العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.. شراكة تاريخية تشوبها توترات
١٣ يوليو ٢٠٢٢رغم أن إسرائيل كانت على خلاف مع العديد من جيرانها طوال معظم فترات تاريخها، إلا أن الولايات المتحدة كانت الحليف الأكثر ثباتاً وأهمية للبلاد. على مدى عقود، أوضحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن العلاقات مع إسرائيل شكلت في كثير من الأحيان الأساس لسياستها في الشرق الأوسط.
يصرح العديد من المسؤولين الأمريكيين باعتقادهم أن على الولايات المتحدة واجباً أخلاقياً في الدفاع عن إسرائيل، وهو ما تُرجم على شكل مساعدات سياسية وعسكرية ومالية. ساهمت المساعدات والأسلحة المتطورة التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل على تطوير أحد أكثر الجيوش تقدماً في العالم.
منذ تأسيس إسرائيل، قدمت الولايات المتحدة حوالي 150 مليار دولار من المساعدات لها بمختلف الأشكال. وفقاً لـ"خدمة أبحاث الكونغرس" (CRS)، فإن إسرائيل هي أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
من المقرر أن يزور الرئيس الأمريكي جو بايدن الشرق الأوسط هذا الأسبوع، بهدف مساعدة إسرائيل على الاندماج بشكل أفضل في المنطقة. ومع ذلك، قد لا تحتاج إسرائيل إلى مثل هذه المساعدة، حيث إنها تزداد استقلالاً من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية.
أول حليف لإسرائيل
بعد دقائق من إعلان ديفيد بن غوريون، الذي سيغدو أول رئيس وزراء لإسرائيل، عن تأسيس دولة إسرائيل في 14 أيار/مايو 1948، اعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان رسمياً بالدولة الجديدة. وبعد ثلاثة أيام، اعترف بها الاتحاد السوفيتي أيضاً، وبعد عام، أصبحت إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان ترومان متردداً في البداية في تسليم الأسلحة إلى إسرائيل، خوفاً من أن يطلق ذلك سباق تسلح في الشرق الأوسط ويؤدي إلى طلب الدول العربية أسلحة سوفيتية.
لكن مع دعم الاتحاد السوفيتي للحركات القومية التي اكتسبت زخماً في الدول العربية من الخمسينيات إلى السبعينيات، طورت إسرائيل والولايات المتحدة هدفاً مشتركاً وهو: مواجهة النفوذ السوفياتي واحتواء انتشار الشيوعية.
دعم وخلافات
كانت شحنات الأسلحة الأمريكية محورية عندما اندلعت الصراعات بين إسرائيل وجيرانها. على سبيل المثال، خلال حرب أكتوبر عام 1973 عندما هاجمت سوريا ومصر إسرائيل، أرسلت الولايات المتحدة شحنة كبيرة من المعدات العسكرية والأسلحة والدبابات والطائرات النفاثة إلى إسرائيل بعد تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
ومع ذلك، كانت هناك أيضاً خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حول مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية على سبيل المثال، وكذلك حول توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، الأمر الذي تعتبره الأمم المتحدة انتهاكاً للقانون الدولي. نددت معظم الإدارات الأمريكية بسياسة الاستيطان الإسرائيلية وسعت إلى التوسط في سبيل الوصول لحل الدولتين.
في أحد المحطات الخلافية، في حزيران/ يونيو 1990، وبسبب الإحباط من الجمود في مفاوضات السلام، ذكّر وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر برقم هاتف البيت الأبيض في مؤتمر صحفي وقال: "اتصلوا بنا عندما تكونون جادين بشأن السلام"، مخاطباً الإسرائيليين.
بعد ذلك بعام، أخّر الرئيس جورج بوش الأب ضمانات القروض لإسرائيل حتى أوقفت بناء المستوطنات في الضفة الغربية وغزة ووافقت على عقد مؤتمر سلام مع الفلسطينيين.
مع ذلك، كان خليفة بوش، بيل كلينتون، هو الذي أحرز تقدماً ملموساً في مفاوضات السلام. ففي التسعينيات، استضاف كلينتون عدة اجتماعات بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين رفيعي المستوى. ووقعت إسرائيل معاهدة سلام مع الأردن، منهية عقوداً من العداء.
ترامب ونتنياهو
خلال ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تولى منصبه في عام 2009، أقامت القوى السياسية اليمينية في كلا البلدين علاقات وثيقة، ويبدو أنها غالباً ما نسقت مع بعضها البعض لتحقيق أهداف مشتركة.
كانت العلاقة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، متوترة بشكل ملحوظ، وعلى الأخص عندما وقعت إدارة أوباما صفقة دولية لتطبيع العلاقات مع إيران - المنافس الإقليمي الرئيسي لإسرائيل - في مقابل فرض قيود على برنامج طهران النووي.
خلال زيارة قام بها جو بايدن عام 2010، عندما كان نائباً للرئيس أوباما، أعلنت إسرائيل عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية حول القدس. فوصفت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون الخطوة بأنها "إهانة".
لكن نتنياهو وجد حليفاً في دونالد ترامب، الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة في عام 2017 وتخلي عن الاتفاق النووي مع إيران في غضون عام من توليه منصبه.
في عام 2019، أعلنت إدارة ترامب أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، مما شكل قطيعة دراماتيكية مع السياسة الأمريكية وفرقت بين واشنطن والعديد من حلفائها.
كما عمل ترامب أيضاً على التوسط في سلسلة من الصفقات لتطبيع، أو على الأقل تحسين، علاقات إسرائيل مع أعداء سابقين مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. لكن هذه الصفقات عمقت بالفعل الخلافات الجيوسياسية الأخرى في المنطقة وتعرضت لانتقادات لأنها تركت الفلسطينيين خارج المفاوضات، إلى جانب تجاهل قضية المستوطنات غير القانونية.
ومن سياسات ترامب الأخرى المثيرة للجدل في الشرق الأوسط، نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأمريكية في الجزء الشرقي من المدينة التي كانت تقدم خدمات للفلسطينيين في القدس الشرقية.
تضم المدينة المقدسة مواقع مقدسة لدى اليهود والمسلمين، ويطالب كل من الفلسطينيين والإسرائيليين بالقدس عاصمة لهم. وقد ضمت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، بينما وسعت إسرائيل سلطاتها الإدارية والقانونية على المدينة في عام 1980 في خطوة جوبهت بمعارضة دولية.
إسرائيل تزداد استقلالية
عندما استهل جو بايدن رئاسته في كانون الأول/ يناير 2021، تحدت إسرائيل علانية جهوده لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، مهددة بأنها ستتصرف بمفردها لكبح نفوذ إيران في المنطقة.
بدأت إسرائيل تدريجياً في اتخاذ قرارات دبلوماسية استراتيجية بشكل مستقل عن أوثق حليف لها. على سبيل المثال، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، كانت إسرائيل أقل حرصاً من الولايات المتحدة على تسليم أسلحة إلى كييف. إلى جانب استقبال اللاجئين الأوكرانيين، وإرسال المساعدات الإنسانية والمعدات العسكرية الدفاعية، كانت تل أبيب أكثر رغبة في لعب دور الوسيط بين روسيا والغرب.
وبعد أن كانت تعتمد بشدة على المساعدات العسكرية والمالية الأمريكية، أصبحت إسرائيل مُصدراً بارزاً للأسلحة. يزدهر اقتصادها بفضل عقود من التبادل التكنولوجي مع الدول الغربية.
كما أن لديها الآن علاقات سياسية وتجارية مهمة خارج العالم الغربي أي الولايات المتحدة وأوروبا، بما في ذلك علاقاتها مع الهند والبرازيل والصين.
منير غايدي/خ.س