اللاجئون من إدلب وإليها.. التعلق بآخر قشة
٢٢ سبتمبر ٢٠١٨عبد المجيد الحلبي لا يرى أخته فاطمة إلا عبر فيديوهات واتسآب. عاد الإنترنيت-على غير عادته- للعمل من جديد. أولادها يحيطون بها وهم جالسون جميعهم على الأرض، وتبدو فاطمة متعبة. "ضربت هجمات جوية المكان. والصغير أصابه شيء منها. هل بإمكانك أن تراه؟ تسأل شقيقها". ثم تردف: "الحمد لله أن الإصابة كانت طفيفة".
وتعيش فاطمة في قرية بالقرب من إدلب، وأخوها عبد المجيد في مدينة الريحانية الصغيرة على الجانب التركي من الحدود. فرّ إلى تلك المدينة قبل ست سنوات، بينما ظلت أخته في سوريا. ويقول عبد المجيد: "بيتها تعرض للقصف وهربت مع أطفالها إلى قرية والدينا. لكن جحيم القصف طال ذلك المكان أيضاً. لم تكن تعتقد فاطمة أن الحرب ستطول".
الخوف على الأقارب
عبد المجيد يعيش مع زوجته وخمسة أطفال في مخيم للاجئين غير قانوني، لكن السلطات التركية تغض الطرف عنه. ويقول عبد المجيد: "نحن نعيش هنا، لأنه ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه. يجب عليك أن تزوري المكان في الشتاء حين تكون الأرض غارقة في الوحل والبرد قارس. إنها حياة جد قاسية".
لكن عبد المجيد وعائلته يعيشون على الأقل في أمان. فبعد سبع سنوات من الحرب استعدت القوات الحكومية السورية وحلفاؤها الروس لشن الهجوم الحاسم للسيطرة على إدلب. وهذه المحافظة في شمال غرب سوريا هي معقل المتمردين الأخير. غير أنه وقبل بضعة أيام توصلت روسيا وتركيا لاتفاق أوقف الهجوم المرتقب، على الأقل إلى حين.
ويعيش في إدلب من ثلاثة إلى أربعة ملايين من المدنيين، ولا أحد يعرف العدد الحقيقي. ونحو نصف قاطني المحافظة هم من المهجرين من أجزاء أخرى في سوريا. وبالنسبة إليهم فإن إدلب هي الأمل الأخير.
أزمة اللاجئين خلف الحدود
تركيا أغلقت قبل ثلاث سنوات حدودها مع سوريا وشيدت جداراً إسمنتياً بطول 800 كلم "لوقف الإرهابيين والمهربين"، كما ذكرت. ومنذ تلك اللحظة لم تعد تركيا تستقبل رسمياً المزيد من اللاجئين. وأكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا اليوم. "تجاوزنا منذ مدة إمكانياتنا المتاحة"، كما حذر منذ فترة قصيرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
معاني إغلاق الحدود يمكن معرفته انطلاقاً من الهضبات المحيطة بالريحانية، فخلف الجدار التركي على الجانب السوري تصطف الخيام الواحدة بجانب الأخرى. إنه مخيم لاجئين تقوم منظمات الإغاثة التركية بمد يد العون لقاطنيه. والحاجة تزداد مع هرب آلاف اللاجئين الإضافيين مع كل بوادر هجوم عسكري جديد. ويقول موظفو إغاثة إن أكثر من 700.000 شخص يعيشون هناك.
الرفع من حجم المساعدة الإنسانية
وحتى قادر أكغوندوز وفريقه من الهلال الأحمر التركي زادوا من حجم المساعدات في الأسابيع الماضية لإدلب. الآلاف من صناديق المواد الغذائية والمنظفات وألعاب الأطفال والأحذية والألبسة يدخلونها عدة مرات في الأسبوع إلى سوريا. ويقول أكغوندوز الذي يسهر على تنسيق التدخلات الإنسانية لمنظمته: "فقط في محافظة إدلب يوجد في المجموع 400 مخيم للاجئين"، مردفاً أن "الناس فقدوا كل شيء: بيوتهم وممتلكاتهم. وهم يصارعون اليوم من أجل البقاء. ويضاف إلى كل ذلك الصدمات النفسية والخوف".
والاتفاق الأخير بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يراه أكغوندوز نجاحاً. في بداية الأسبوع اتفق الرئيسان على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في منطقة إدلب حتى الـ 15 من تشرين الاول/أكتوبر. تم الاتفاق على أن تفصل تلك المنطقة بين مناطق المعارضة المسلحة وجيش النظام وتكون بعرض 15 حتى 20 كلم. وسيسهر جنود أتراك والشرطة العسكرية الروسية على تأمين ومراقبة تلك المنطقة. وقال أكغوندوز: "من المهم أن تصمت المدافع وأن يتحسن الوضع الأمني. فهذا سيسهل علينا كثيراً العمل".
تفادي حمام دم؟
ويشمل اتفاق اردوغان بوتين أيضاً "انسحاب المقاتلين لاسيما من جبهة النصرة. ولا تتضح معالم هذا الانسحاب وهل المقاتلون سيتجاوبون مع ذلك. فهذا الاتفاق يترك عدة أسئلة بلا أجوبة وحتى تفاصيل تنفيذه غير معروفة. ورئيس الدولة التركي يحتفي بالاتفاق كانتصار دبلوماسي. "لقد نجحنا في تفادي كارثة إنسانية"، قال أردوغان عقب لقاءه مع بوتين.
يعتبر قاطنو مخيم اللاجئين أردوغان بطلاً. "هذه بالطبع ليست نهاية الحرب. ولكن عندما تكون على وشك الموت غرقاً فإنك تتعلق بأي قشة"، يقول عبد المجيد الذي يضيف "على الأقل يتوقف الآن القتل ـ أتمنى ذلك".
وكيفما سيكون عليه الحال في إدلب يأمل عبد المجيد في أن يرى مجدداً أخته فاطمة وجهاً لوجه، وليس فقط عبر الهاتف النقال.
يوليا هان/ م.أ.م