الشفافية مطلب شعبي لتجاوز صدمة اعتداءات لندن الإرهابية
٧ يوليو ٢٠٠٦لم يستطع البريطانيون بعد التغلب على أثار الصدمة، التي خلفتها اعتداءات لندن، إذ تتعالى الأصوات المنادية بتسليط مزيد من الضوء على ملابسات تلك الهجمات وكشف الخلل، الذي طرأ في أداء الأجهزة الأمنية والحكومية آنذاك. وتأتي هذه المطالب عقب موجة الانتقادات الحادة، التي تلت نشر التقرير الرسمي لحكومة بلير حول اعتداءات العام الماضي. ومن جانبه يرى الخبير البريطاني في شؤون الإرهاب روبرت ايرس أن: "إجراء تحقيق علني مماثل للتحقيق الذي أجرته الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 بات ضرورياً، حيث أن مثل هذا التحقيق قد يساعد الضحايا الناجين على تخطي الصدمة وإسدال الستار على فصل مؤلم في حياتهم وفي تاريخ لندن."
شبح الاعتداءات ما زال يطادر الضحايا الناجين
يعاني عدد كبير ممن نجوا من هجمات لندن الدامية من مشاكل نفسية أثرت بشكل عميق على مجرى حياتهم. فلقد عبرت احدى الضحايا وهي سيدة تدعى، راشيل نورث، كانت موجودة في أحد قطارات الأنفاق، التي فجر فيها الانتحاريون أنفسهم، أنها ما زالت تعاني حتى اليوم من الآثار النفسية، التي خلفتها تلك الحادثة وقالت: "أتمني أن أستطيع الكف عن التفكير في تلك اللحظات أو أن أتمكن من الذهاب إلى العمل أو حتى إلى الحلاق بدون ذلك". أما الرأي العام البريطاني فيأمل بأن تُناقش قضايا الأمن والحرية والخوف من تكرار مثل تلك الاعتداءات بشكل علني وبشفافية تامة. وتستند هذه المطالب إلى أحقية الشعب في معرفة الأخطار، التي تحدق به باعتباره المستهدف الرئيسي من أي هجوم إرهابي قد تتعرض له المملكة البريطانية.
مخاوف من تقييد الحقوق المدنية
هذا وقد قامت الحكومة البريطانية بعد الاعتداءات مباشرة بحملة واسعة لمطاردة المتورطين في تلك الأعمال الإرهابية. وأصدرت حكومة بلير إثر هذه الحملة مجموعة من القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب أعطت بموجبها المحققين صلاحيات واسعة لتسهيل عمليات اعتقال وتعقب المشتبه بهم. بالإضافة إلى ذلك تخول تلك القوانين لأفراد الشرطة اعتقال أي شخص مشتبه به لمدة 28 يوماً دون توجيه تهم محددة له أو إحالته للقضاء، كما أصدرت بريطانيا قانوناً يعاقب الأشخاص، الذين يمجدون الإرهاب وقانوناً آخراً يسمح للجهات الأمنية بفرض الإقامة الجبرية على المشتبه بهم تشمل قضاء 18 ساعة كل يوم في المنزل دون أن يسمح لهم استعمال الهاتف أو الإنترنت. هذه الإجراءات أثارت حفيظة العديد من الخبراء الأمنيين، الذين اعتبروها غير مناسبة وخطيرة كونها تقيد الحريات المدنية. وعزز تلك التحفظات قرار أحد القضاة الأسبوع المنصرم، إذ أشار إلى أن وسائل المراقبة، التي أقرتها الحكومة تتعارض مع الاتفاقية الأوروبية المتعلقة بحقوق الإنسان. أما اللورد كرليل، مستشار الحكومة البريطانية لشؤون مكافحة الإرهاب، فقد أشار بدوره في تقريره السنوي، الذي تم نشره الشهر الماضي، إلى أن الإجراءات المرتبطة بمكافحة الإرهاب يجب أن تطبق في نطاق مكافحة الإرهاب فحسب وإلا فإنها ستفقد مصداقيتها.
عقاب جماعي أم ضرورة أمنية؟
وفي مقال نشرته الصحيفة البريطانية Muslim News يرى بعض المراقبين للتطورات، التي تعرفها الساحة البريطانية منذ اعتداءات العام الماضي، أن تفتيش المنازل واعتقال مئات المسلمين من قبل الشرطة البريطانية ساهم في تأجيج التوتر داخل المجتمع. وترى الصحيفة "أن تلك الإجراءات بمثابة عقاب جماعي للمسلمين على غرار السياسة الإسرائيلية، التي تهدف إلى جعل الجماعة المسلمة تعيش تحت هاجس الخوف باستمرار". ومن جهتها بدأت الجالية المسلمة في المملكة البريطانية بتكثيف جهودها من أجل خلق حوار بينها وبين المجتمع البريطاني. وفي حديث لموقع دويتشه فيله مع جامشيد ديين، المتحدث الإعلامي لمنظمة الإغاثة الإسلامية في برمينجهام، حول وضع المسلمين في بريطانيا، أشار الأخير إلى الجهود التي تبذلها تلك الجالية منذ أحداث لندن في ذلك المجال. فقد بات مسلمو بريطانيا، كما يؤكد ديين، "يستغلون جميع الفرص والمناسبات للالتقاء مع البريطانيين وتعريفهم بالصورة الحقيقية للإسلام ومناقشة الدوافع التي أدت إلى تلك التفجيرات." وتحتل تلك البرامج مقدمة اهتمام المجلس الإسلامي البريطاني، الذي يعد أكبر مؤسسة إسلامية هناك. ويدرك المجلس حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، كما قال ديين في هذا الصدد: "إن مسلمي بريطانيا مُكلفون بمهام ضخمة". واستبعد ديين في نفس الوقت أن تكون أحداث لندن قد أثرت سلباً على حياة الجالية المسلمة في بريطانيا، قائلاً: "إن حياة المسلم في بريطانيا لم تعد تشكل خطراً، وإنما باتت تشكل تحدياً".