الدولة المغربية تستعين بالتصوف لمواجهة المد الإسلامي
١٤ فبراير ٢٠١٢منذ قرون مضت أخذت الزوايا الصوفية مكانة هامة في الحياة السياسية والاقتصادية والدينية في المغرب. وقد استعان ملوك البلاد بالزوايا قصد استمداد شرعية دينية منها. كما يحصل شيوخ هذه الزوايا والأضرحة على هدايا سخية مقابل هذه الخدمة. أما على المستوى الاقتصادي فتعتبر الاحتفالات الموسمية والدينية فرصة لانتعاش الأنشطة التجارية بين القبائل والمدن. وعلى على الجانب الروحي فقد اعتبرت الزوايا ملاذا للراغبين في تربية روحية على يد شيوخ التصوف أو "العارفين بالله" أو "رجال الله" كما تطلق العامة عليهم.
وزير الشؤون الدينية من خلفية الإنتماء الصوفي
بعد تفجيرات 11 من سبتمبر 2011 انخرط المغرب إلى جانب الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب، فأطلق حملة استباقية هدفت الى "إعادة تأهيل الحقل الديني" في البلاد حيث تم تعيين المؤرخ أحمد توفيق، المعروف بانتمائه إلى "الزاوية البوتشيشية" وهي من أكبر زوايا التصوف في المغرب، وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية وذلك بهدف السهر على "الأمن الروحي لمغاربة".
الزوايا منخرطة في اللعبة السياسية
في حوار مع الباحث المغربي يؤكد سعيد لكحل المتخصص في قضايا الحركات الإسلامية أن "الزوايا لعبت منذ قرون دورا كبيرا في الحياة السياسية للبلاد، بل إن الكثير من الدول التي تعاقبت على حكم المغرب قامت في الأصل على زوايا صوفية". وبدوره يرى عبد الصمد عفيفي وهو باحث في العلوم السياسية أن الزوايا الصوفية "خلفت ترسبات في الممارسة السياسية وتأثيرا في السلوك السياسي، وأن هذه العلاقة كونت ثقافة سياسية استلهمت كثيرا من آليات عمل الزوايا كالولاء والطاعة والبيعة".
ويسجل سعيد لكحل أن الزاوية البوتشيشية برزت كفاعل سياسي خلال السنوات الأخيرة "فأثناء الدعاية للإصلاح الدستوري الأخير تحركت هذه الزاوية - كأكبر زاوية من حيث عدد الأعضاء- ونظمت مسيرات واسعةعلى الصعيد الوطني لمباركة الدستور الجديد" . ويرى عبد الصمد عفيفي أن مثل هذا التحرك يعبر عن محاولة للنظام السياسي في المغرب تهدف إلى" ضمان توازناته السياسية، ويستخدمها من أجل إعادة ضبط الحقل الديني وإضعاف الفاعلين السياسيين الآخرين".
التصوف في مواجهة المتشددين
ويعتبر سعيد لكحل أن استعانة الدولة المغربية بخدمات الزاوية البوتشيشية كان موجها بالأساس ضد جماعة العدل والإحسان الأكثر انتقادا للنظام حيث إن الزاوية البوتشيشية تمثل الكفة الأخرى في "التوازن تجاه جماعة العدل والإحسان. ويرى المتحدث أنه كلما طرحت العدل والإحسان موضوعا ما إلا وتدخلت الزاوية الأخرى قصد خلق التوازن" على حد تعبير سعيد لكحل، ملاحظا أن "الزاوية البوتشيشية تصدت أيضا لحركة 20 فبراير كما تصدت لخصوم الوحدة الترابية للمغرب".
وينتقد سعيد الكحل نهج الدولة المغربية خلال سنوات مضت عندما " استعانت بالإسلاميين ضد الحركات اليسارية خصوصا بالحركات السلفية الوهابية التي تم استيرادها ودعمها بهذا الهدف، لتتحول إلى تجمعات سلفية وجهادية مناوئة للنظام بالكامل. ويضيف الخبير لكحل أن "الدولة تراجعت عن سياسة الرهان على الوهابية وعوضتها بالاستعانة بالتصوف لمواجهة السلفيين من جهة والعدل والإحسان من جهة أخرى".
الزوايا كبديل عن الأحزاب السياسية؟
وعن تأثيرات الساحة السياسة الجديدة على الحقل السياسي المغربي يقول عبد الصمد عفيفي "من المحتمل أن يهيمن البعد الديني على الحقل السياسي وقد يخضع الحقل الديني نفسه لمنطق الحلال والحرام وليس لمنطق القانون". من جهته يعتبر سعيد لكحل أن الدولة "تعامل الأحزاب السياسية بنفس الشكل الذي تعامل به الزوايا الصوفية" أي أنها تنتظر من الأحزاب الولاء المطلق لها. ويشير في ذلك إلى أن" أغلب الأحزاب السياسية التي كانت في الحكومة وخرجت إلى المعارضة أقرت أنها كانت تتعرض لمضايقات".
عبد الرحمان عمار
مراجعة: عبدالحي العلمي