جسديا ومعنويا. وعقب استسلامها أمام جيوش الحلفاء بدء جماعات في شهر مايو/نيسان برص الصفوف من أجل تأسيس حزب جديد ينتشل البلاد من الدمار الذي لحق بها في هذه الحرب. وفي السابع عشر من يونيو/حزيران من عام 1945 نظمت إحدى هذه المجموعات في آن واحد اجتماعين، في برلين وفي كولون. وتمخض الاجتماع عن صدور بيان نادى فيه المنظمون الشعب الألماني "بترك الخلافات السابقة جانبا والتكاتف". وبعد هذا الاجتماع عقد فرع الحزب المسيحي الديمقراطي اجتماعه التأسيسي. ولكن هذا الاجتماع لم يؤهل الحزب في حينها لممارسة نشاطه في جميع البلاد الألمانية. وفقط في عام 1950، إي بعد عام واحد من تسلم شخصيته البارزة كونراد آديناور منصب المستشار الألماني أعلن عن تأسيس حزب ينشط في جميع الولايات الألمانية.
مبادئ الحزب الأساسية
ْ
وفقا لبرنامج الحزب المسيحي الديمقراطي، فإن أساسه يستند إلى الفهم المسيحي للإنسان وإلى مسؤوليته إمام الله. أما قيمه الرئيسية فهي الحرية والتضامن والعدالة. ومن هنا يمكن القول، حسب برنامج الحزب إن الحزب مفتوح لكل شخص يحترم كرامة وحرية جميع الناس ويوافق على مبادئ الحزب الرئيسية. ولهذا جمع الحزب في صفوفه منذ البداية مسيحيين من الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية ومحافظين وليبراليين ونساء ورجال من الأديان الأخرى ومن جميع الشرائح الاجتماعية الألمانية. وينص برنامج الحزب على تأييد الديمقراطية الحرة ودولة القانون واقتصاد السوق وربط ألمانيا بالقيم الغربية والنظام الدفاعي الغربي ووحدة ألمانيا وأوروبا. ولهذا ـ يقول البرنامج ـ إن الحزب عمل بعد نهاية الحرب على ربط ألمانيا بأوروبا وحلف شمال الأطلسي (ناتو).
أهم شخصيات الحزب
منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1949، قاد الحزب المسيحي الديمقراطي البلاد 36 سنة. وفي هذه السنوات اتخذت شخصيات مسيحية ديمقراطية مثل كونراد آديناور ولودفيغ إيرهارت وكورت جيورغ كيسينجر وهيلموت كول أهم القرارت المصيرية التي حددت على مدى عقود من الزمن مسيرة الحزب: اعتماد اقتصاد السوق القائم على التكافل الاجتماعي بعد عام 1945 وربط ألمانيا بالعالم الغربي في منتصف الخمسينيات وتعميق جذور الاتحاد المجموعة الأوروبية وبالطبع تحقيق الوحدة الألمانية في عام 1989.
كول والوحدة الألمانية
لا يمكن الحديث عن الوحدة الألمانية دون تناول تأثير الشخصية المسيحية الديمقراطية ومستشار ألمانيا السابق هيلموت كول. فقد كان هذا الطموح منذ تسلمه منصب المستشارية في عام 1982 شغله الشاغل. ولا تقارن إنجازات هذا السياسي الذي ولد في عام 1930 في لودفيغسهافن بإنجازات القيصر الألماني بسمارك بالصدفة، فقد استطاع كول أو كما يسميه البعض "مهندس الوحدة الألمانية" إقناع زعماء الدول الكبرى بالموافقة على توحيد غربي ألمانيا وشرقها، الأمر الذي كان بمثابة نجاح سياسي تاريخي اعترف به حتى خصومه السياسيون. يشار إلى أن هيلموت كول قاد ألمانيا في غضون ثلاث فترات انتخابية امتدت بين عامي 1982 و1998، العام الذي وصل فيه الاشتراكيون الديمقراطيون برئاسة المستشار الألماني الحالي غيرهارد شرودر إلى الحكم.
إيرهارد والمعجزة الاقتصادية الألمانية
يعتبر المسيحي الديمقراطي لودفيغ إيرهارد ( 1897 ـ 1977 ) أباً لما يسمى بـ "المعجزة الاقتصادية الألمانية" واقتصاد السوق القائم على التكافل الاجتماعي. وكان إيرهارد الذي شغل منصب وزير الاقتصاد الألماني بين أعوام 1949 و1963 هو أول وزير للاقتصاد في جمهورية ألمانيا الاتحادية، ثم شغل منصب المستشار الألماني وذلك لسنوات قليلة فقط. ويرجع للشخصية السياسية الفضل في إرساء قواعد النظام الاقتصادي المشار إليه وفي تطبيق هذا النظام في ألمانيا الغربية آنذاك. وتتلخص فكرة هذا النظام في تمكين قوى السوق من العمل بحرية لأن هذا يزيد من القدرات الاستهلاكية ويشجع الابتكار والتجديد والتقدم التقني في الوقت ذاته. ويمنع النظام قبل كل شيء تركز القوى ويوزع الربح حسب الكفاءة الفردية.
تقرير: ناصر جبارة