الصراع على الطاقة محرك استراتيجي لعلاقات الدول في المستقبل
١٣ يناير ٢٠٠٧مع تزايد الطلب العالمي على الطاقة والتنافس على السيطرة على مصادرها وقرب نفادها وفي عالم تحكمه العولمة لا يستبعد الخبراء أن تتحول الطاقة في المستقبل إلى مصدر أزمات، تؤدي إلى نشوب صراعات إقليمية ودولية. كما أن امتلاكها تحول تدريجيا إلى مقياس يحدد قوة أو ضعف البلدان، بعدما كانت تلك القوة تقاس بمعايير أخرى كاتساع الرقعة الجغرافية على سبيل المثال. وفي ضوء هذه المعطيات أضحت روسيا في الوقت الحاضر تجسد هذا التغير الذي طرأ على مقاييس القوة في النظام العالمي الجديد. فرغم أنها لم تعد قوة سياسية وعسكرية عظمى في العالم، إلا أنها تحولت في الوقت الحاضر إلى مورد عالمي مهم للطاقة، الأمر الذي عزز من مكانتها وأهميتها الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية.
ولكن من جهة أخرى فإن زيادة امتلاك روسيا لاحتياطات عالمية مهمة من النفط والغاز أخذ يثير مخاوف الدول الأوروبية من توظيف روسيا ورقة الطاقة كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية ومنافع اقتصادية كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تملك ستة في المائة من احتياطي العالم من النفط ونحو 34 في المائة من الغاز الطبيعي وما يقرب من 18 في المائة من احتياطي العالم من الفحم الحجري.
التبعية الأوروبية للنفط الروسي
تعتمد ألمانيا بشكل كبير على إمدادات الطاقة الروسية لتغطية احتياجاتها، إذ تستورد ما يناهز 35 في المائة من احتياجاتها النفطية من روسيا التي تعد أيضا أهم مورد للغاز الطبيعي لها. غير أن هذا الارتباط القوي بأسواق الطاقة الخارجية وخاصة منها الروسية لا يعد معضلة لألمانيا فحسب، بل لدول الاتحاد الأوروبي أيضا. إذ تستورد دول الاتحاد الأوروبي ما يربو عن 82 في المائة من النفط و57 في المائة من الغاز الطبيعي من الخارج. غير أن ما يقض مضاجع المسؤولين الأوروبيين هو اعتماد عدد من دول الإتحاد الأوروبي على مورد واحد للطاقة، وسط مؤشرات تظهر أن الاتحاد الأوروبي ينحو إلى مزيد من الاعتماد على استيراد الطاقة، بالإضافة إلى اعتماد معظم دوله على إمدادات النفط الروسي.
وعلى الصعيد الألماني فرغم محاولات المستشارة الألمانية طمأنة نظرائها الأوروبيين بأن روسيا أظهرت على مدى الأربعين عاما الماضية أنها شريك اقتصادي يُعتمد عليه، مازال شعور عدم الارتياح تجاه جدية السياسة الروسية ينتاب معظم النخب السياسية داخل دول الاتحاد الأوروبي. مثل هذه التحفظات دفعت أيضا بوزير الاقتصاد الألماني ميشائيل غلوس للدعوة إلى "التفكير في البحث عن بدائل لواردات النفط من الدول الشرقية وتنويع مصادر الطاقة"، لاسيما عقب توقف إمدادات النفط الروسي إلى ألمانيا مؤخرا، على خلفية النزاع بين موسكو ومنسك. وفي هذا السياق قال الوزير الألماني: "لا يمكن تحمل توقف إمدادات النفط هذه. فهذا يظهر بأننا يجب ألاّ نجعل من الدول الشرقية مصدر الطاقة الوحيد".
الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة
وسعيا من الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر الحصول على الطاقة فإن مد خط أنابيب نفط تنقل إمدادات النفط من بحر القزوين عبر تركيا يعد فرصة مهمة لربط القارة الأوروبية بمصادر جديدة للطاقة، للتخفيف من تبعيتها للنفط الروسي. وعلاوة على ذلك يرغب الاتحاد الأوروبي في تطبيق إجراءات عملية للحد من الاستهلاك المتزايد للطاقة في الدول الأعضاء فيه. مثل هذه الإجراءات ستوفر على دول الاتحاد فاتورة نفطية، تبلغ قيمتها 100 مليار يورو. ومن جملة الإجراءات التي يرغب الاتحاد الأوروبي في تطبيقها قريبا تبني سياسة جديدة بالحصول على النفط، تسمح لبروكسل التفاوض باسم كل دول الاتحاد مع موردي الطاقة وتقديم طلب أوروبي واحد للاستيراد. وـاتي هذه التوجهات الجديدة في ضوء حقيقة أن كل دولة أوروبية تجري مفاوضات منفردة مع موردي الطاقة حول الأسعار والكمية التي ترغب في استيرادها.