الغلاء والبطالة يقفان عائقاً أمام زواج الشباب في الأردن
١٩ أغسطس ٢٠١١ستة وتسعين ألف فتاة فوق سن الثلاثين لم تتزوج بعد في الأردن، حيث تراجعت مكانة الزواج بالنسبة لجزء متنام من الشباب الأردني ، ويرى ممدوح عبد المهدي الذي أصبح على مشارف العقد الرابع من عمره دون أن يتزوج أن الشاب في المجتمع الأردني يتحمل كافة تكاليف الزواج وحده وأن "لديه الكثير من الالتزامات الأخرى التي ترهقه مادياً ونفسياً".
ويعزو ممدوح أسباب العزوف عن الزواج إلى غلاء المعيشة بشكل عام وتدني القوة الشرائية للعملة الوطنية ويشير إلى أن العالم الرقمي حالياً سبب جديد لتأخر سن الزواج ويشير في هذا الإطار إلى التعارف عن طريق الانترنت الذي سهل العلاقات بين الشباب حيث "أصبحت هناك علاقات بين الجنسين خارج إطار العقد الشرعي للزواج".
ويعبر ممدوح عن أسفه لمبالغة الكثير من الآباء والأمهات في المهور ومتطلبات الزواج، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الذهب بشكل جنوني في الآونة الأخيرة.
ارتفاع أسعار الذهب.. عبء إضافي على الشباب في الأردن
ويُعد شراء الذهب للعروس في المجتمع الأردني جزءا أساسيا من المهر لإتمام عملية الزواج وفي هذا السياق، يؤكد بلال الشويكي وهو صاحب محل مجوهرات في عمان، في حوار مع دويتشه فيله، أن ارتفاع أسعار الذهب سبب ركودا كبيرا في قطاع بيع المجوهرات في الأردن حيث يتعذر على الشاب شراء متطلبات خطيبته من الذهب خاصة وأن الدخل ثابت والأسعار متغيرة نحو الارتفاع، ويشير إلى أن شراء الذهب انحصر في الطبقة الغنية من المجتمع.
ويقول الشويكي إن بعض الشباب يأتي للمحل قبل إحضار خطيبته وأهلها ويتفق معه على عرض القطع ذات الوزن الخفيف والرخيصة حتى لا يتعرض للإحراج.
كما يؤكد عبد الرحمن نعيم وهو صاحب محل ملابس في حوار مع دويتشه فيله أن غلاء الأسعار انعكس سلبا أيضا على قطاع الملابس خاصة ما يتعلق بتجهيز العروس ويؤكد أن القدرة الشرائية انخفضت بشكل ملفت عما كانت عليه في السابق.
ويقول نعيم إن أعداد المقبلين على الزواج في انخفاض مستمر وأن هذا يظهر بجلاء من انخفاض نسب زبائنه الذين يأتون لتجهيز العروس.
أسباب كثيرة خفية وراء تأخر الزواج
ويرى الأكاديمي والإعلامي الدكتور حسين محادين أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة أن تأخر سن الزواج خصوصا لدى الشباب المتعلم من الجنسين منطقي بالظاهر للوهلة الأولى ولكن هناك عوامل محددة تقف وراءه من منظور علم اجتماع الأسرة كالتغيرات المتسارعة التي يمر بها المجتمع الأردني نحو التغريب والقيم المبثوثة بقوة عبر ثورة الاتصالات وحرية السوق والخصخصة مرورا بتدني الكثافة الدينية ووصولا إلى تسيد القيم الفردية.
ويضيف الدكتور محادين أن الرجل في الأردن لم يعد بوسعه توفير تكاليف الزواج في ظل ارتفاع نسب البطالة بالإضافة إلى عدد السنوات التي يستنفذها في إتمام دراسته ثم البحث لسنوات عديدة عن عمل وانتظار توفيره للمهر العالي المطلوب.
"المهر متطلب أساسي للزواج آخذ في الارتفاع بشكل لافت"
ويشير الدكتور حسين محادين إلى تراجع مساعدة بعض الأهل الميسورين لأبنائهم ماديا لغايات إتمام متطلبات الزواج ويقول إن متوسط عدد الأبناء في الأسرة الأردنية بحدود خمسة أبناء ما يتعذر معه دوام مثل هذه الفرص المساندة لاستمرار عمليات الزواج كضرورة إنسانية في مجتمع عربي مسلم تختلف نظرته وممارساته بخصوص الزواج ومكانة الأسرة وأهميتها ثقافيا وسلوكيا عن المجتمعات الغربية.
ويستطرد الدكتور محادين قائلاً إن المهر متطلب مادي أساس للزواج في ثقافة المجتمع الأردني وأنه تغير بالاتجاه السلبي جراء تفشي القيم المادية وأخذ في الارتفاع بشكل لافت في العقد الأخير إلى حد تعذر معه توفيره بالنسبة لكثير من الشباب الأردني، ما أسهم في ارتفاع نسب العازفين عن الزواج.
"التعارف الالكتروني وتجارة الجنس.. من أسباب العزوف عن الزواج"
ويعزو أسباب التأخر في سن الزواج أيضا إلى انتشار وسائل التكنولوجيا لاسيما البصرية، كالانترنت و"انخفاض أسعار السي دي الحاوي للموضوعات الجنسية المختلفة" ، كما يعزو ذلك أيضا "لتواجد مؤسسات تقدم خدمات موازية للزواج ودون تحمل الشباب لتبعات مادية مرتفعة لمثل ذلك، كالتعارف وأحيانا تجارة الجنس ولو في الظل".
ويقول الدكتور حسين محادين إن هناك إصرارا من قبل الأهل على تحقيق شرط الذهب وبقيم عالية كجزء أساس من المهر لإتمام عملية الزواج ،الأمر الذي أصبح تحقيقه وضبطه بسبب تقلبات أسعار الذهب يوميا متعذرا ، ما أسهم في ابتعاد الشباب عن الزواج الشرعي خصوصا في المدن الكبرى.
أين دور الأسر والكنيسة والمسجد والجامعات ووسائل الإعلام؟
ويضيف الدكتور محادين أن ما تشير إليه بعض الإحصاءات الشرعية بأن أعلى نسب حالات الطلاق تقع في السنتين الأوليتين من الزواج وكذلك ارتفاع نسب العنف الأسري في الأسرة الأردنية من الأمور التي أسهمت في تقليل أعداد المقبلين على الزواج داعيا في هذا السياق إلى إطلاق حملة للتوعية بأهمية زواج الشباب وضرورة تيسيره بدءا من الأسر نفسها مرورا بالكنيسة والمسجد والجامعات ووسائل الإعلام المختلفة ويعتبر أن ذلك سيحافظ على "منظومة العفة والانضباط الأخلاقي وسيسهم في تقليل نسب الانحراف الآخذة في الازدياد عموما".
محمد العناسوة – عمان
مراجعة: سمر كرم