السودان وإثيوبيا.. نذر حرب أم تمويه على مشاكل داخلية؟
٢٠ يناير ٢٠٢١"توتر حدودي" منذ مارس/آذار 2020، هكذا يمكن وصف العلاقات الإثيوبية السودانية حالياً، في مشهد يخشى المراقبون من أنه قد ينذر بدق طبول حرب بين البلدين الأفريقيين الجارين. وبؤرة الصراع الحالي، هي منطقة تسمى بـ"الفشقة"، يقطنها مزارعون إثيوبيون، وبناء على اتفاقيات المفاوضات بين البلدين عام 2008، فقد اعترفت إثيوبيا بالحدود القانونية للمنطقة، وسمحت الخرطوم للإثيوبيين بالاستمرار في العيش هناك.
ولكن منذ العام الماضي شهدت المنطقة أكثر من احتكاك ومواجهة بين الجيش السوداني ومليشيات إثيوبية، امتدت حتى هذا العام، كان آخرها اتهامات السودان لإثيوبيا بتعبئة وحشد قوات عسكرية.
ورغم تأكيد حكومتي البلدين من خلال عدة تصريحات عدم عزمهما للدخول في حرب، إلا أنه مازالت هناك تساؤلات حول إن كانت أسباب المواجهات الحالية مدفوعة بصراعات داخلية، أم أنها حقاً ستفرز مواجهة عسكرية بين الخرطوم وأديس أبابا في نهاية المطاف؟
الصراع الحدودي الممتد
الحدود بين إثيوبيا والسودان متنازع عليها منذ أكثر من قرن مع عدد من المحاولات الفاشلة للتفاوض حول رسم حدود واضحة بين البلدين.
وكانت المعاهدات التي وضعت في عامي 1902 و1907 بين إثيوبيا وبريطانيا تهدف إلى تحديد الحدود بينهما، لكن إثيوبيا ادعت منذ فترة طويلة أن أجزاء من الأراضي التي أعطيت للسودان تعود إليها بالفعل.
وتنظم "اتفاقية 1902" الحدود بين السودان ومصر وإثيوبيا، والتي تنص على اقتطاع إقليم "بني شنقول" من السودان لصالح إثيوبيا، مقابل عدم إنشاء أي سدود على نهر النيل، والذي خالفته أديس أبابا، بإقامتها سد النهضة.
وهذا قد يكون معطىً "لإمكانية الانزلاق إلى حرب"، خاصة بعد نشوء مطالبات سودانية بالأحقية فيه على المستوى غير الرسمي، كما ترى المحللة السياسية المتخصصة بالشأن الأفريقي أماني الطويل.
فيما يشرح ويليام دافيسون، كبير المحللين في إثيوبيا في مجموعة الأزمات الدولية لـ DW، في حديثه عن منطقة "الفشقة": "أنه تم وضع هذه المسألة على الرف لبعض الوقت، وعلى الرغم من وجود نشاط زراعي إثيوبي في هذه المناطق، إلا أنه يبدو أن هناك تفاهماً على أن ذلك لا يعني أنها أرض إثيوبية".
ويبدو أن عقوداً من الاحتكاك والمفاوضات انتهت في عام 2008 عندما تم التوصل إلى حل وسط "للحدود الناعمة" بين البلدين، ومع ذلك، بدأ هذا الاتفاق في الانهيار بعد إزاحة جبهة تحرير شعب تيغراي عن السلطة في عام 2018.
ومع فشل مؤتمر القمة الإقليمي في كانون الأول/ديسمبر 2020 في حل الإشكالية، فإن صراع الحدود قد يؤدي إلى مزيد من التوتر، ويقول دافيسون: "إن ما أثار بالضبط تحرك السودان الحازم ليس واضحاً، ولكن هذا الحزم، الذي تعتقد إثيوبيا أنه يتعارض مع الاتفاقات، قد أدى إلى توتر العلاقات".
دور السياسات الداخلية
لا يمكن إنكار الدور الذي تقوم به المصالح الداخلية في دفع الطرفين إلى "اختبار عمق المياه" في علاقتهما، فقد كتبت الباحثة ومديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أماني الطويل في صحيفة "إندبندنت البريطانية"، أن المعادلات الداخلية للبلدين قد تدفع إلى الحرب.
وتشرح الطويل، وهي باحثة مصرية متخصصة بالشأن الأفريقي، إن المكون العسكري السوداني (داخل مجلس السيادة) يحتاج إلى دعم وزنه السياسي أمام مواطنيه، خاصة مع الضغوط الأمريكية المتوقعة عليه من إدارة بايدن، والتي ستكون معنية بدعم الجناح المدني في الخرطوم.
في المقابل من الممكن أن تدفع "التحالفات السياسية الداخلية الأثيوبية" رئيس الوزراء آبي أحمد إلى اتخاذ قرار بخوض الحرب، لاسيما أنه قد ينعكس إيجابياً على حظوظه الانتخابية في مايو/أيار المقبل، في ضوء تحالفه مع ثاني أكبر قومية في البلاد؛ "قومية الأمهرة".
فيما يرى آخرون أن عدم الاستقرار الداخلي في كلا البلدين، سوف يدفع لتجنب نشوب الحرب، وفي هذا يرى المحلل السياسي والناطق الرسمي باسم منظمة مجلس الاتحاد العالمي السوداني خضر عطا المنان أن "الحرب ليست في صالح أي منهما، فإثيوبيا مازالت غير مستقرة، والسودان متعثر أمام ثورته التي لم تأخذ مسارها الحقيقي"، مضيفاً أن هناك مصالح مشتركة بين البلدين، والتي قد تطغى على المشهد وتحل الصراع دون الدخول في حرب مباشرة.
من جهة أخرى فإن لجوء 50 ألف شخص من إقليم تيغراي إلى السودان، يزيد من الضغط الاقتصادي على هذه الدولة، التي مازالت في طور التعافي، كما تذكر وكالة رويترز، ما قد يدفع الحكومة إلى محاولة الوصول إلى حل سلمي يخلصها من هذه الضغوط.
هل يدفع سد النهضة باتجاه الحرب أم العكس؟
قررت إثيوبيا في أغسطس/ آب الماضي تخزين نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه في الملء الأول لسد النهضة، ما أثر على دورة عمل سد الروصيرص السوداني، وشكّل تحولاً في التصريحات الإثيوبية المتكررة التي وعدت بعدم تأثر السودان من السد.
وهذا قد يعني أن التقارب المصري السوداني وصل إلى مرحلة جديدة، لاسيما بعد إجراء السودان ومصر لأول مرة مناورات جوية معاً منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فيما جاء إعلان أديس أبابا عن قرارها ببدء الملء الثاني لسد النهضة في يونيو/ حزيران المقبل دون وجود أي اتفاق مع القاهرة والخرطوم، كمن صب المزيد من الزيت على النار، وقد يدفع الأخيرتين إلى مزيد من التقارب.
ولا يمكن إنكار أن الموقف السوداني من التحالف مع إثيوبيا ضد مصر شهد تحولاً مختلفاً عما كان عليه في فترة حكم الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، إذ ظهرت إلى الواجهة تغييرات جديدة جاءت مدفوعة بانتباه سوداني لمصالحه الاستراتيجية وطبيعة المخاطر المحيطة به، كما ذكرت الباحثة الطويل في مقالها. مضيفة إن هذا التحول ترجمه الجانب الإثيوبي على أنه "تحالف مع القاهرة ضد أديس أبابا".
ولهذا فإن خيار الحرب بالنسبة إلى إثيوبيا يعد استراتيجية لكسب مزيد من الوقت للقيام بالملء الثاني دون الحاجة لموافقة نظيرتيها، كما ترى الباحثة أماني الطويل.
في المقابل يرى آخرون أن سد النهضة قد يكون "نقطة ضعف" بالنسبة لإثيوبيا، إذ نشر موقع قناة الحرة الأمريكي على لسان محلل سوداني، رفض الكشف عن اسمه، إن ملف السد "ورقة حساسة" قد تستغلها الحكومة السودانية للضغط على إثيوبيا لمنع التصعيد، في حال دخولها منطقة "الفشقة"، مضيفاً أن أي صراع خارج الحدود لن يصب في مصلحة أديس أبابا، لأنه سيشكل تهديداً كبيراً على مصالحها في السد، إذ قد يتعرض "لضربة خاطفة".
م.ش/ أ.ح