الغنوشي لـ DW: تونس تحتاج لمشروع مارشال أيضاً
٢٨ يناير ٢٠١٨يتحدث رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية راشد الغنوشي في حوار حصري، أجرته معه DW على هامش مشاركته في منتدى دافوس عن التوافق السياسي الذي أنقذ التجربة التونسية من مصير مماثل لمصير دول الربيع العربي، وعن تعثر ملف العدالة الانتقالية في البلاد. ويتطرق في هذا الحوار إلى ظاهرة تصدر التونسيين، مقارنة بعدد سكان البلاد، عدد الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية، والدعم الأوروبي المطلوب للقضاء عليها:
DW: بعد ثلاثة أعوام من تجربة تقاسم السلطة بين حزبي النهضة وحزب "نداء تونس" لا تظهر كثيراً ملامح رؤية مشتركة لدى الحزبين بقدر ما يعتمد الائتلاف على التفاهم الشخصي بينكم وبين الرئيس الباجي قايد السبسي.. كثير من المحللين يعتقدون أن المستقبل غامض يسود هذا الائتلاف؟
راشد الغنوشي: العلاقة مع "نداء تونس"، علاقة مهمة، لأنها صنعت استقراراً في البلاد وصنعت سياسة التوافق التي أنقذت التجربة التونسية من مصير مماثل لمصير دول الربيع العربي. لذلك في تقديرينا فإن الإبقاء على هذه العلاقة فيه مصلحة. وعلاقتنا مع نداء تونس عادية، بل جيدة. وتقديرنا أن هذه العلاقة ستستمر، ففيها مصلحة للطرفين ومصلحة لتونس.
وإذا أردنا التبسيط، يمكن القول إن هذه العلاقة تشبه تلك العلاقة بين الحزبين الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي في ألمانيا.
ماذا يطبع هذه العلاقة؟
التوافق لا يقتصر على نداء تونس والنهضة، وهما الحزبان الكبيران، وإنما يشمل أحزاباً أخرى، أحزاباً أصغر، بعضها خرج من التوافق وبعضها لايزال فيه. وكذلك يشمل عدداً من المنظمات الاجتماعية، كمركز الإتحاد العام التونسي للشغل واتحاد التجارة والصناعة واتحاد الفلاحين والاتحاد النسائي. لذلك فإن نظام الحكم في تونس يقوم على أرضية صلبة، أرضية سياسية واجتماعية.
لماذا تعثر ملف العدالة الانتقالية.. وتعثرت مسيرة هيئة الحقيقة والكرامة ولم يحدث تقدم في معالجة ملفات الانتهاكات التاريخية لحقوق الإنسان الذي يعد محوراً رئيسياً في الانتقال الديمقراطي بالبلد.. هل أن ضحايا الدكتاتورية يدفعون ثمن توافق حزبي النهضة ونداء تونس؟
مؤسسة العدالة الانتقالية هي مؤسسة مهمة باعتبارها استحقاقاً من استحقاقات الثورة ومعالجة لمظالم الماضي، دون اللجوء إلى العنف وإنما استقصاء الحقائق حول ما جرى من مظالم والتعويض للضحايا. مؤسسة العدالة الانتقالية تكونت في عهد الترويكا (المحرر: ثلاثي أحزاب النهضة و"المؤتمر من أجل الجمهورية" - حزب الرئيس السابق الدكتور منصف المرزوقي- و"التكتل الديمقراطي" بزعامة رئيس المجلس التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر). وكانت هناك وزارة (المحرر: وزارة حقوق الإنسان التي تولاها القيادي في حزب النهضة سمير ديلو)، أشرفت على تأسيس هذه المؤسسة. واليوم رغم الصعوبات تواصل هذه المؤسسة عملها في جمع الحقائق حول الماضي والاستماع للضحايا على أمل تنظيف جروح الماضي والانطلاق إلى المستقبل متخففين من أثقال الماضي.
لماذا يتطلب ذلك كل هذه الفترة الطويلة؟ لماذا لا يتم ذلك على نحو أسرع؟
لأن الماضي مثقل بالحوادث والجرائم والمدة طويلة. فنحن نتحدث عن تاريخ يزيد عن نصف قرن. فتصفية وكشف ملفات الماضي ليست بالأمر اليسير. ولا أدري هل استغرق لديكم في ألمانيا أيضاً وقت أطول للكشف عن الجرائم التي حدثت قبل سقوط جدار برلين. فنحن نتحدث عن نصف قرن.
تعتبر تونس في نظر الكثيرين، البلد الأول مقارنة بعدد سكانها في تصدير الإرهابيين إلى الخارج وخصوصاً إلى ما يعرف بـ "تنظيم الدولة الإسلامية". لماذا؟ أين أخفقتم كنخبة سياسية وكحكومة أنتم تشاركون فيها منذ انهيار النظام القديم؟ ما هي خططكم لإعادة تأهيلهم؟
التحاق شباب تونسي بمواقع القتال في سوريا وليبيا وقبلها في أفغانستان، ليست ظاهرة من منتوج الثورة، وإنما هو منتوج العهد الديكتاتوري. فنظام بنعلي، كنظام القذافي وكنظام صدام وكنظام مبارك ونظام الأسد، أنتجوا الإرهاب، لذلك في تقديرنا أن ما يحصل في تونس الآن هو البديل عن الإرهاب. فهؤلاء الشباب ليسوا نتاج ست سنوات من الثورة، وإنما هم منتوج العهد القديم. تونس الثورة لا يمكنها أن تربي إرهابيين، فهؤلاء بقايا العهد القديم.
هل هي مسألة وقت حتى يتم حل هذه المشكلة؟
نعم هو كذلك. العهد الديمقراطي في تونس لا ينتج الإرهاب. ملاحظة هنا أيضاً، وهي أنه لا يزال هناك تهميش، لذلك فإن هؤلاء الشباب يتواجدون في المناطق الأقل نمواً. وهذا أيضاً من مخلفات الديكتاتورية التي قسمت البلاد إلى قسم نامي وقسم لم يصل إلى مرحلة النمو. لذلك في تقديرينا، فإن تنمية تونس ونشر التنمية الجهوية لن يترك مجالاً لنشوء هذه الظاهرة.
ولكنك ماتزال تظن أن هذه مشكلة كبيرة؟
المشكل هو أن الثورة نجحت في إقامة مؤسسات ديمقراطية، لكنها لم تنجح حتى الآن في تحقيق الهدف الآخر من الثورة وهو العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية الجهوية، وتحقيق حياة لائقة بالبشر، لذلك مازال الشباب في تونس يحتجون، لأنهم بعد ست سنوات من الثورة لم يروا أن حياتهم الاجتماعية قد تغيرت.
ونحن لدينا برنامجا لتنمية البلاد، ينطلق من إصلاح النظام الاقتصادي. فكما احتاج النظام السياسي لإصلاحات، يحتاج النظام الاقتصادي أيضاً لإصلاحات كبيرة، حتى نتمكن من تفعيل اقتصادنا، ونكون بيئة ملائمة لاستقبال الاستثمار وتشجيعه.
هل تريدون دعماً مالياً أكبر من الغرب للمساعدة في تحقيق هذا التحول الاقتصادي؟
بالتأكيد، نحن نريد دعماً من الديمقراطيات الغربية، لأن هذه الديمقراطيات تحارب معنا الإرهاب. والحرب على الإرهاب تقتضي الحرب على سبب أساسي من أسبابه وهو ضعف التنمية والفقر. نحن نقدر عالياً ما تقوم به ألمانيا تجاه تونس بعد الثورة من دعم لمشاريع التنمية. ونأمل في أن يكون ذلك بشكل أشمل.
الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تتم بالسلاح فقط، وإنما بالاستثمار في الديمقراطية في العالم العربي وتشجيع القوى الديمقراطية بدل تشجيع الديكتاتوريات.
هل يمكنك تحديد رقماً معيناً أو تقديرات لذلك؟
عند سقوط جدار برلين انتقلت أوروبا الديمقراطية بقيادة ألمانيا إلى تنمية أوروبا الشرقية، وبالتالي نشأ الاتحاد الأوروبي، تونس تحتاج إلى شيء من هذا النوع، فهي تحتاج إلى ما يشبه مشروع مارشال.
نحن نطمح لعالم يسوده السلام، وتسوده العدالة بين الشعوب وبين الأمم، وتسوده الديمقراطية، لذلك نسعى إلى علاقات تبادل نافع بيننا وبين كل الدول، فنحن نريد تشجيع السلم في منطقتنا والعالم، والتعاون في محاربة الإرهاب وتشجيع التنمية والتبادل الحر. ولا نريد أي مشاكل مع كل الدول.
من هم الشركاء الذين ترغبون في العمل معهم بشكل وثيق؟
كل من هو مستعد للتعاون معنا، فنحن نرحب بذلك.
لماذا جئتم للمشاركة في هذا المنتدى؟
حتى نجري مثل هذا اللقاء، وحتى نتعرف على ما يجري في العالم. فهذا المنتدى يجمع اقتصاديين وسياسيين ومفكرين وإعلاميين. ونحن استفدنا من وجودنا هنا بلقاء إعلاميين من كل الجنسيات، كذلك اللقاء مع رؤساء شركات وبنوك وسياسيين، منهم أيضاً من أتى من العالم العربي والإسلامي. فهذا المنتدى هو نادي للتعارف، وهو مهم جداً.
أجرت الحوار: مانويلا كاسبير كلاريدج