الشريك المزعج ـ "فتوحات" أردوغان في ليبيا تستفز الغرب!
٢٧ مايو ٢٠٢٠دهشة الليبيين ـ مشهد انهيار حفتر في طرابلس
"أردوغان على وشك تدمير قوة الغرب العظيمة"
صمت برلين وانقسام الأوروبيين
الطائرات المسيرة ـ قوة أردوغان الضاربة!
تدخل أردوغان ـ صدفة أم سبق إصرار وترصد؟
الصراع بين تركيا والإمارات فهل تتورط مصر؟
دهشة الليبيين ـ مشهد انهيار حفتر في طرابلس
مشهد مثير: قافلة طويلة من سيارات "بيك آب" تخترق شوارع مدينة بني الوليد (150 كيلومتر جنوب شرق طرابلس). صور المشهد انتشرت بسرعة البرق في شبكات التواصل الاجتماعي الليبية. رجال بملامح أوروبية ولباس عسكري، مكدسين في الجزء الخلفي للسيارات أمام مارة مشدوهين لغرابة المشهد، خصوصا وأن القافلة كانت في طور مغادرة المدينة. إنهم مئات من مرتزقة روس تابعين لشركة "فاغنر"شبه العسكرية، تعتبرها مصادر غربية ذراعا لأجهزة الاستخبارات الروسية. المرتزقة اتجهوا لواحة بني وليد حيث كانت تنتظرهم طائرة نقل روسية من طراز "إليوشن"، ومن هناك انتقلوا إلى قاعدة الجفرة الجوية على بعد 350 كيلومترا في الشرق، والتي يسيطر عليها الجنرال المنشق خليفة حفتر، قبل عودة محتملة إلى روسيا.
ذلك المشهد لوحده يمثل تحولا استراتيجيا وفشلا ذريعا للهجوم، الذي شنه حفتر على طرابلس، وشوطا آخر من تورط موسكو في الأزمة الليبية، في سياق هجوم بدأ في الرابع من أبريل / نيسان 2019 ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا والتي يرأسها فايز سراج.
القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) ذهبت في بيان أبعد من ذلك، مؤكدة أن موسكو نشرت مقاتلات عسكرية في ليبيا لدعم المرتزقة الروس. وجاء في البيان أن المقاتلات "ستقدم على الأرجح دعما جويا وثيقا ودعما هجوميا لمجموعة فاغنر شبه العسكرية. غير أن موسكو نفت الاتهامات الأميركية ووصفتها بأنها "تلفيق وتضليل".
وفي تقرير موسع أكد ميركو كايلبيرت، مراسل صحيفة "تاغستسايتونغ" الألمانية في تونس (الثلاثاء 26 مايو/ أيار 2020) أن "شهود عيان أكدوا للصحيفة أن طائرات عسكرية روسية غطت فعلا عملية الإجلاء (..) حيث أمر رئيس الوزراء فايز السراج بعدم إطلاق النار على الطائرات. وبذلك يكون هجوم الجنرال حفتر على غرب ليبيا قد فشل رسميا".
أمّا فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فصرح لصحيفة "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" الألمانية (25 مايو/ أيار 2020) أن "وجود المرتزقة الأجانب هو السبب الوحيد لعدم تلقي خليفة حفتر هزيمة نهائية لحد الآن".
"أردوغان على وشك تدمير قوة الغرب العظيمة"
صنع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنفسه أعداءً على المستويين الإقليمي والدولي يتجاوز عددهم بكثير أنصار ميليشيات الجنرال خليفة حفتر. أعداء مستعدون في العلن كما في الظل للحد من طموحات أردوغان الإقليمية. وهنالك تقرير أممي سري من 80 صفحة أماط اللثام عن حجم العداء الذي يلقاه الوجود التركي في ليبيا إقليميا ودوليا. ففي يونيو/ حزيران 2019، صعد ما لا يقل عن عشرين شخصاً على متن طائرة شحن من طراز "تيربوبروب" في العاصمة الأردنية عمان. وينحدر ركاب الطائرة من عدة دول (أستراليا، فرنسا، مالطا، جنوب أفريقيا، أنغولا، بوتسوانا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة). وجهتهم كانت ليبيا في "مهمة علمية" تشرف عليها الأردن هدفها "أبحاث جيوفيزيائية".
لكن تقرير الأمم المتحدة كشف أن العملية مجرد "تنكر" قامت به شركات شبه عسكرية كانت مهمتها في الواقع "غير سلمية" تماما. الهدف كان الوصول إلى بنغازي معقل الجنرال المنشق الذي يدعمه حلفاء أقوياء من بينهم الإمارات العربية وروسيا وفرنسا ومصر والأردن. فيما يؤيد حكومة الوفاق بزعامة رئيس الوزراء فايز السراج المعترف بها دوليا، كل من إيطاليا وقطر وتركيا.
مهمة "علماء الجيوفيزياء" كانت إيقاف سفن الإمداد التركية المتوجهة إلى العاصمة طرابلس. التقرير كشف تهريب ست طائرات مروحية من جنوب أفريقيا إلى ليبيا وقاربين عسكريين من مالطا. وذكر أيضا أن الشركات شبه العسكرية المتورطة، تتخذ من الإمارات العربية مقرا لها. غير أن المهمة السرية المزعومة أُجهضت على ما يبدو قبيل انطلاقها الفعلي؛ وذلك لأسباب غير معروفة بعد.
ذلك التقرير الأممي مؤشر على حرب الظل المحمومة التي تخوضها قوى دولية وإقليمية لبسط نفوذها على ليبيا إما لأسباب أيديولوجية أو اقتصادية. فتحت عنوان "أردوغان ـ الحاكم السري لليبيا" وصف موقع "شبيغل أونلاين" (22 مايو/ أيار 2020) كيف بسط الرئيس التركي رجب طيب أردوغاننفوذه في ليبيا. نفوذ لا تنظر إليه العواصم الغربية بعين الاطمئنان. فموقع "بيزنس إنسايدر" الاقتصادي الألماني كتب مرة بشأن الجدل حول بقاء تركيا في حلف الناتو من عدمه وقال "أردوغان على وشك تدمير قوة الغرب العظيمة - ولا أحد قادر على وقف ذلك"، في تلميح إلى أن تركيا لم تعد حليفا موثوقا به في الغرب، وأن انسحابها من الناتو سيخلق فراغا جيواستراتيجيا في الحلف الأطلسي. لكن تحالف عملاء من عدة دول غربية بهدف ضرب سفن التموين التركية المتجهة لليبيا، يظهر سعة الهوة التي باتت تفصل أنقرة عن حلفائها الغربيين. كما أن تدخل أردوغان في ليبيا فاقم في الواقع العزلة الإقليمية المتزايدة لتركيا ورفع جدرانا من عدم الثقة بينها وبين حلفائها الغربيين.
صمت برلين وانقسام الأوروبيين
التمدد التركي في شرق المتوسط خلق توجسا متزايدا لدى عدد من دول المنطقة وكذلك في العواصم الغربية. وفي هذا الصدد كتب "باول أنطون كروغر" تحليلا موسعا في صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (26 مايو/ أيار 2020) أوضح فيه أن تركيا "تتعرض لانتقادات مبررة، بعدما وسعت نطاق تدخلها العسكري في ليبيا ووضعت قوات الجنرال المنشق خليفة حفتر لأول مرة في موقف دفاع، منذ أن بدأ هجومه على طرابلس". وأضاف كروغر أن "هذا يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي: فقد حصل الرئيس رجب طيب أردوغان مقابل دعمه لميليشيات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا على مكافأة على شكل اتفاق رسم الحدود البحرية ومناطق اقتصادية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يتعارض مع مصالح عدة بلدان كاليونان وقبرص، ولكن أيضًا مصالح إسرائيل ولبنان ومصر".
ويرى كروغر، وهو مراسل للصحيفة متخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن دور تركيا في ليبيا يعود للأيام التي تلت سقوط الدكتاتور معمر القذافي، في محاولة للربط بين الحاضر والماضي العثماني. غير أن المراقبين الغربيين يرون أن التدخل العسكري لأردوغان في ليبيا، جاء في المقام الأول، كرد على الدعم العسكري من قبل الإمارات ومصر للجنرال حفتر. إضافة إلى محاولات روسيا عبر مرتزقة فاغنر الدفع بحفتر لفرض سيطرته على عموم ليبيا. وهو ما رأت فيها تركيا بدورها تهديدا لأمنها القومي. غير أن الهزائم المتتالية لحفتر (76 عاما) جعل على الأرجح داعميه يستوعبون، أنه لم يعد رجل المستقبل في ليبيا. وهناك من يدعو لممارسة ضغوط على تركيا، ولكن كيف يمكن فعل ذلك وفرنسا وروسيا متورطتان في دعم حفتر. وكما هي العادة في السياسة الخارجية يجد الأوروبيون أنفسهم عاجزين عن بلورة موقف موحد بشأن الأزمة الليبية، فيما يبقى الموقف الأمريكي مترددا.
كروغر أوضح أن لا أحد رفع صوته في برلين لانتقاد الدور الإماراتي والمصري والروسي في ليبيا. ويذكر أن ألمانيا رعت مؤتمرا دوليا لحل الأزمة الليبية ظلت قراراته حبرا على ورق. ألمانيا أدانت في أكثر من مناسبة على لسان وزير خارجيتها هايكو ماس، الهجمات ضد المدنيين، مع توجيه دعوات لوقف إطلاق النار، منتقدا توهٌم الفرقاء الليبيين القدرة على حسم النزاع عسكريا.
الطائرات المسيرة ـ قوة أردوغان الضاربة!
تطوير مشاريع تصنيع طائرات عسكرية كان هدفه تحقيق نوع من الاستقلالية في التصنيع العسكري التركي، وبالتالي التخفيف من التبعية للحليف الأمريكي. ورغم أنها عضو داخل حلف شمال الأطلسي "ناتو"، انخرطت تركيا قبل عشر سنوات في تصنيع طائرات حربية بدون طيار، تستخدمها حاليًا بشكل مكثف في سوريا. وأبانت طائرات (بايراكتار تي.بي.2) 2. Bayraktar TB2 عن فعالية قتالية غيرت من موازين القوى في الحرب الأهلية الليبية. ويملك الجيش التركي حوالي 100 طائرة مسيرة من هذا الطراز، قادرة على الطيران على ارتفاع أكثر من 7000 متر لمدة 24 ساعة، بحمولة تزيد عن 50 كيلوغرامًا.
ويستعمل الجيش التركي هذه الطائرات بكثافة ضد عناصر حزب العمال الكردستاني وفي قصف محافظة إدلب في شمال غرب سوريا. الطائرات التركية تسببت في خسائر بشرية ومادية خطيرة منها إسقاط طائرات سورية وتدمير ما لا يقل عن مائة دبابة. وتُمكن الطائرات الموجهة عن بعد تركيا من التحرك في الأجواء السورية دون خوف من فقدان جنود. وقد باعت أنقرة حوالي 40 طائرة من هذا الطراز لكل من قطر وأوكرانيا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية. وتطمح تركيا لأن تكون من بين أكبر عشر دول مصدرة للأسلحة في العالم بحلول عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.
تدخل أردوغان ـ صدفة أم سبق إصرار وترصد؟
كثفت أنقرة دعمها العسكري لحكومة الوفاق الليبية منذ بداية العام الجاري. أردوغان كان واثقا من نفسه حين تنبأ في الخامس من مايو/ أيار وقال "الدول التي تزود حفتر بالمال والسلاح لن تفلح في إنقاذه (..) سنتلقى قريباً أنباء سارة من ليبيا".
من وجهة نظر تاريخية، يمثل شرق المتوسط مجالا حيويا للسياسة الأمنية التركية. ويتضح ذلك في التنافس الإقليمي حول التنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصية والليبية. جائحة كورونا لم تمنع أنقرة في مواصلة مساعيها لبسط نفوذها في ليبيا بدعم حكومة الوفاق الليبية. وبفضل الدعم التركي استعادت قوات حكومة الوفاق قاعدة الوطية (على بعد 140 كيلومترا غربي طرابلس) ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى في الغرب الليبي. قاعدة تتوفر على خمسين حظيرة وعدة ثكنات، إضافة إلى مدرجات لهبوط الطائرات وسط الصحراء. ومع فقدان حفتر لهذه القاعدة، نجحت تركيا في إلحاق ضربة كبيرة بالمحور الفرنسي الإماراتي المصري في ليبيا. فقد تمكنت قوات الوفاق من شل الخطوط الخلفية لقوات حفتر وبالتالي بتر الدعم اللوجستي نحو طرابلس.
وهناك من يرى أن تدخل أردوغان في ليبيا ليس وليد الصدفة، وإنما هو جزء من عقيدة "مافي فاتان" (الوطن الأزرق) التي وضعها لبسط سيطرة بلاده على شرق المتوسط الذي تعتبره أنقرة جزء من أمنها القومي. ومنذ 2019 تاريخ إجراء تركيا لأكبر مناورات بحرية في تاريخها حملت اسم "مافي فاتان" باتت هذه العقيدة الأمنية معروفة أيضا لدى الدوائر الغربية. عقيدة تتناغم مع التوجه الأيديولوجي للسياسة الخارجية التركية في عهد أردوغان التي تسعى لزعامة العالم الإسلامي السني بدعم الإسلام السياسي في دول الجوار.
ميركو كايلبيرت من صحيفة "تاغستسايتونغ" أوضح أن دحر حفتر في غرب ليبيا لا يعني نهاية النزاع المسلح. "الحرب لم تنه بعد، مادام حفتر يسيطر على ما يسمى بالهلال النفطي الليبي بالقرب من بنغازي أي ما يوازي أكثر من 70 بالمائة من احتياطيات النفط الليبية".
الصراع بين تركيا والإمارات فهل تتورط مصر؟
صحيفة "كولنيشه روندشاو" الصادرة في كولونيا (25 مايو/ أيار 2020) كتبت بشأن مستقبل حفتر والمطامع الخارجية في ليبيا وقالت "حفتر فشل حتى الآن في إيجاد وصفة ضد الدعم العسكري التركي (لحكومة الوفاق). القوى الخارجية من أوروبا والشرق الأوسط مهتمة باحتياطيات البلاد الغنية بالنفط وتسعى لفرض هيمنتها السياسية هناك". وأضافت الصحيفة أنها "حرب بالوكالة يخوضها منافسان إقليميان: تركيا والإمارات، صراعا على السلطة والنفوذ. تركيا هي أحد أنصار جماعة الإخوان المسلمين، التي تلعب دورًا مهمًا في حكومة الوحدة الليبية، وهو تنظيم تعتبره الإمارات ومصر منظمة إرهابية".
ويخشى أنصار حفتر في الخارج من تقدم قوات الوفاق جنوب شرق ليبيا، خاصة إلى مدينتي ترهونة والجفرة، ما سينهي طموحهم بوضع زمام ليبيا في أيدي الجنرال لمتقاعد.
ويتساءل المراقبون عما إذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يتلقى من حلفائه في باريس وأبو ظبي دعوات للانخراط بشكل مباشرة في النزاع، غير أن أي تدخل من هذا النوع سيؤدي إلى مواجهة مباشرة مع تركيا، وهوم ما قد لا يؤيده جنرالات الجيش المصري الغارقين أصلا في مستنقع سيناء. وكيفما كانت السيناريوهات المستقبلية، فمن الواضح أن حفتر لم يعد الرجل القادر على توحيد ليبيا في المستقبل.
حسن زنيند