الكنيسة السيستينية روعة في الجمال وتجسيد لرسوم فريدة وجريئة
عندما دخل الفنان الشاب ميشيل أنجيلو إلى الكنيسة البابوية، حاملا ريشته وألوانه في يده وفكرة لوحتيه " يوم القيامة" و"الخلق" في مخيلته، لم يكن يعرف أنها ستحتل جدران أكثر الأمكنة قدسية في العالم. ولا شك أن رسومات الفنان بين أعوام 1508 و 1512 تعتبر من أجمل الأعمال الفنية في عصر النهضة. فجمال ألوانها وروعة إخراجها وتصويرها لحدث ميلاد البشرية تعبّر بوضوح عن إحساسه العميق والمرهف بروح الفن. ويمثل هذا العمل الذي تحمل صوره مجسمات للملائكة والرسل إلى جانب عذارى جميلات، يمثل مراسم اختيار الكرادلة تحت حماية الإرادة الآلهية للبابا الجديد.
هياكل وصور في منتهى الدقة
شُيدت الكنيسة السيستينية بين أعوام 1477 و 1482، وذلك حسب رغبة البابا سيستوس الرابع، ولذا سميت أيضا "بالكنيسة السيستينية". وجاءت فكرة تصميم الكنيسة على غرار قصر الملك سالومون البالغ طوله 40.5 مترا وعرضه 13.2 مترا. وتُضفي نقوشات خطّها عدد من الفنانين الذين عاشوا في عصر النهضة الجمال على جدرانها. ومن هؤلاء الفنانين كان بوتيشيلي وبيروجينو وبالطبع ميشيل انجيلو.
وكانت هذه الكنيسة في البداية مزينة برسومات بسيطة للفنان بيير ماتيو دي أميليا، إلى أن جاء البابا يوليوس الثاني وألقى على عاتق الفنان الشاب ميشيل انجيلو (1475 – 1564) مهمة طبع لمساته الفنية على سقف قبة الكنيسة وتزيينها بنقوش مأكولات فاخرة. وبالفعل نجح الفنان البارع، وبدقة متناهية في العمل في تشكيل 391 مجسما في غرفة الهياكل وتسع صور من مشاهد قصة الخلق والعديد من المجسمات العارية لرموز بابوية. ومن أجل إنجاز هذا العمل الدقيق كان على ميشيل انجيلو العمل مستلقيا على ظهره مدة أربعة سنوات متواصلة، الأمر الذي أفقده بصره جزئيا بسبب تساقط الألوان في عينيه أثناء العمل.
القبلة نحو الشرق
استعان ميشيل انجيلو ـ عن قصد أو غير قصد ـ بالطقوس الشمسية القديمة التي امتزجت بالديانة المسيحية. ويقوم هذا الاعتقاد على توقع قدوم المسيح من الشرق يوم القيامة كما هو عليه الحال لدى الشمس. ولذلك فأن الهياكل الكنسية تكون في العادة موجهة نحو الشرق. أما جهنم فنجدها في لوحات انجيلو على الجانب الأيمن، وذلك على خلاف لوحات العصور الوسطى الذي تبرز بشكل أساسي لمحات اللعنة ولهيب النار وتجسد العذاب والسيئات.
تصوير الإسنان كما هو عليه
في حين جسّد الكثير من الفنانين والرسامين الأرواح في يوم القيامة بالملابس المتعارف عليها كرهبان أو ملوك أو مواطنين، كانت أجساد شخصيات ميشيل انجيلو عارية، وكان هناك مجموعة واحدة يمكن التعرف عليها، ألا وهي مجموعة الأولياء. وهنا يقف الإنسان أمام الله كما هو وليس كما يُحب أو يشتهي.
ولم يخلُ هذا التصوير من الانتقاد، فقد رأى رئيس التشريفات بياغيو دا سيزينا أن "هذا العرض للكثير من الأجساد العارية والتي تظهر عوراتها في مكان عفيف ككنيسة البابا لا يليق به، وإنما بحمام أو خمارة." وفي العام 1564 تم القيام بتغطية بعض المجسمات بقطع من القماش. لكن وبعد عملية الترميم عادت الأجساد العارية إلى أمكنتها، إضافة إلى الألوان الخلابة للنقوش لترى النور من جديد بعد أن غطاها الغبار والصدأ على مدى مئات السنين.