الشرق الأوسط بحاجة إلى إدارة رشيدة لتخفيف العجز في موارده المائية
٢ مايو ٢٠٠٦جرت العادة أن تتنازع الدول على الثروات الباطنية وفي مقدمتها النفط والحديد والذهب والفضة. لكن المستقبل ينبئ بمنازعات على ثروة لا ينحصر تواجدها في دول أو مناطق محدودة، إنها الثروة المائية التي يشكل فقر العديد من الدول والمناطق بها مثل منطقة الشرق الأوسط مدخلا لحروب في المستقبل حسب رأي الكثير من الخبراء أمثال كلاوس توبفر المدير السابق لبرنامج الأمم المتحدة الخاص بالبيئة.
الشرق الأوسط فقير بالمياه
تعد الدول العربية في منطقة الشرق ألأوسط من أفقر بلدان العالم بالمياه العذبة، فهي منطقة قليلة الأمطار والأنهار في نفس الوقت. وحتى الأنهار التي تمر فيها لا تنبع من أراضيها. فالنيل الذي يشكل هبة الحياة لمصر والسودان ينبع من إثيوبيا ومنطقة البحيرات العظمى. أما نهرا دجلة والفرات مصدرا المياه الرئيسيين في سورية والعراق فينبعان من تركيا. وما يعقد مشكلة النقص في المياه الخلافات السياسية بين دول المنبع والممر من جهة والجو العام المتوتر منذ عقود في المنطقة. كما يعقدها أيضا معدلات النمو السكاني العالية والحاجات المتزايدة للزراعة والصناعة.
الهدر وسوء الاستخدام جزء من المشكلة
غير أن المشكلة لا تكمن فقط في نقص المياه عموما، وإنما في هدرها وسوء استخدامها. ويسبب هذا الهدر شبكات جر مياه الشرب المتقادمة وري الأراضي بالطرق التقليدية من جهة وعادات استهلاك المياه من جهة أخرى. ففي بلد مثل سوريا على سبيل المثال ما تزال شبكة مياه الشرب في العاصمة دمشق تعمل بشكل جزئي على أنظمة بناها الرومان قبل ميلاد المسيح. وتتراوح نسبة المياه الفاقدة من أنابيب الشبكة الحالية وقنواتها بين 15 إلى 25 بالمئة. ويستخدم السوريون وجيرانهم في دول منطقة الشرق الأوسط المياه النقية لغسل منازلهم وسياراتهم بشكل يومي وفقا لمشاهدات خبير المياه يوهانس فولفر. ويرى ماجد داود الخبير في وزارة الري السورية أن من أسباب ذلك رخص الأسعار التي لا بد من زيادتها إلى مستويات تدفع الناس إلى الحد من سوء الاستخدام. وإضافة إلى ذلك هناك مشكلة الطرق المتبعة في ري المزروعات. فهذه الأخيرة ما تزال تعتمد بشكل أساسي على أسلوب الغمر الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه ناهيك عن تبعاته السلبية على جودة التربة بسبب رفع درجات الملوحة فيها.
ضرورة الاستفادة من الخبرات الألمانية
قدمت الحكومة الألمانية مؤخرا منحة مالية وتقنية بقيمة 6.5 مليون يورو لدعم قطاع المياه في سوريا. وفي هذا الإطار سيقدم الخبراء الألمان المساعدة اللازمة لتحديث شبكتي مياه الشرب في مدينتي دمشق وحلب. وإذا كانت مثل هذه المنح تخفف من حدة مشكلة النقص في مياه الشرب وهدرها، فإن الحل الأفضل لسوريا وجاراتها يكمن في اعتماد إدارة وطنية رشيدة للموارد المائية واستخداماتها المنزلية والصناعية والزراعية. وهنا تبرز أهمية الاستفادة من خبرات دول قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال وفي مقدمتها ألمانيا. فالأخيرة تتمتع بواحد من أفضل نظم ترشيد المياه في العالم. وهذا النظام لا يعتمد فقط على أحدث التكنولوجيات، وإنما على وعي بيئي فريد من نوعه لدى الألمان. يضاف إلى ذلك القوانين الصارمة ضد كل من يسيء استخدام مقومات الحياة البيئية وفي مقدمتها الثروة المائية. ويزيد من أهيمة التعاون بين ألمانيا ودول الشرق الأوسط خبراتها الطويلة في مجال تطوير المشاريع المائية هناك. فقد بنيت في هذه الدول وعلى مدى أكثر من نصف قرن العشرات من محطات التحلية وخاصة في منطقة الخليج إضافة إلى تطوير المياه الجوفية والسطحية فيها وفي الدول المجاورة.
لا حل بدون تعاون إقليمي
غير أن الحل الأمثل لمشكلة المياه في منطقة الشرق الأوسط لا يكمن فقط في اعتماد دولها أنظمة إدارة محلية رشيدة والاستفادة من خبرات البلدان الأخرى، وإنما في تعاونها على بناء إدارة كهذه على المستوى الإقليمي. فمثل هذا التعاون لا يساعد فقط على تحسين جودة المياه والحفاظ على البيئة، وإنما على تعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة وحل الخلافات السياسية. ومما يتطلبه بناء ادارة كهذه اتفاق الدول المذكورة على تقاسم الثروات المائية المشتركة وإقامة مشاريع جديدة كتلك المطروحة لربط البحر الميت بالبحر الأحمر. وفي هذا الإطار يمكن أيضا الاعتماد على التكنولوجيا والخبرات الألمانية. كما يمكن الاعتماد على خبرات دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لاسيما في مجال تقاسم مياه الأنهار المشتركة كالدانوب والراين والألبه.
ابراهيم محمد