المرأة الألمانية في الخمسينيات: كفاح طويل في سبيل المساواة مع الرجل
٨ مايو ٢٠٠٧بعد الحرب العالمية الثانية رزحت ألمانيا تحت حمل ثقيل. دمار وخراب في كل مكان، وقلوب محطمة تحت كل سقف. نساء ناحبات تبكي أزواجهن، تحمل أطفالهن وتحاول لملمة ما خلفته الحرب البائسة. ورغم ذلك استطاعت المراة أن تنفض غبار الدمار وتساهم في حركة الاعمار لينهض المجتمع بكل مقوماته.
وتقول إحصائية أجريت عام 1950 إن في مقابل كل 100 مرأة من الفئة العمرية 25 – 45 هناك 77 رجلا فقط. معظم الرجال كانوا على المرابض القتالية، ومن عاد منهم رجع وعلى جسمه اثار الحرب الدامية. فكان على المراة ان تحمل عبئا ثقيلا ولكن هذا لم يزيدها ضعفا بل أضعافا من القوة. فقد انخرطت في مجال العمل، وكانت تعمل اعمالا تخص الرجال عادة، فشاركت في البناء وعملت أيضا في المصانع. لكنها للأسف كانت تتقاضى 40 بالمائة من ما يتقاضاه الرجل على الأكثر. في ذلك الوقت، عملت النساء كمساعدات وليس كمتخصصات لانه لم يكن يحق للمراة الانخراط في مدرسة تعليمية تخولها نيل شهادة في الاختصاص الذي تبغيه لان بحسب المفهوم القديم الذي ساد آنذاك فإن المرأة ينقصها التصميم والموضوعية.
"المرأة نصف إنسان"
عانت المرأة الألمانية في فترة حكم النازية الأمرين، فقد كان الرأي الشائع آنذاك أن الأم فقط هي امرأة صالحة، أما غير المتزوجات أو النساء الوحيدات فكن يعتبرن ناقصات. وفي ذلك الوقت لم يكن هناك عدد كافي من الرجال. فبعد الحرب لم يتسن للنساء الزواج لذا بقيت كثير من النساء عانسات بدون ازواج. كانت المراة في حاجة الى رجل الى جانبها. ففي حال عدم توفر الزوج كانت سلطة الاب او الاخ هي المهيمنة. فان حصلت المراة على عمل فعليها اخذ الموافقة من الزوج او الاب.
وفي فترة الخمسينيات كانت العلاقات الغرامية خارج مؤسسة الزواج واقعة تحت طائلة القانون، كما مُنعت النساء من استقبال أي زيارات من قبل رجال أغراب، وتهددت المؤجر تهمة القوادة إذا تم ضبط رجال في غرف المستأجرات. أما الإجهاض فقد كان ممنوعا منعا باتا وكان يكلف المراة حياتها. مما أدى الى وفاة 10،000 امراة بسبب لجوئهن إلى الإجهاض. يذكر أن عقوبة الإجهاض في فترة حكم النازية كانت الإعدام.
"اصرخِ بصوت خافت حتى لا يسمعك احد"
مع ان دستور عام 1949 نص في البند الثالث على أن "الرجل والمرأة متساويان في الحقوق" إلا أن تأثيره كان ضعيفا على المجتمع. فلم يسمح أن تلبس النساء آنذاك السروال الطويل كالرجل، مع ان احدا لم يمنع الرجل من ارتداء لباس التنورة. وفي عام 1954 أجرى معهد الينسباخر استطلاعا للرأي جاءت نتيجته دالة على المناخ الاجتماعي آنذاك، فقد قالت الأغلبية من الرجال والنساء على حد سواء إن الرجال لا تقع على عاتقهم مسؤولية المساعدة في الأمور المنزلية. وكانت النتيجة أن تخلت النساء عن أماكن عملهن وعدن إلى المنزل. لذلك لم يكن غريبا أن تهمل النقابات العمالية الدفاع عن دعم حضانات الأطفال، فما الحاجة إليها والأم موجودة في المنزل.
لم تكن الحياة الزوجية في فترة الخمسينيات استثناء عن القاعدة، فقد كانت مقاليدها تقع بأكملها في يد الرجل، وشهدت تلك الفترة تعرض زوجات وأطفال إلى الاغتصاب وإساءة المعاملة من قبل أزواجهن أو آبائهم، وكانت الجملة الشائعة على لسان الرجال آنذاك هي "اصرخِ بصوت خافت حتى لا يسمعك احد". وكان امتناع المرأة عن ممارسة الجنس مع زوجها سبب كاف للطلاق.
بعد هذا العرض يصعب علينا مقارنة وضع المرأة اليوم بوضعها في فترة الخمسينات. فالحقوق التي تحظى بها المرأة اليوم ليست وليدة اعتراف متأخر بها، وإنما ثمرة كفاح طويل لا يزال مستمرا. ومن يدري، ربما تحسن حال المرأة في الخمسينات لو كانت بدأت كفاحها مبكرا.