الخضر والديمقراطيون الأحرار في قارب اقتصادي واحد؟
تدفع نتائج الانتخابات النيابية الألمانية، التي تم إعلانها يوم الـ 18 أيلول/سبتمبر 2005، بالقائمين على العملية السياسية في ألمانيا إلى بحث كل فرصة ممكنة لتشكيل تحالف حكومي جديد. وفي هذه الأثناء تدرس قيادات الإتحاد المسيحي الديمقراطي إمكانية تشكيل ائتلاف حاكم في برلين مع حزبين لدودين، هما حزب الخضر وحزب الديمقراطيين الأحرار (الحزب الليبرالي). وفي هذا الإطار عُرف عن هذين الحزبين تعاطيتهما المتباين مع العديد من القضايا السياسية، مما خلف انطباعاً لدى بعض المراقبين السياسيين بصعوبة تشكيل أي تحالف حكومي يجمعها. لكن من الواضح أنه قد آن الأوان لكي تتحرر الحياة السياسية الألمانية من صور التحالفات السياسية المعهودة بين الأحزاب، وذلك كخطوة على طريق كسر الجمود السياسي، الذي اعترى العملية السياسية برمتها بعد إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة. وبات من الضروري على الاتحاد المسيحي الديمقراطي تفنيد الاتجاهات السياسية لحزبي الخضر والديمقراطيين الأحرار. وفي هذا الصدد يرى البعض أنه حتى ولو غلب عدم التفاهم على مواقف الأحزاب المختلفة في بعض الأحيان، فانه من الممكن أن يسود التآلف من خلال التوصل إلى حلول وسطية تقرب بين الأحزاب.
النهج الاقتصادي تحت المجهر
لا غرو أن النهج الاقتصادي لكلا الحزبين هو أحد أهم مواضع اهتمام المسيحيين الديمقراطيين. مؤخراً اعترف الاتحاد المسيحي الديمقراطي بقدرة الخضر على المشاركة في صيغ السياسة الاقتصادية والمالية في ألمانيا. لكن من البديهي إعتبار أن هذا الاعتراف قد جاء في إطار المساعي الهادفة إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الخضر، وتجنب بقاء أعضاء هذا الحزب المحافظ جزءً من المعارضة في البرلمان الاتحادي (البوندستاغ)، أو الدخول في تحالف حكومي، غير مرغوب فيه، مع غريم السياسي التقليدي، وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
مبادئ مشتركة
أما أوسفالد ميتسغير، أحد أبزر القائمين على السياسية الاقتصادية في حزب الخضر، فقد أكد في تصريحات خاصة لصحيفة فرانكفوتر ألغيماينه تسايتونغ، واسعة الانتشار، على دعمه الشديد لفكرة أي تعاون مشترك قد يجمع بين حزبه والحزب الليبرالي، تحت مظلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وبالإضافة إلى ذلك يرى ميتسغير أن الحزبين يرتكزان على العديد المبادئ الرئيسية المشتركة، وأهمها حماية حقوق المواطن من سلطة الدولة، فضلاً عن التأييد الكبير للطبقة المثقفة من الناخبين لهما، والتي تعول على قدرتهما على تحديث ألمانيا. لكن من المعروف عن الاتجاه الاقتصادي لحزب الديمقراطيين الأحرار أنه يختلف عن قرينه "الأخضر".
إنجازات...
في الأشهر، التي سبقت الانتخابات البرلمانية، اخذ الاقتصاد الألماني يتحرر شيئا فشيئا من قيود ارتفاع تكاليف الإنتاج ومسألة تسريح العمالة. وذلك بعد أن ذاع عن الاقتصاد الألماني أنه أسير تكاليف الإنتاج العالية، القادرة على الحيلولة دون المنافسة في السوق العالمية. في هذا الصدد ذهب معظم رجال الاقتصاد في الشهور الماضية إلى أن القدرة التنافسية للاقتصاد الألماني قد أصبحت ترتفع باضطراد، بحيث أصبح يحظى على مميزات تنافسية تفوق تلك التي تتسم بها اقتصاديات الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا ايطاليا، هولندا وحتى بريطانيا. ويتفق الكثير من الخبراء والمستثمرين الأجانب إلى حد كبير مع هذا التحليل.
...لابد من التفاهم للحفاظ عليها
وفي الحملة الدعائية التي سبقت الانتخابات النيابية الأخيرة أكد حزب الخضر على رغبته في مواصلة نهجه الاقتصادي وتشجيع قطاعات الصناعة المختلفة على المحافظة على البيئة، مع التركيز علي تنمية مصادر الطاقة البديلة. ناهيك عن معارضة الخضر الشديدة لفرض رسوم جامعية من أجل سد عجز الميزانية العامة للولايات الاتحادية. أما الديمقراطيون الأحرار فقد شددوا في المعترك الانتخابي التشديد على ضرورة خفض الضرائب بغرض إنعاش الاقتصاد الألماني، والقضاء على البيروقراطية، التي تعرقل الاستثمار والعمل الحر.
أما ما يتعلق بالسياسة التعليمية فيتبنى حزب الديمقراطيين الأحرار، موقفاً يغاير موقف حزب الخضر، إذ يؤيد فرض رسوم جامعية من أجل تمويل الجامعات ومنح قطاع التعليم استقلالية أكبر. وبينما يصر الديمقراطيون الأحرار على ضرورة تحرر الاقتصاد الألماني من تدخل الدولة في آليات عمل السوق الحر، يتبنى الخضر رؤية اقتصادية مفادها، أن مهمة الدولة تكمن في التدخل عند الضرورة، وذلك للحيلولة دون إلحاق الضرر بالبيئة وحقوق الأسرة والعمال. وعلى الرغم من ذلك لا ينفي الخبراء السياسيون إمكانية التفاهم على القضايا من اجل تشكيل ائتلاف حكومي جديد في ألمانيا.
علاء الدين سرحان