الحكم بالإعدام على صدام حسين واثنين من المسئولين في النظام العراقي السابق
٥ نوفمبر ٢٠٠٦أصدرت المحكمة الجنائية العليا اليوم الأحد أحكاما بالإعدام شنقا على الرئيس العراقي السابق صدام حسين واثنين من المسئولين السابقين في نظامه بعد إدانتهم بالمسؤولية عن مقتل 148 قرويا شيعيا في قرية الدجيل الشيعية شمال بغداد في مطلع الثمانينات. إلا أن نظام المحكمة ينص على استئناف الحكم بشكل آلي في حال كان الإعدام أو السجن المؤبد، مما يمكن ان يؤدي الى إرجاء تنفيذ الحكم عدة أسابيع أو عدة اشهر. وسارع القاضي رائد جوحي رئيس المحكمة الجنائية العليا اليوم الاحد الى الاعلان بان اجراءات استئناف حكم الإعدام ستبدأ يوم غد الاثنين.
وقد حاول الرئيس العراقي السابق مرارا مقاطعة القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن عند النطق بالحكم، مرددا "عاش العراق عاش الشعب العراقي الله اكبر من المحتلين". غير أن أربعة حراس قاموا باقتياده خارج قاعة المحكمة وقد قيدت يداه وراء ظهره. وحكم على صدام حسين بالسجن عشر سنوات أيضا لإدانته بارتكاب "جريمة ضد الإنسانية" أي التعذيب، وعشر سنوات أخرى لقيامه "بتهجير سكان". كما حكمت المحكمة التي تعقد جلساتها في المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، بالإعدام على برزان إبراهيم التكريتي، الأخ غير الشقيق للرئيس السابق وعواد احمد البندر الذي ترأس محكمة الثورة في أحداث الدجيل. وهتف البندر عند النطق بالحكم "الله اكبر على كل الخونة" قبل أن يطرد من القاعة.
ومن جهته، هتف برزان التكريتي الذي تسببت تدخلاته في عدة حوادث خلال جلسات المحاكمة الاربعين، مرات عدة، هتف قائلا: "يعيش البعث حزب القيم" بينما كان القاضي يطلب منه الصمت. وحكم على نائب الرئيس السابق طه ياسين رمضان الذي كان احد أهم مسئولي النظام السابق، بالسجن مدى الحياة مع ان المدعي جعفر موسوي كان طلب الإعدام له. وحكمت المحكمة بالسجن 15 عاما على ثلاثة من المسئولين السابقين الآخرين في حزب البعث الذين يحاكمون في هذه القضية. وأصدرت المحكمة هذه الأحكام بعد ان أدانت عبد الله خادم الرويد وابنه مزهر عبد الله الرويد وعلي دايح علي "بالقتل العمد". كما برأت محمد عزاوي بناء على طلب المدعي.
السفير الأمريكي: "الحكم خطوة تاريخية"
وفي أول رد فعل على هذا التطور، قال السفير الاميركي في العراق، زلماي خليل زاد، إن الأحكام التي صدرت "خطوة تاريخية مهمة" بالنسبة للعراق وتظهر "التزام الشعب العراقي بمحاسبتهم". وقال خليل زاد "جرت محاكمة دكتاتور سابق كانت تخشاه الملايين قتل مواطنيه دون رحمة أو عدالة وشن الحروب على الدول المجاورة, وجرت محاسبته داخل بلاده أمام محكمة أدلى فيها مواطنون عاديون بشهاداتهم". وبعيد بدء الجلسة، طرد القاضي من المحكمة احد محامي الدفاع عن صدام حسين، الاميركي رامسي كلارك وزير الأسبق بسبب موقفه من المحكمة. وقال القاضي "اخرج من المحكمة. لقد جئت إلى العراق لتسخر من الشعب العراقي ومن المحكمة". وكان كلارك انتقد توقيت إصدار الحكم قبل يومين من الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدة التي ستجرى في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر. واستغرقت الجلسة اقل من أربعين دقيقة. وقد عقدت في ختام محاكمة استمرت من 19 تشرين الأول/أكتوبر 2005 إلى السابع والعشرين من تموز/يوليو الماضي.
نهاية الحقبة الصدامية
ومثل صدام حسين الذي قاد البلاد بقبضة حديدية من 1979 وحتى سقوط نظامه في نيسان/ابريل 2003, وسبعة مسؤولين في نظامه، امام المحكمة لمجزرة راح ضحيتها 148 قرويا شيعيا في الدجيل، قتلوا بعد اعتداء فاشل استهدف موكب صدام حسين في 1982. وحتى قبل بدء الجلسة، تظاهر مؤيديون لصدام حسين في بغداد وفي بلدة شمال العاصمة العراقية. وفي مدينة الصدر معقل ميليشيا جيش المهدي التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، تجمع سكان مخالفون حظر التجول الذي فرضته السلطات في بغداد امام مكتب التيار الصدري بانتظار صدور الحكم. وفي الدور قرب تكريت التي كانت معقل صدام حسين شمال بغداد، تظاهر عشرات من أنصار الرئيس المخلوع في الشوارع وهم يرفعون صوره وصور عزة ابراهيم الدوري المنحدر من هذه البلدة، حسب ما ذكر شهود عيان. وما زال الاميركيون يطاردون عزة إبراهيم الذي كان الرجل الثاني في نظام صدام حسين, ويتهمونه بتنظيم وتمويل حركة التمرد. وهتف المتظاهرون وبينهم نساء وأطفال "بالروح بالدم نفديكم يا صدام".
"يا للغرابة!"
وبينما يتهم الرئيس العراقي السابق إدارة الرئيس جورج بوش بترتيب موعد النطق بالحكم في قضية الدجيل للاستفادة منه في المعركة الانتخابية، يشكك بعض الخبراء السياسيين في مدى تأثير الحكم على فرص الجمهوريين في انتخابات الكونجرس، إذ يعتقد ستيفن هيس، الخبير السياسي في معهد بروكينغز، ان الأثر، الذي سيتركه الحكم على توجهات الناخبين الأمريكيين "سيكون متواضعاً"، مضيفاً أن "معظم الذين سيدلون بأصواتهم الثلاثاء موقفهم محسوم من الوضع في العراق". لكنه يرى انه من الممكن ان يؤثر الحكم على المترددين. كما هيس هيس: "سيتصدر ذلك بالطبع عناوين الصحف وسيستخدمه الجمهوريون والرئيس بوش لتذكير الأمريكيين بالسبب الذي شنت من اجله الولايات المتحدة الحرب على العراق".
أما على شبكة الانترنت وفي منتديات النقاش، التي يديرها الديمقراطيون، فتثار شكوك كثيرة حيال اختيار موعد إعلان الحكم، إذ يتساءل بعض مستخدمي الانترنت في منتديات النقاش تلك عما إذا كان قد "تم اختيار موعد إصدار الحكم لتأمين فائدة سياسية قصوى للإدارة والجمهوريين". أما المواطن الأمريكي توم انغلهارت فيقول على موقع مجلة "ذي نايشن" التقدمية: "هذا الحكم سيصدر، يا للغرابة، قبل يومين فقط من انتخابات نصف التجديد النصفي للكونجرس. هذا ما يمكن ان يلحظه اي صحفي في اي مقال. ولكن لا، يمكن ان تبحثوا في كل مكان، إلا أنكم لن تجدوا اي إشارة إليه في وسائل الإعلام الكبرى". أما السفير الأمريكي في العراق، زلماي خليل زاد، فيرفض هذه الاتهامات مؤكداً أن قرار النطق بالحكم على صدام "اتخذه القضاة العراقيون. وأن الولايات المتحدة لا دخل لها باختيار الموعد".
نقد لاذع للمحكمة
ومن جانبه علق وزير العدل الأمريكي الأسبق، كلارك، الذي كان ضمن فريق الدفاع عن صدام حسين، على مجريات المحكمة قائلا: "الحكم في هذه المحاكمة التي استمرت نحو عام يتوقف على الإرادة السياسية للقوى المسيطرة الآن في العراق. وأضاف كلارك "لو كانت هناك محاكمة عادلة بوجود قضاة محترفين يكونوا ملتزمين بمهنتهم ... لقال هؤلاء القضاة اننا لا نستطيع توفير محاكمة عادلة ولا نستطيع المضي قدما في المحاكمة". وحذر كلارك قبل ان يتوجه إلى بغداد من ان صدور حكم بالإعدام "سيؤدي الى حدوث اعمال عنف ربما تستمر لاجيال قادمة" مضيفا أن "صدور حكم الاعدام لن يعمق الانقسامات فحسب، بل سيثبت للعراقيين الذين يشعرون بالظلم من الاحتلال الأمريكي انه ليس هناك وسيلة اخرى سوى القتال إلى النهاية."