العرب في ألمانيا ـ بين الخوف من الذوبان والشكوى من التجاهل
٣١ ديسمبر ٢٠١٠شهد عام 2010 جدلاً كبيرا حول قضية اندماج المهاجرين والتعددية الثقافية بألمانيا، جدل بلغ ذروته بصدور كتاب لعضو مجلس إدارة البنك الاتحادي الألماني تيلو زاراتسين بعنوان "ألمانيا تلغي نفسها"، حذر فيه من مخاطر تزايد المهاجرين في البلاد وأعتبر أن العرب والأتراك غير منتتجين وعالة على المجتمع.
وأخذ النقاش حول الإندماج والتعددية الثقافية في ألمانيا منحى آخر إثر اعتبار الرئيس الألماني بأن "الإسلام اصبح حزءا من ألمانيا"، ثم صدور تصريحات من بعض السياسة الكبار، مثل المستشارة انغيلا ميركل، يعلنون فيها "موت التعددية الثقافية".
وفي الغالب يكون المهاجرون من أصول عربية أو إسلامية هم موضوع النقاش، حيث يتهم هؤلاء بعدم القدرة على الاندماج أو بعدم الرغبة في ذلك، ومن ناحيتهم يبدي البعض من هؤلاء تخوفاً وتشككا من الإندماج المطلوب منهم.
دويتشه فيله استطلعت آراء بعض العرب المقيمين في ألمانيا حول هذا الموضوع.
"الخوف من الذوبان"
نصر حمدان باحث إجتماعي، ومقيم في المانيا منذ بداية الثمانينات، يقول إنه ومن خلال عمله في المجال الاجتماعي يلمس مدى الدعم المادي الذي رصدته الحكومة الألمانية لقضية الاندماج خلال الثلاث سنوات الماضية، "إلا أن جهود الإندماج أصيبت خلال عام 2010 بنكسة بسبب بعض التصريحات" التي اطلقها الساسة في البلاد، والتي أثارت بعض المخاوف لدى "الكثير من المهاجرين العرب من أن يكون الاندماج المقصود هو الذوبان وفقدان للهوية".
لكن المصور خالد الشوربجي، المقيم في ألمانيا منذ بداية تسعينات القرن الماضي، يرى أن عام 2010 مثله مثل الأعوام السابقة "لم يقدم شيئا لما يُسمي اندماج". وينتقد الشوربجي بعض العرب المقيمين في ألمانيا الذين "يحتمون" من الإندماج خلف ستار الخصوصية والخوف من الذوبان، ويقول في هذا السياق ليس هناك من يطلب من هؤلاء التخلى عن الخصوصية وإنما المطلوب هو "المشاركة"، مبدياً تحفظه على كلمة "إندماج" ويفضل بدلا من ذلك استخدام "التفاعل الإيجابي أوالمشاركة الإيجابية مع الآخرين".
"جزر عربية" في ألمانيا
الباحث في معهد فراون هوفر حيدر عوني كرومي، ينظر إلى المشكلة من زواية أخرى. فرغم أن البعض يعتقد أن التقوقع في إطار أبناء الجالية الواحدة والإنغلاق إزاء المجتمع المحيط أحد أهم أسباب تعثر عملية الإندماج، فإن كرومي يرى العكس، فهو يعتقد ـ وهذه بطبيعة الحال وجهة نظره ـ أن إنقسام عرب ألمانيا "إلى طبقات ومستويات يجعلهم غير قادرين على التفاعل فيما بينهم، الأمر الذي يؤثر سلباً على عملية الاندماج!". أما نصر حمدان فيعتقد " أن بقاء العرب في جزر منعزلة تقلل من فرصهم في الاندماج والتفاعل الإجابي داخل المجتمع".
تجاهل المهاجرين العرب
جانب آخر من العرب المقيمين في ألمانيا يرى أن المشكلة تكمن في غياب أو ربما تغييب الجالية العربية عن المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالإندماج. في هذا السياق يحمل أسامة أمين، المقيم في ألمانيا منذ منتصف الثمانينات، الساسة الألمان المسؤولية عن هذا التغييب، إذ يقول هؤلاء " يدعوننا فقط في المؤتمرات الإعلامية، وفي وقت الجد يتم اتخاذ القرارات المصيرية خلف الأبواب المغلقة ولايتم دعوة أحد ليمثل العرب".
تجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة الألمانية شكت في أكثر من مناسبة من أن تشرذم المسلمين بصفة عامة وعدم وجود إطار واحد موَّحد يمثلهم أمام الجهات الرسمية يجعل من الصعب على هذه الجهات التعامل مع أي من الاتحادات والجمعيات المتعددة والمختلفة أصلا فيما بينها حول أحقيتها بتمثيل المسلمين والتحدث بإسمهم.
"قصور في التسامح الديني"
وفي الوقت الذي يطالب فيه أمين بدعوة العرب "للمشاركة في وضع الخطط وإتخاذ القرارات"، المتعلقة بالمهاجرين، يدعو كرومي "الجانب الألماني إلى الاعتراف بقدرات العرب وإفساح المجال لهم بالمشاركة الإيجابية". ويتطرق كرومي إلى قضية حساسة هي قضية التسامح الديني، إذ يقول "على الرغم من أني مسيحي، أقول إن قضية التسامح الديني في المجتمع الألماني وخاصة مع المسلمين، بحاجة إلى نقاش حقيقي، حيث أن التسامح الديني يشوبه بعض القصور عندما يتعلق بالإسلام في ألمانيا".
هاني غانم – برلين
مراجعة: عبده جميل المخلافي