العراق - ماذا بعد عشر سنوات على الإبادة في حق الإيزيديين؟
٢ أغسطس ٢٠٢٤في الساعات الأولى من صباح يوم الثالث من أغسطس / أب 2014 هاجم تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف -أو ما يُعرف بـ "داعش"- المجتمعات المحلية في شمال العراق التي تعيش فيها أقلية عرقية ودينية محلية تُعرف بالإيزيديين.
أُعدِمَ الرجال في الحال، وقُبِض على النساء والأطفال وتم بيع الآلاف منهم في النهاية كعبيد. بحلول عام 2017 أُعلِن عن هزيمة تنظيم داعش في العراق، واليوم فإن معظم أعضاء التنظيم إما قُتلوا أو سُجنوا أو أنهم مختبئون. لكن العديد من الإيزيديين ما زالوا ينتظرون تحقيق العدالة.
تطورات إيجابية
"شهدت السنوات العشر الماضية تطورات إيجابية"، بحسب ما أشار مراد إسماعيل رئيس أكاديمية سنجار وهي مؤسسة تعليمية في شمال العراق للإيزيديين في حديثه إلى DW.
تشمل هذه التطورات إعادة توطين الناجين من الإيزيديين في دول ثالثة والمحاكمات الدولية لأعضاء تنظيم داعش السابقين، إضافة إلى الاعتراف الدولي بأن التنظيم ارتكب إبادة جماعية ضد الإيزيديين، كما تم إصدار قانون الناجين الإيزيديين لعام 2021 الذي أصدرته الحكومة العراقية، وهو القانون الذي يوفر نوعًا من التعويضات للنساء الإيزيديات اللواتي تعرضن للإساءة، بما في ذلك دخل شهري قدره حوالي 500 دولار.
ومع ذلك لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به، بحسب ما يرى إسماعيل وآخرون. فمن بين حوالي 7000 إيزيدي -أسرَهُم تنظيم داعش- لا يزال 2600 شخص منهم في عداد المفقودين، ولا تزال المقابر الجماعية تُنبش في جميع أنحاء العراق للبحث عن جثث من قضوا نحبهم.
لكن الأمور لا تبدو إيجابية فيما يتعلق باستمرار السعي لتحقيق العدالة. يقول إسماعيل: "بشكل أساسي أعتقد أن العالم -بما في ذلك العراق- يتحرك الآن إلى ما بعد صفحة داعش تماماً".
نكسة جديدة
عانى الإيزيديون هذا العام 2024 من نكسة جديدة وهي إنهاء عمل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل تنظيم "داعش" بشكل غير متوقع. هذه المنظمة المعروفة -باسم يونيتاد UNITAD- بدأت العمل في عام 2018 للتحقيق في جرائم داعش، بما في ذلك الجرائم التي ارتُكبت ضد الإيزيديين، والتي يفترض أن يتم حلها في منتصف سبتمبر / أيلول 2024.
تواجدت يونيتاد في العراق بدعوة من الحكومة العراقية، وفي أواخر العام الماضي 2023 صرَّحت الحكومة العراقية بأن المنظمة لم تعد ضرورية. وحذر رئيس يونيتاد -كريستيان ريتشر- من أن فريقه لن يتمكن من إنهاء عمله بحلول سبتمبر / أيلول 2024.
وجاء في رسالة مفتوحة من 33 مجموعة حقوقية مختلفة: "يرى العديد من الناجين أن يونيتاد هي الأمل الوحيد لتحقيق العدالة الحقيقية في العراق. إيقاف عمل فريق التحقيق بشكل مفاجئ كارثة للناجين وللعراق وللمجتمع الدولي، ويرسل رسالة مفادها أن العدالة ليست أولوية حقيقية".
يونيتاد في أرقام 2017–2024
• التحقيق في 67 مقبرة جماعية
• رقمنة 18 مليون صفحة من الأدلة ذات الصلة على الورق
• دعم 18 قضية ضد أعضاء داعش في دول أخرى.. وأدت 15 من القضايا الـ18 إلى إدانات، بما في ذلك في ألمانيا والبرتغال
• التحقيق في 30 قضية أخرى محتملة في دول أخرى
• طلبت 45 سلطة في 20 دولة ثالثة المساعدة من يونيتاد
• تلقي 246 طلباً في المجموع من دول ثالثة
• ميزانية 22 مليون دولار (متوسط) سنوياً، أكثر من 200 موظف
لماذا تم إغلاق يونيتاد؟
هناك أسباب عديدة وراء النهاية غير المتوقعة لفريق التحقيق التابع للأمم المتحدة. يُعتبر بعضها سياسياً، بحسب ما يوضح مراد إسماعيل.
فبالإضافة إلى التوجه العام بتخطي أحداث الماضي فإن "أي كيان دولي لا يبدو مرحباً به من قِبَل الحكومة العراقية الجديدة"، بحسب تعبير إسماعيل. وفي مايو / ايار من هذا العام 2024 طلب العراق سحب بعثة الأمم المتحدة المعنية بتقديم المساعدة في العراق، التي كانت تعمل هناك منذ عام 2003.
وتُشير تقارير إعلامية محلية إلى وجود خلافات بين يونيتاد والمؤسسة العراقية، فالعراق لا يمتلك قانوناً يغطي ما يُعرف بـ"الجرائم الدولية" - مثل الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي كالجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والتعذيب أو الإخفاء القسري.
وأشار بريار بابان -أستاذ القانون الكردي- في تحليل أجراه لصالح مركز الأبحاث الفرنسي في باريس في وقت سابق من هذا العام 2024 إلى أن هذا هو السبب وراء عدم توجيه اتهامات إلى أي من أعضاء داعش بارتكاب جرائم دولية في العراق. وقال: "للأسف، لم ينجح فريق التحقيق في جرائم داعش يونيتاد في حث السلطات العراقية على سن مثل هذا التشريع".
وأضاف: "في العراق عادةً ما يُحاكم أعضاء داعش باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب. ويفتقر نظام العدالة العراقي إلى محاكمات عادلة، فقد تستغرق بعضها عشر دقائق فقط. ولا تشمل المحاكمات الضحايا والناجين، ونادراً ما تُؤخذ الفظائع التي ارتُكبت ضد الإيزيديين بعين الاعتبار في المسار القضائي بالعراق".
بالإضافة إلى ذلك يستخدم العراق عقوبة الإعدام، وهو ما تعارضه الأمم المتحدة. ولهذا السبب -بحسب ما أشارت وسائل الإعلام المحلية- لم تكن يونيتاد متحمسة دائماً لمشاركة الأدلة مع العراقيين.
تبعات إنهاء عمل يونيتاد
وقالت باري إبراهيم -مديرة مؤسسة الإيزيديين الحرة- في تصريح لـ DW خلال فعالية نظمها المجلس الأطلسي هذا الأسبوع: "سيكون هناك فراغ كبير يجب ملؤه. كنا نعتمد حقاً على يونيتاد".
ولكن ما يثير قلق الخبراء القانونيين ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان هو ما قد يحدث للأدلة التي جمعتها يونيتاد. فبعض هذه الأدلة جاء عبر الحكومة العراقية، لكن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة كان لديه أيضاً محققون في الميدان يجرون مقابلات.
وأشارت باري إبراهيم إلى أن "الكثير من الناجين لجأوا إلى يونيتاد لأنهم وثقوا في آلية الأمم المتحدة"، موضحة أن "الكثير منهم لم يرغبوا في مشاركة شهاداتهم مع المدعين العامين العراقيين" لأنهم لم يثقوا بهم.
وتشير التقارير إلى أن المسؤولين العراقيين قد يرغبون الآن في الاحتفاظ بالأدلة وإجراء المحاكمات داخل البلاد. كما ألمحوا إلى أنه يجب أن يكون لهم الحق في منح المدعين العامين من دول أخرى الإذن باستخدام الأدلة العراقية. لكن وكما كتب أستاذ القانون بريار بابان: ماذا لو رفض العراق تمرير الأدلة؟ "ألا يمكننا أن نواجه إنكاراً للعدالة؟".
ماذا بعد؟
اقترحت منظمات الدفاع عن حقوق الإيزيديين أن تحتفظ الأمم المتحدة بأدلة فريق التحقيق الدولي يونيتاد بشكل آمن، أو أن يتم إنشاء محكمة خاصة جديدة لتحل محلها.
وقالت ناتيا نافروزوف -مديرة منظمة الدفاع "يازدا"- خلال فعالية المجلس الأطلسي: "في النهاية موقفنا هو أننا نريد أن تتحقق العدالة في العراق". وأضافت: "لأن هذا هو وطن الإيزيديين والأقليات الأخرى التي استُهدفت، هنا حيث يوجد معظم الناجين والأدلة والجناة ومواقع الجرائم. لكن ما ينقصنا هو الثقة".
وفي العراق يوجد مشروع قانون يسمح بالتقاضي في الجرائم الدولية، لكنه لم يُمَرَّر بعد. وتجادل نافروزوف بأن السلطات العراقية لا تتسم بالشفافية الكافية بشأن الخطط المستقبلية. وتابعت: "الرسالة الحالية هي 'نحن نغلق يونيتاد وسنتولى المسؤولية'. ولكن أين هو الجزء المتعلق ببناء الثقة؟".
واختتم مراد إسماعيل -رئيس أكاديمية سنجار- بالقول: "أنا أؤمن بالنضال ولكن، كما قلت من قبل، أعتقد أيضاً أن العالم قد تجاوز هذه القضية. لكن -نحن الإيزيديين- لا يمكننا تجاوزها. نحن نتمسك بفكرة المساءلة والعدالة لأن الأمر بالنسبة لنا أمر شخصي، بينما بالنسبة لبقية العالم هو مسألة سياسية. بالنسبة لهم تنظيم داعش قد انتهى. لكننا لا يمكننا النسيان أبداً".
أعده للعربية: عماد حسن