1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العلويون في سوريا.. مخاوف من التهميش والانتقام ومستقبل غامض

٩ يناير ٢٠٢٥

بعد سقوط نظام عائلة الأسد التي حكمت سوريا لأكثر من 50 عاماً، تصاعدت مخاوف الطائفة العلوية من عمليات انتقام وتهميش وتحميلها مسؤولية جرائم النظام السابق. فما مدى مخاوف الطائفة؟ وكيف تنظر إلى مستقبلها في سوريا؟

https://p.dw.com/p/4ouSS
علم سوريا الجديد يغطي صورة للرئيس الراحل بشار الاسد على جدارية في دمشق (21/12/2024)
أثار سقوط نظام بشار الأسد مخاوف واسعة لدى الطائفة العلوية من عمليات انتقام ممنهج صورة من: SAMEER AL-DOUMY/AFP/Getty Images

بعد سقوط نظام الأسد سادت مخاوف داخل الطائفة العلوية التي كانت تمثل غالبية قوام الجيش والأجهزة الأمنية، إذ تخشى الطائفة من التعرض لعقاب جماعي بسبب ما يُنسب لها من تجاوزات قام بها بعض منتسبيها بحق الأكثرية السنية على مدى أكثر من 50 عاماً.

وتسود في المناطق العلوية حالة من الرعب والارتباك، حيث تنتشر تقارير عن عمليات قتل واختفاء وضرب ومضايقات طائفية. وتشكل أعمال العنف هذه  ـ إن صحت التقارير ـ اختبارًا مبكرًا للحكومة السورية الوليدة التي تقودها هيئة تحرير الشام، التي أطاحت بالأسد بمساعدة فصائل مسلحة أخرى وسارعت إلى التعهد بالتسامح مع الأقليات.

علاقة معقدة من الولاء والمعارضة

اتّسمت علاقة الطائفة العلوية بنظام الأسد بالولاء والمعارضة في آن واحد. ففي عهد حافظ الأسد ولاحقاً ابنه بشار الأسد، اكتسب العلويون نفوذاً غير مسبوق في الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، وشكلوا قاعدة دعم حاسمة للنظام. وقد ساعد هذا الارتقاء من موقعهم المهمش تاريخياً على توطيد العلاقات القوية بين العديد من العلويين وعائلة الأسد.

ووفقاً لجوشوا لانديس الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، فإن هذه العلاقة خلقت شبكات محسوبية معقدة تتجاوز مجرد الولاء الطائفي.

ومع ذلك، لم تكن هذه العلاقة متجانسة أبدًا. فقد انتقد بعض المثقفين والناشطين العلويين علناً استبداد النظام وفساده. إذ اعترضت شخصيات بارزة مثل عارف دليلة على السياسات الاقتصادية لحكومة الأسد، في حين عارض آخرون تركيز السلطة داخل شبكات علوية محددة بدلاً من إفادة الطائفة الأوسع. وأبرز هذا النقد الداخلي تعقيد المشاركة السياسية العلوية التي تتجاوز مجرد الولاء للنظام.

في هذا السياق تقول الدكتورة منى غانم مؤسسة ومديرة منتدى النساء السوريات من أجل السلام، والعضو السابق في المجلس الاستشاري النسائي للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، إن الاحتلال الفرنسي هو من بدأ بإدخال العلويين وغيرهم من الأقليات للجيش وأن الأسد الأب عمل على استمرار هذا الوضع وأنه حول الجيش بأكمله إلى جهة لحماية نظام حكمه وعائلته.

العلويون في سوريا ما بعد الأسد...ما مستقبلهم؟

تدمير ممنهج

وأضافت في حوار مع DW عربية أن "حافظ الأسد لم يكن يرى نفسه أنه ينتمي إلى هذه الطائفة، بقدر ما كان يرى أنها موجودة لخدمة وتثبيت أسس حكمه، لذلك فتح لهم أبواب الالتحاق بالجيش والمخابرات وكان من الطبيعي أن تتلقف الطائفة العلوية هذا الأمر، والتي كان قوامها فقراء وبسطاء فكان الجيش يؤمن لهم مصدر دخل كامل"، مؤكدة أن "حافظ الأسد وبشار الأسد استخدموا الطائفة ودمروها اجتماعياً".

أضافت غانم أن أسرة الأسد قضت على المرجعيات الدينية للطائفة فمنهم من قُتل ومنهم من سُجن ومنهم من تم تهجيره والاستيلاء على منزله فيما هاجر آخرون للخارج كأسرتها، "لذلك نجد اليوم أن العلويين المنتمين إلى الطائفة في حالة تخبط ويحاولون إنشاء مجالس علوية في الوقت الحالي نظراً لغياب القيادة"، مشيرة إلى شخصيات معارضة علوية بارزة في التاريخ السوري مثل عبد العزيز الخير رئيس مكتب الشؤون الخارجية لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وثائر علي ديب الطبيب المعارض والكاتب والمترجم.

وأكدت أن الطائفة العلوية مسلمون يؤمنون بكافة أركان الإسلام لكن لديهم بيئة اجتماعية مختلفة، "فهي بيئة اجتماعية منفتحة بحكم وجودهم على البحر"، مشيرة إلى أن "العلويين فرحوا للغاية بالتخلص من بشار لأنه كان يمارس سياسة الإفقار والإذلال لهذه المجموعة البشرية".

مخاوف من الانتقام

وفقاً لتحليل أجراه مركز كارنيغي للشرق الأوسط، فإن عوامل الخوف والشك لدى الطائفة العلوية بشأن المستقبل تتركز في الشعور بالخوف وانعدام الأمان، إذ أدى صعود الجماعات المتطرفة التي هددت صراحةً المجتمعات العلوية إلى خلق مخاوف عميقة بشأن الانتقام الطائفي المحتمل، خصوصاً مع عدم وجود شرطة في مناطقهم، ما أعاد للأذهان ذكريات تاريخية للاضطهاد في ظل الحكم العثماني.

وتؤكد الطائفة على أنه لا يجب معاقبة الكل بذنب البعض فيما ذهب البعض الآخر إلى ضرورة منح عفو شامل لإغلاق صفحة الماضي والعمل على مستقبل سوريا ما بعد بشار.

في هذا السياق، يقول خبراء إن الطائفة تخشى بشدة من الأعمال الانتقامية وإلقاء كل جرائم نظام الأسد على عاتقهم، وأنه حتى مع خطاب السلطة الحالية في سوريا الذي يدعو إلى الوحدة وعدم معاقبة الكل بذنب البعض، إلا أن هناك العديد من الحوادث التي وقعت خصوصاً في حمص والساحل وحماة ربما تكون قد خرجت بالفعل عن نطاق الأعمال الفردية مثل الاعتقالات وتفتيش المنازل والسرقات والضرب بل وحتى التكفير.

العثور على سبع جثث في أكياس في قبر بمنشأة عسكرية في دوما، بالقرب من دمشق، سوريا، في 17 ديسمبر 2024.
تخشى الطائفة العلوية من أن يتم تحميلها كافة أوزار عائلة الأسد دون تمييز صورة من: Ugur Yildirim/DIA/IMAGO

الطائفية تطل برأسها

وأشار خبراء تحدثوا إلى صحيفة واشنطن بوست إلى أن عدداً من المناطق ذات الأغلبية العلوية مهددة باندلاع أحداث طائفية، حيث يطارد الثوار والسجناء السابقون من يقولون إنهم معذبيهم القدامى، وسط مخاوف من سقوط أبرياء في هذا الصراع المخيف. كما يشير الخبراء إلى أن الطائفة العلوية، التي جند الأسد الأب والابن أغلب أبنائها كحلفاء عسكريين - حتى مع بقاء الطائفة فقيرة ومهمشة، - تتلقى العبء الأكبر من الغضب الموجه ضد النظام المنهار.

وفي تصريحات لصحيفة واشنطن بوست، قال مقاتل ذكر أن اسمه الأول فادي، وهو من محافظة إدلب شمال غرب سوريا، حيث تتمركز هيئة تحرير الشام، ”ليس لدينا أي مشاكل مع العلويين". ”مشكلتنا هي أولئك الذين عملوا مع عصابة المجرمين". وأضاف: ”هؤلاء - العصابات - أيديهم ملطخة بالدماء .. إنهم يريدون منعنا من إنشاء دولة جديدة."

وكان عدد من أبناء الطائفة العلوية قد تظاهروا في حمص في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وتعرضوا لإطلاق نار، وألقت هيئة تحرير الشام باللوم على عناصر النظام السابق الذين قالت إنهم اندسوا في التجمع، بينما قال السكان إن مقاتلي المعارضة أطلقوا النار على الحشد، مما أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل. وبعد ذلك بيوم، أغلقت عدة أحياء علوية في المدينة في إجراء قيل إنه يهدف إلى القبض على شخصيات مطلوبة ونزع الأسلحة. ومُنعت السيارات من دخول الأحياء. وتم استجواب السكان قبل السماح لهم بالمرور.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لفرانس برس إنه "تم توقيف 150 شخصا في مدينة حمص ونحو 500 شخص في أريافها"، مشيراً الى أنه "تم التركيز على الأحياء العلوية ومحيطها، وجرى التنكيل ببعض المعتقلين خلال العملية".

تهميش وإفقار

لا يُعد الخوف من انعدام الأمان هو الأمر الوحيد الذي تخشى منه الطائفة العلوية بعد سقوط نظام الأسد، فالوضع الاقتصادي في أغلب المناطق التي يتركز فيها أبناء الطائفة بائس ومتراجع للغاية، وفق ما تشير بعض التقارير. 

وتشير دراسات وبحوث اجتماعية وديموغرافية إلى أنه على الرغم من تصور البعض لوجود وضع متميز لدى الطائفة العلوية بشكل عام، إلا أن العديد من المجتمعات العلوية تواجه تحديات اقتصادية شديدة، لا سيما في المناطق الريفية.

ومنذ زمن تتركز أعداد كبيرة من الطائفة العلوية في مناطق الساحل السوري والجبال وهي مناطق قاحلة وفقيرة في أغلبها. ويقول خبراء إنه في بدايات عهد حافظ الأسد لم يكن التعليم متوافراً بالشكل الذي أصبح عليه لاحقاً وكانت المدارس قليلة للغاية في مناطق العلويين وكان الفقر سائداً ولم يكن أمام الأغلبية منهم إلا الانضمام إلى الجيش لتأمين المعيشة.

نازح سوري شاب يعود من المدرسة إلى مخيم نزوح مكتظ بالقرب من قرية قاح بالقرب من الحدود التركية في محافظة إدلب الشمالية الغربية، في 28 أكتوبر 2020،
يقول الخبراء إن الطائفة العلوية عانت من عمليات إفقار ممنهج طوال عقودصورة من: Ahmad al-ATRASH/AFP/Getty Images

ويشير خبراء تحدثت معهم DW عربية إلى أن الأسد الأب أبقى على هذا الوضع عن عمد حتى يجعل من العلويين رافداً للجيش والأمن لأنه إذا وفر لهم التعليم ومتطلبات الحياة سيحجم عدد كبير منهم عن الانضمام لقوات الأمن المختلفة، أي أنه أخذ الطائفة رهينة للنظام كما وصف أحد الخبراء. 

أيضاً، تخشى الطائفة العلوية من تهميشها سياسياً وعدم إدراجها في أي تسوية بعد الصراع، وهو أيضاً ما قد يشكل تهديداً على التماسك الاجتماعي ليس داخل مجتمع الطائفة وحسب وإنما قد ينتج عن ذلك توترات مع الفئات السورية الأخرى، ما يطرح تساؤلات جدية حول عملية المصالحة المجتمعية.

ويقول عدد من العلويين تحدثوا إلى واشنطن بوست إن الكثيرين من أبناء الطائفة كانوا مجرد موظفين في الحكومة القديمة "يقومون بعملهم فقط"، مضيفين أن أغلب الطائفة كانوا ”فقراء ومسالمين"، فيما قال أحدهم :”لا أحد يختار كيف يولد".

آفاق مستقبلية وأدوار محتملة

بحسب خبراء، فإنه يمكن للطائفة العلوية أن تلعب عدة أدوار حاسمة في مستقبل سوريا، منها على سبيل المثال لعب دور بناة الجسور، والانخراط في جهود المصالحة الوطنية. ويمكن لبعض القادة العلويين، ولاسيما أولئك الذين حافظوا على مسافة من النظام بل وحتى معارضي نظام الأسد التاريخيين منهم، أن يساعدوا في رأب الصدع بين مختلف الطوائف السورية.

أيضاً، راكم عدد كبير من أبناء الطائفة خبرات أمنية وعسكرية شديدة الأهمية وبالتالي فإنه من الممكن الاعتماد عليهم في إصلاح قطاع الأمن، إذ ستكون مشاركتهم حاسمة في أي تحول هادف في قطاع الأمن مع ضمان حماية مصالح طائفتهم.

وتستبعد الدكتورة منى غانم أن يشارك العلويون في عملية سياسية قادمة في ظل السلطة الحالية إلا بعد إقرار دستور جديد للبلاد والسماح بإنشاء الأحزاب. ويرى خبراء أن أبناء الطائفة بحكم أمور عدة يميلون إلى الانضمام أو تأسيس أحزاب مدنية أو علمانية قومية، كما أنه من شبه المستحيل أن ينضموا إلى أي أحزاب أخرى بسبب الشك الكبير في ولائهم حالياً .

ويتطلب وجود خارطة طريق للمستقبل، بحسب مجموعة الأزمات الدولية، تحقيق توازن دقيق بين الاعتراف بالأهمية التاريخية للطائفة العلوية مع ضمان حماية حقوق ومصالح الطوائف الأخرى على قدم المساواة. ويمكن أن يؤدي النجاح في هذا المسعى إلى تحويل الطائفة العلوية من مجرد "مؤيدين" للنظام السابق إلى مشاركين فاعلين في بناء سوريا أكثر شمولاً واستقراراً.

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.