الغرب ومصرـ بين المصالح الإستراتيجية وقيم الديمقراطية
١٠ فبراير ٢٠١١يواجه الغرب معضلة كبيرة في التعاطي مع الثورة المصرية تتجلى في صعوبة التوفيق بين مصالحه الإستراتيجية، بما فيها دعم حلفائه في الشرق الأوسط، وبين دعوات الإصلاح السياسي ونشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما قال إنها تقود سياسته في المنطقة. وفي حديث لدويتشه فيله أوضح غونتر ماير، مدير مركز دراسات العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية، أن موقف الغرب المتذبذب يعود لحجم مصر وموقعها الإستراتيجي.
وأضاف الباحث الألماني أن نظام الرئيس حسني مبارك لعب دور "صمام الأمان في الشرق الأوسط طوال ثلاثة عقود، كما أن مصر هي أول بلد عربي وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل ويتلقى مقابل ذلك دعما أمريكيا كبيرا".
وبدا أن الغرب لم يستوعب سريعا حجم الانتفاضة المصرية وظهر ذلك جليا في ما قالته هيلاري كلينتون في بداية الاحتجاجات حين وصفت حكومة مبارك بـ"المستقرة" قبل أن تشدد إدارة أوباما في لهجتها وتدعو إلى "انتقال منظم" للسلطة في مؤشر على شعور واشنطن بأن أيام مبارك باتت معدودة. إلا أن هذا الموقف سرعان ما شابه الغموض من جديد بعدما أعلن فرانك ويزنر، مبعوث الإدارة الأمريكية الخاص إلى مصر، بأنه لا يمكن الاستغناء عن مبارك في المرحلة الحالية.
دعم الديمقراطية بين القول والفعل
ويؤكد الخبير الألماني غونتر ماير أن هناك "تساؤلا مشروعا في العالم العربي حول ما إذا كان دعم الغرب للديمقراطية يقتصر على الكلام والتصريحات". ووصف المواقف المتناقضة الصادرة عن العواصم الغربية بـ "الكارثية"، في وقت يحذر فيه عدد من المراقبين من تعرض مصداقية الدول الغربية للضرر. ويعقد هؤلاء مقارنات بين غموض الموقف الأمريكي من الثورة المصرية وتعهد أوباما في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة عام 2009 بأن الولايات المتحدة تسعى للمزيد من الحريات السياسية في العالم الإسلامي.
إلا أن الصورة لا تبدو مع ذلك بهذه القتامة، فبالإضافة إلى تغطية وسائل الإعلام الغربية، التي أظهرت "الظلم والبطش" الذي يمارسه نظام مبارك. كما أن هناك تعاطفا كبيرا في المجتمع المدني والرأي العام الغربي بشكل عام مع المحتجين المصريين، وهو أثر بدوره في تصريحات عدد من الزعماء الغربيين كتصريحات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي "طالب برفع حالة الطوارئ فورا وانتقد بشدة تصريحات عمر سليمان حين قال إن مصر غير مستعدة للديمقراطية"، كما أوضح ماير غونتر.
لكن السرعة التي يتطور بها الوضع وتراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة كما يتضح ذلك في تعثر عملية السلام، جعلت إدارة أوباما تمشي على حبل مشدود يوقعها بالضرورة في التناقضات. ثم إن المساعدات العسكرية لمصر التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا مهمة لكنها لا تمثل إلا واحدا في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر مقارنة بعشرين في المائة عام 1980 وبالتالي فهي لا تمثل بالضرورة أداة ضغط كافية ضد نظام مبارك.
" السلام مع إسرائيل أساس السياسة الغربية في المنطقة"
تذبذب المواقف الغربية لها علاقة أيضا بالقلق على مستقبل السلام في المنطقة ككل والتي تشكل مصر أحد ركائزه الرئيسية، كما يوضح ذلك غونتر ماير بقوله "العمود الفقري للسياسة الغربية في المنطقة هو السلام بين إسرائيل ومصر، بمعنى آخر فإن أمن إسرائيل، وهذا ينطبق على وجهة النظر الألمانية أيضا، يتم ضمانه من خلال نظام مبارك".
وقد أعربت إسرائيل على أكثر من مستوى عن خشيتها من وصول نظام معاد إلى سدة الحكم في القاهرة يحل محل نظام الرئيس الحالي ما قد يشكل تهديدا لمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين منذ أكثر من ثلاثين عاما. وأشار معلقون إسرائيليون إلى تصريحات قيادات من جماعة الإخوان المسلمين من بينها عصام العريان الذي سأل عن مستقبل معاهدة السلام وأجاب "إن "الأمر متروك للشعب المصري".
إلا أن عددا من الخبراء يقللون من هذا الاحتمال على غرار عوزي إيلام الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي وهو مؤسسة فكرية إسرائيلية، الذي علق على هذا التخوف بقوله "أفترض أن النظام في مصر سيبقى على عقلانيته". ورغم أن السلام الإسرائيلي المصري يوصف بأنه "بارد"، إلا أنه مكن إسرائيل من تخفيف الضغط على طول جبهتها الحدودية الجنوبية مع مصر، فيما لا يزال التوتر سيد الموقف على الجبهتين الشمالية والشرقية مع لبنان وسوريا. وبهذا الصدد قال غونتر ماير "من الصعب توقع مستقبل معاهدة السلام بين البلدين، ولكن أعتقد أنه من غير المرجح أن يكون مصدر الخطر جماعة الإخوان لوحدها، فالعلاقة مع إسرائيل ينظر إليها بشكل نقدي من طرف كل الأحزاب في مصر، فالإخوان المسلمون ليسوا معزولين في هذا الموضوع".
جماعة الإخوان: خطر داهم أم مبالغة مقصودة؟
من السيناريوهات الأكثر تشاؤما التي تعتبرها الدوائر الغربية خطرا على مصالح الغرب، احتمال استيلاء جماعة الإخوان المسلمين على السلطة، خصوصا وأن لا أحد يعلم بالضبط تركيبة الحكم المقبل أمام ضعف المعارضة التقليدية وتشرذمها. وهذا معطى رئيسي في فهم صناعة القرار الغربي اتجاه الانتفاضة المصرية. إلا أن غونتر ماير حذر من إسقاط نموذج إيران الخمينية على ما يحدث في مصر "تصوير مصر كإيران جديدة هو ضرب من الهراء، فالوضع في إيران حين جاء الخميني إلى الحكم مغاير تماما، حيث لعب آيات الله الشيعة دورا أساسيا في حشد الجماهير وتأطيرها".
ويشدد الخبير الألماني في الشؤون المصرية على أن الإسلام السني مختلف في بنيته عن الإسلام الشيعي، وأشار إلى تطور جماعة الإخوان التي باتت أقل تطرفا من الماضي، رغم ظهور مجموعات متشددة أعلنت عن نفسها بعمليات إرهابية ضد السياح وضد آخرين. ويعرب ماير عن اعتقاده بأن "الغالبية العظمى من المصريين تقف ضد الإسلام المتطرف منذ مقتل ستين سائحا في الأقصر وما تبع ذلك من تداعيات كارثية على الاقتصاد المصري. بمعنى آخر فهذه المجموعات المتطرفة لا تلقى دعما من طرف الشعب المصري".
ويبدو أن بعض الدوائر الغربية باتت تفكر في تجاوز المعادلة الكلاسيكية التي تختزل التعاطي مع الأنظمة العربية انطلاقا من خيارين لا ثالث لهما: القبول بنظام أمني يضمن الاستقرار أو ظهور نظام معاد ومتطرف. وبهذا الصدد أوضح غونتر ماير "نعرف من تسريبات وكيليكس أن عمر سليمان كان يضخم خطر الإخوان المسلمين لدرجة أن الأمر فقد مصداقيته في الولايات المتحدة، وكان التلويح بهذا الخطر من أدوات مبارك للحصول على دعم الغرب".
حسن زنيند
مراجعة: أحمد حسو