السدود .. أهميتها ومخاطرها وكيفية حمايتها؟
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣عقب اجتياح الإعصار "دانيال" مدينة درنة الليبية، انهار سدان هما "سد أبو منصور" و"سد البلاد"، ما أدى إلى اندفاع المياه العارمة التي أتت على الأخضر واليابس. وقبل الكارثة، خرجت تحذيرات من خطورة وضع السدين والتداعيات الكارثية في حالة حدوث فيضانات.
وفي هذا الصدد، كتب عبد الونيس عاشور، أستاذ الهندسة المدنية، في دراسة نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي في مجلة جامعة سبها للعلوم البحتة والتطبيقية، أنه "في حال حدث فيضان كبير ستكون العواقب وخيمة على سكان الوادي والمدينة".
ويبدو أن ما حذر منه الباحث تحقق على أرض الواقع، إذ في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول تسببت الفيضانات في انهيار سدين في درنة مما أسفر عن مقتل أكثر من 11 ألف شخص وجُرف ربع مساحة المدينة الساحلية.
وفي أعقاب ذلك، أعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن مخاوفه بشأن سدين آخرين في ليبيا هما سد وادي جازة- بين مدينتي درنة وبنغازي المدمرتين جزئيا- وسد وادي القطارة بالقرب من بنغازي. ولكن، وفقا للمكتب، هناك "تقارير متناقضة" بشأن استقرار السدين.
ولا تقتصر التقارير المتضاربة حول استقرار السدود في ليبيا، إذ كانت هناك تقارير متضاربة في البرازيل قبل انهيار سد شيدته شركة التعدين ساماركو في ولاية ميناس جيرايس، مطلع عام 2019، ما دمر قرية بشكل شبه كامل وأسفر عن مقتل 270 شخصا. وقبل الكارثة، خرجت تقييمات تقول إن السد آمن.
السدود .. ما هي؟
يعد السد وسيلة لجمع وتخزين المياه، فيما تكون المياه المجمعة طبيعية أو مياه صرف في حالة بناء سد قرب منجم، لكن المياه المجمعة في حالة السدود قرب المناجم تحتوي على مخلفات تلك المناجم، التي قد تكون مزيجا من المواد والمعادن والمواد الكيميائية والنفايات السائلة بعد استخراج المواد الخام.
كذلك يمكن استخدام السدود بهدف تخزين المياه للزراعة وتربية الحيوانات ومكافحة التلوث وتوليد الكهرباء.
أنواع السدود وكيف تقاوم ضغط الماء؟
تنقسم السدود الاصطناعية بشكل رئيسي إلى نوعين هما "السدود الترابية أو الركامية" و"السدود الخرسانية". وتعد السدود الترابية أو الركامية الأكثر شيوعا، إذ يمكن إنشاؤها باستخدام النفايات الناتجة عن عمليات التعدين وتكون مادتها الإنشائية الأساسية هي الحصى أو الركام والرمال.
وتعتمد قدرة السدود الترابية أو الركامية في مقاومة ضغط المياه على وزن كتلتها وقوتها ونوع المواد المستخدمة في البناء.
أما السدود الخرسانية فتنقسم إلى السدود الخرسانية الثقلية والسدود المدعمة والسدود المقوسة. وتعد السدود الخرسانية الثقلية هي الأكثر شيوعا بينها، حيث تُصنع من كتل خرسانية عمودية مع إحكامها بمفاصل مرنة. هذه السدود تكون ثقيلة الوزن وقادرة على مقاومة ضغط الماء الذي يضرب جدار السد بشكل أفقي من ناحية المنبع.
تشبه السدود الداعمة السدود الثقلية في شكلها، لكن عملية تشييدها تتطلب مقدارا أقل من الخرسانة ، وتبنى من مواد مانعة لتسرب المياه، فيما يتم دفع قوة المياه إلى أسفل عن طريق الدعامات الخرسانية المنحدرة على طول واجهة المنبع.
أما السدود المقوسة، فيتم تشييدها على شكل نصف دائرة فيما تعتمد على قوة شكلها المنحني لمقاومة قوة الماء. قد يكون جدار السد رقيقا نسبيا حيث يتم تشييده بألواح عمودية من الخرسانة.
ولا يقتصر بناء السدود على المواد الخرسانية حيث يمكن صنع السدود من الفولاذ والخشب أيضا.
مقاومة الفيضانات؟
يمكن أن تنهار السدود وتفيض مما يتسبب في فيضانات كبيرة، ينجم عنها خسائر مادية وبشرية بالغة، حيث يمكن أن تجرف قرى بأكملها. لكن، ورغم قوة المياه، يمكن السيطرة على زيادة منسوب المياه في حالة زيادتها عن مُعدلها الطبيعي عن طريق البوابات ومجاري تصريف المياه.
بإمكان بوابات السد السماح بتدفق مستمر للمياه من المجرى ناحية المنبع إلى مجرى النهر أسفل السد أو إلى نظام الطاقة الكهرومائية أو إطلاقها لري الحقول والمزارع.
وهناك أيضا مجاري تصريف المياه وهي عبارة عن منحدرات أو مزالق مفتوحة يتدفق الماء من خلالها عندما يرتفع مستواه بدرجة كافية لدخول فوهاتها.
لماذا تنهار السدود؟
تجاوز السدود لمدتها الزمنية تعد أحد الأسباب الأكثر شيوعا لانهيار السدود، حيث نشرت جامعة الأمم المتحدة- جناح الأمم المتحدة للدراسات الأكاديمية والبحوث - تقريرا عام 2021 كشف عن أن "عشرات الآلاف من السدود الكبيرة القائمة بلغت أو تجاوزت عتبة "الإنذار العمري" والبالغة 50 عاما.
وقال التقرير إن العديد من السدود الأخرى تجاوزت عمرها مئة عام.
في حالة كارثة سد البرازيل، جرى بناء سد برومادينيو بولاية ميناس جيرايس عام 1976، مما يعني أنه اقترب من نهاية عمره الافتراضي عند انهياره عام 2019.
وفي حالة ليبيا، فقد جرى تشييد "سد أبو منصور" و "سد البلاد" في سبعينيات القرن العشرين، ما يعني أن إعصار دانيال قد تسبب بشكل مباشر في انهيارهما إلا أنه من الواضح أن السدين كانا في حالة سيئة.
ويمكن أن تنهار السدود بسبب سوء تشييدها وتصميمها أو عدم صيانتها بشكل منتظم أو بناء شبكات تصريف للمياه غير مناسبة لتحمل هطول الأمطار الغزيرة، فيما قد تُغلق شبكات التصريف بسبب عدم صيانتها.
ويقول الخبراء إنه كلما تقدم عمر السد، تعرضت أسسه لعملية طبيعية يُطلق عليها اسم الترسيب التي تظهر مع عدم استقرار المنحدرات والجدران المحيطة بالسد وتآكل مواد البناء المستخدمة في بناء السد، ما يتسبب في نهاية المطاف في حدوث تسريب.
ويمكن أن تكون أسباب انهيار السدود بفعل الطبيعة مثل حدوث زلازل أو فيضانات أو ظواهر طقس متطرفة أو انهيارات أرضية فيما قد يكون الانهيار متعمدا من فعل البشر عن طريق أعمال التخريب والتفجيرات خاصة إبان الحروب والصراعات.
حماية السدود من الانهيار؟
يقول الخبراء إن هناك طرقا قد تساعد في حماية السدود من الانهيار أبرزها إجراء عمليات صيانة دورية وتطبيق النصائح والتوصيات الهندسية ووضع خطة طارئة عند حدوث تعرض السد للانهيار.
ورغم ذلك، قالت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ الأمريكية إنه "لا يوجد سد قادر على الصمود أمام الفيضانات".
ذو الفقار أباني / م. ع