العضلات السياسية تصطدم بسلاح الميلشيات في ليبيا
١ مارس ٢٠١٤كان من المفترض أن تعتبر الذكرى الثالثة لسقوط نظام العقيد معمر القذافي سببا للفرحة بالنسبة لليبيين الذين حلموا بإنشاء دولة ديمقراطية، بعد أربعين عاما من حكم دكتاتوري. لكن كثيرا من الليبيين لا يرون سببا للفرحة اليوم. فالواقع يقول شيئا آخر تماما؛ الميليشيات تنعم بحصانة من المطاردة القضائية وخطة إعادة بناء الدولة الليبية معلقة لأجل غير معلوم. ومنذ أسابيع يطالب متظاهرون بحل البرلمان بسبب فشل أعضائه واستغلالهم للسلطة.
عُلقت الأعلام في شوارع العاصمة طرابلس وزينت النوافذ والجدران خلال شهر شباط/ فبراير. وارتفعت في سماء العاصمة الألعاب النارية احتفالا بسقوط نظام القذافي، بينما يقول أحد الليبيين وهو يراقب الألعاب النارية "ساعات وتنتهي المتعة، ويعود القلق وترجع الهموم".
انقسام البرلمان
يعكس القلق الشعبي طبيعة الخطر في ليبيا، فالأزمة السياسية وصلت إلى مرحلة التأزم. البرلمان (المجلس التأسيسي) الذي انتخب عام 2012 منقسم على نفسه بين جبهتين رئيستين. الأولى ممثلة بالإسلاميين والثوار، الذين يطالبون بسلطة أكبر للدين وسلطة أوسع للثوار الذين أسقطوا القذافي. والثانية ممثلة بالليبراليين الوطنيين، والذين يريدون الحفاظ على الوضع الحالي وتقليص سيطرة الإخوان المسلمين في ليبيا.
بدأ الانقسام بين الجبهتين بعد نقاشات قانون العزل السياسي لأنصار نظام معمر القذافي، والذي أدى إلى احتلال مبنى المجلس الوطني من قبل الميليشيا بداية عام 2013. واليوم يزداد الانقسام بسبب محاولات الإسلاميين دفع الحكومة الحالية للاستقالة، فضلا عن إقرار البرلمان تمديد فترته البرلمانية قبل انتهائها في السابع من شباط/ فبراير 2014.
عبد المجيد مليقطة، رئيس حزب "تحالف الليبراليين الأحرار"، وصف القرار بغير القانوني واتهم الجهة الأخرى بالابتزاز. ويبدو أن رئاسة الحزب حاولت الوصول إلى حل وسط من خلال التصويت على قانون العزل مقابل الإبقاء على الحكومة. وبهذا ستكون فرصة مؤسس الحزب محمود جبريل أفضل خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة وأنه واحد من الساسة القلائل ممن يملكون شعبية في ليبيا.
ويظهر الانقسام السياسي بين الجبهتين على الشارع الليبي أيضا، مهددا وحدة المجتمع. فكلا الجبهتين تحاول استغلال قوة الميليشيات لصالحها، معززة من نفوذها السياسي.
الدستور في مرمى الخلاف السياسي
وفي خضم هذا الصخب انتخب الليبيون في العشرين من شباط/ فبراير لجنة صياغة الدستور التي تضم 60 عضوا. يتعين عليها الانتهاء من وضع مسودة الدستور خلال 120 يوما. وسيقسم أعضاء اللجنة بالتساوي على مناطق ليبيا الثلاث وهي طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وفزان في الجنوب. وإذا لم تتمكن اللجنة من صياغة الدستور، فإن الدولة وضعت خطة أخرى في هذه الحالة. الخطة تقضي بتكليف مفوضية الانتخابات الاستعداد لإجراء انتخابات أخرى، أي مؤتمر وطني عام جديد، ليتولى تسيير المرحلة الانتقالية الثالثة إلى أن يتم تجهيز الدستور. وفي محاولة منه لتخفيف ضغط الرأي العام المستاء من أداء الساسة والمجلس الوطني وعد رئيس المجلس نوري بوسهمين خلال الاحتفال بعيد الثورة بأن الانتخابات "ستجري في أقرب وقت ممكن".
لكن هناك من ينتقد هذه التصريحات واصفا إياها بغير الكافية، كما توجد خشية من فرض مصالح القوى السياسية والميلشيوية في الدستور المزمع كتابته. وتوضح نسبة المشاركة في انتخابات لجنة صياغة الدستور والتي بلغت 12 بالمائة فقط، مدى الاستياء العام من الأداء السياسي في البلد. وحتى التحضيرات لانتخاب لجنة صياغة الدستور كانت غير كافية، مثلما تقول المرشحة أسماء الأسطى عن إحدى دوائر طرابلس "من دون دعم الدولة لا يمكن إجراء حملة انتخابية مقبولة. فأغلب الناس لايعرفون من ينتخبون".