الروح الجماعية والتنظيم يتفوقان على الكرة الجميلة في مونديال 2006
٣ يوليو ٢٠٠٦إذن، ودّعت الأرجنتين السبت الماضي بعد هزيمتها أمام ألمانيا في الركلات الترجيحية، وتبعتها البرازيل مساء أول أمس بعد مباراة انتصرت فيها الروح الجماعية للمنتخب الفرنسي على الأداء الفردي، ليتحول مونديال 2006 إلى بطولة أوروبية خالصة بامتياز. ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال، كلها فرق تكمن قوتها دون شك في تمتع لاعبيها بروح جماعية على حساب الأداء الفردي الذي تميزت به فرق أمريكيا اللاتينية وعلى رأسها الأرجنتين والبرازيل، حتى أن الهزيمة التي مني بها الـ"سيليساو" أمام فرنسا لم تكن كفيلة بإعادة المياه إلى مجاريها، إذ غادر نجوم الكرة البرازيلية مثل رونادينيو ورونالدو وأدريانو الملعب بانفراد، لتتحول أحلام أبطال العالم بالكأس إلى مجرد ذكريات عابرة.
وعندما بدأ البرازيليون ينسحبون واحدا تلو الآخر من أرض الملعب، تولد لدينا انطباع بأن الصديق الوفي لهؤلاء النجوم كان في الأسابيع الماضية الكرة وليس الترابط والوحدة. صحيح أننا لم نكن نتوقع خروج فرق مرشحة للفوز بالكأس مثل الأرجنتين والبرازيل، ولكن هذا لم يكن مخالفا للمنطق. فجميع الفرق التي تأهلت إلى نصف النهائي (ألمانيا، إيطاليا، فرنسا والبرتغال) اتخذت منذ البداية من الروح الجماعية شعارا لها، كما ركز مدربوها على التكتيك المبرمج والنظام في صفوفها الخلفية والتقليل من الأخطاء بدلا من تقديم كرة قدم جميلة وتسجيل الأهداف.
الأهداف القليلة هي نتيجة التكتيك
هذا التحول لم يكن جديدا على المراقبين، لانه تم ملاحظته في بطولة الأمم الأوروبية الأخيرة في البرتغال. فقد كنا شاهدين على مباريات مملة سيطر عليها التكتيك المفرط وتربص فيها كل فريق بأخطاء الفريق المنافس. ومن المعروف أن غياب المتعة في ممارسة لعبة الجماهير والأهداف القليلة تأتي غالبا نتيجة للتكتيك في اللعب الذي يتطلب التقليل من الأخطاء وانتظار أخطاء الفريق المنافس. ومن ناحية أخرى، جاء مونديال هذا العام ليقدم أكبر مثال على أن مدربي الفرق الأربعة المتأهلة إلى نصف النهائي استطاعوا الجمع بين خطوط دفاع منظمة وتركيز كبير للمهاجمين في خط الوسط بهدف السيطرة على مجريات المباراة.
ومن أجل النجاح في تمرير هذه الاستراتيجية لا يحتاج المدربون إلى لاعبين يتمتعون بلياقة بدنية عالية قادرين على الحفاظ على إمتلاكهم للكرة فحسب، بل أيضا على تسجيل الأهداف. فجميع الفرق الأربعة تملك في صفوفها لاعبون تتوفر لديهم هذه الصفات المطلوبة: الإيطالي إندريا بيرلو والألماني تورستِن فرينغس والبرتغالي مانيش والفرنسي باتريك فييرا. كلهم لاعبون استراتيجيون يستطيعون تحميس زملائهم والانتقال بين لحظة وأخرى من خط الوسط إلى خط الدفاع ومنه إلى خط الهجوم وسبق لهم أن سجلوا أهدافا في هذا المونديال.
اسبانيا تخالف القاعدة .. وتودع المونديال
لا شك أن أكبر خيبة أمل في مونديال ألمانيا قد لحقت بالمنتخب الاسباني. هذا الفريق الذي يضم في صفوفه لاعبين كبار يكسبون رزقهم في أعرق الفرق الاسبانية، فضّل طريقة أخرى في اللعب تتميز بلعب كرة هجومية مباشرة وجميلة. هذه الطريقة أتت ثمارها ضد أوكرانيا (4 مقابل صفر)، وضد فرق تقتصر مشاركتها في المونديال على تجميله مثل السعودية وتونس، ولكنها لم تنفع ضد فرنسا بطل العالم في عام 1998، فمني المنتخب الاسباني بهزيمة قاسية أمام زيدان ورفاقه. أما الفرق الآسيوية الأربعة، فإن مشاركتها كانت أيضا خيبة أمل تتكرر في جميع بطولات العالم. السعودية وإيران اقتصرت مشاركتها على ملء الفراغ وكوريا واليابان لم تتمكن من التأكيد على الأداء الذي قدمته قبل أربعة أعوام في أرضها وأخفقت في تطوير أدائها خاصة إذا تذكرنا أن المنتخب الكوري الجنوبي استطاع تحت قيادة المدرب غوس هيدينك الوصول إلى نصف النهائي. الشيء الوحيد الذي تستطيع كوريا الجنوبية واليابان الافتخار به هو حماس مشجعيها الذي ملأ الملاعب الخضراء في مونديال هذا العام.
وماذا عن الفرق الإفريقية؟ صحيح أن غانا استطاعت الوصول إلى ربع النهائي وإيصال رسالة سياسية غريبة الأطوار بعد أن رفع أحد لاعبيها العلم الإسرائيلي أمام كاميرات التلفزيون، لكنها لم تصمد كرويا أمام البرازيل. أما ساحل العاج فقد أوقعها نصيبها في فرقة الموت حيث لم تستطع الصمود أمام فرق عريقة مثل الأرجنتين وهولندا. أما تونس وتوغو وأنغولا فقد خرجت من المونديال بخفي حنين.
المدربون ومعضلة توظيف مهارات اللاعبين
وإذا تحدثنا عن المدربين في هذه البطولة، فلا بد من لفت النظر إلى الهولندي، مدرب المنتخب الأسترالي غوس هيدينك. فهذا المدرب استطاع مثله مثل المدرب الألماني يورغن كلينسمان ونظيره البرازيلي، مدرب المنتخب البرتغالي سكولاري، استطاع بمهارة امتصاص الجوانب الإيجابية لكل لاعب وتوظيفها في خدمة الفريق. أما البرازيلي سكولاري فقد نسج من لاعبين فرديين كبار فريقا متجانسا ومتماسكا. هذه الطريقة استخدمها سكولاري في مونديال عام 2002 في كوريا واليابان عندما كان مدربا لفريق بلاده، الذي قاده إلى الفوز بكأس العالم.