السياسة التركية في أزمة الخليج..رهان على حصان خاسر؟
١٢ يوليو ٢٠١٧أعلنت مديرية التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع القطرية وصول دفعة جديدة من القوات المسلحة التركية إلى قطر. ووفقاً لبيان تم نشره الليلة الماضية (11 تموز/يوليو 2017) على حساب وزارة الدفاع القطرية على موقع "تويتر"، فإن الدفعة الخامسة من القوات المسلحة التركية بدأت، عقب وصولها وانضمامها إلى القوات التركية الموجودة حالياً بالدوحة، مهامها التدريبية في إطار التعاون العسكري المشترك بين الجانبين.
ويأتي نشر القوات التركية في القاعدة القطرية بموجب اتفاق دفاعي وقعه البلدان في أواخر عام 2014. وتحدثت مصادر إعلامية عن أنه من المنتظر أن ترسل تركيا ما بين 3000 و5000 عسكري إلى قطر من المشاة والوحدات الجوية والبحرية بموجب ذلك الاتفاق.
مسار وتحولات السياسة التركية حيال الأزمة الخليجية
شهدت السياسة التركية حيال الأزمة الخليجية منذ اندلاعها في الخامس من حزيران/يونيو عدة تقلبات. ففي أيامها الأولى بدأ الموقف التركي أقرب للحياد الإيجابي. وأعلن عدد من المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم أردوغان ورئيس الوزراء وزير خارجيته، عن استعداد بلادهم للعب دور الوساطة.
بعد أيام قليلة أخذ الموقف التركي ينحو باتجاه الانحياز لقطر ودعمها. فقد وصف الرئيس التركي المقاطعة بأنها "ليست إنسانية وبالتأكيد أنها ليست إسلامية" واعتبر أنها "حكم بالإعدام ومخالفة للقانون الدولي". وعلى الأرض زودت تركيا قطر بالمواد الغذائية والماء. واليوم الأربعاء (12 تموز/يوليو 2017) قال وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، إن أنقرة أرسلت 197 طائرة شحن و16 شاحنة وسفينة واحدة إلى قطر لتلبية احتياجاتها اليومية منذ اندلاع الأزمة. وعسكرياً، شرعت تركيا بتفعيل وتطبيق الإتفاق الدفاعي مع قطر وإرسال الجنود والخبراء والمعدات العسكرية إلى قاعدتها في قطر.
وتحاول تركيا بين الفينة والأخرى إعادة محاولة طرح نفسها كوسيط، ولكن دون التخلي عن دعم قطر.
"انحياز انتهازي" و"انحياز لا نهائي"
أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله يرى أن "تركيا منحازة بشكل انتهازي لقطر، وبدل من أن تحاول تليّن الموقف القطري تجعله أكثر تعنتاً. وتصب بذلك الزيت على نار الأزمة". بينما يعتقد المتخصص في الشؤون التركية الدكتور سمير صالحة أن أنقرة "أكثر انحيازاً وتضامناً مع الجانب القطري، ولكن هذا الانحياز ليس كبيراً وليس نهائياً". وكان من بين أهم مطالب وشروط دول الحصار على قطر إنهاء الوجود العسكري التركي في قطر فوراً وإيقاف أي تعاون عسكري مع قطر.
محور تركي - إيراني - قطري؟
تحدثت وسائل إعلام عن احتمال تشكل تحالف "تركي-إيراني-قطري" بدعم روسيا ليكون في مواجهة التحالف "المصري-السعودي-الإماراتي" المدعوم أمريكياً. لا يعتقد الدكتور بجامعة كوجالي التركية، سمير صالحة، "بصواب هذا الكلام"، ويضيف أن تركيا "لن تغامر بهذه الخطوة وهي تعلم حساسيتها بالنسبة للعديد من الدول العربية وخصوصاً الخليجية". ويرى صالحة أن زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة بعد ساعات من اندلاع الأزمة الخليجية يدل على وجود "تناغم إيراني-قطري" في هذا الملف. ويضيف صالحة" "هذا التناغم أزعج السعودية. كان يتوجب على أنقرة أن تنفتح بشكل أكبر على الرياض بمثل انقتاحها على طهران بهذا الخصوص".
أما المحلل السياسي الإماراتي فيرى هو أيضاً عدم إمكانية رؤية هذا المحور النور، ولكن لسبب آخر: "طهران ترى في الخليج العربي بحيرة فارسية وهي بالتأكيد غير سعيدة بالحضور التركي فيه وفي قطر خصوصاً".
حسابات سياسية أم موقف انفعالي عاطفي؟
يبقى السؤال: على ماذا بنت تركيا موقفها المساند لقطر؟ الدكتور عبد الخالق عبدالله يقول: "كنا نعتقد أن السياسة التركية عقلانية ولكن تبين أنها انفعالية وعاطفية. ستخسر تركيا سياسياً واقتصادياً، خصوصا في المجال الاستثماري". ولا يوافقه الرأي الدكتور صالحة؛ "لا أعتقد أنه موقف عاطفي، هناك حسابات ربح وخسارة ومصالح إستراتيجية تجارية واقتصادية وأمنية".
وتحدثت تقارير أن حجم الاستثمارات القطرية في تركيا يبلغ نحو 20 مليار دولار. وأضاف الدكتور صالحة سبباً آخراً للدعم التركي لقطر: "يجب أن لا ننسى أن قطر ساندت تركيا في العامين الأخيرين وخصوصاً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة". وحسب مصادر تركية رسمية فإن أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، هو أول من اتصل بأردوغان بعد فشل المحاولة الانقلابية قبل حوالي عام من اليوم.
كما يرى الدكتور عبد الخالق عبد الله أن "العامل الإخواني" كان مهماً في "الانحياز" لقطر. وكانت من ضمن المطالب والشروط الـ13 المقدمة دول المقاطعة (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) لقطر إيقاف كل طرق تمويل وتجميد أرصدة شخصيات إخوانية أو محسوبة عليهم كيوسف القرضاوي ووجدي غنيم وغيرهم وتسليمهم لبلدانهم. وتتشارك تركيا وقطر دعم "مجموعات إسلامية" مسلحة وسياسية في كل من سوريا ومصر وغزة وليبيا، وعلى رأس هذه المجموعات الإخوان المسلمين.
من "صفر مشاكل" إلى "صفر حلفاء"؟
أطلق أستاذ العلاقات الدولية ووزير الخارجية التركي السابق ورئيس وزرائها، أحمد داود أوغلو، سياسة "صفر مشاكل"، وذلك للتفرغ للتنمية الاقتصادية. ولكن اليوم تبدو المشاكل والخصومات والعداوات تواجه صانع السياسة التركية من كل حدب وصوب. الدكتور عبد الخالق عبد الله يرى أن "السياسة التركية الخارجية في السنوات الأخيرة شهدت عدة انتكاسات سواء في سوريا أو العراق أو علاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة وأوروبا وإيران والآن مع الخليج". ويوافقه الدكتور صالحة في ذلك: "أردد منذ عام أن يتوجب على تركيا قراءة المشهد الإقليمي من جديد وإعادة رسم سياسة خارجية جديدة". وفيما يخص سياستها الخليجية يعتقد صالحة أن تركيا لا تستطيع المراهنة على قطر وحدها: "إذا أردت أن تنتهج سياسة خليجية ناجعة لا بد من أن تحسن علاقاتها مع السعودية بشكل أساسي وبالطبع مع بقية الدول الخليجية".
خ.س/ح.ع.ح