المرشح لرئاسة ألمانيا - شخصية متوازنة في زمن الاضطرابات
١٤ نوفمبر ٢٠١٦التوافق بين الأحزاب الألمانية يسير بشكل حثيث نحو إعطاء ضوء أخضر لوصول وزير الخارجية الحالي فرانك-فالتر شتاينماير إلى قصر الرئاسة "بيلفو Bellevue" في برلين، بعد أن يتم ترشيحه رسمياً يوم الأربعاء المقبل، ليخلف الرئيس يواكيم غاوك (76 عاما) القس السابق من ألمانيا الشرقية السابقة الذي يتنحى بسبب سنه.
شتاينماير الذي وصفت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خطوة ترشيحه بأنها "عقلانية"، كان قد شغل منصب وزير الخارجية في ألمانيا مرتين في العام 2005 وحتى العام 2009 ثم عاد ليتسلم الحقيبة نفسها بعد انتخابات العام 2013.
السياسي الألماني البالغ من العمر ستين عاماً، ينحدر من مدينة دتمولد القريبة من بيليفيلد الواقعة في ولاية شمال الراين - فستفاليا غرب ألمانيا، كما أنه ينتمي للحزب الديمقراطي الإشتراكي الألماني "SPD" منذ العام 1975 عندما كان طالباً، وشغل عدة مناصب خلال عمله السياسي أبرزها نائب ميركل بين العامين 1999 و2005.
درس شتاينماير القانون ثم العلوم السياسية وحصل على شهادة الدكتوراه في موضوع عن تدخل الدولة في حماية المشردين ومنع التشرد، وربما ساهم هذا في بلورة مواقفه القوية والواضحة لجهة دعم قضية اللاجئين في ألمانيا، حيث من المتوقع أن تكون هذه القضية داخلياً من أبرز التحديات التي قد تواجهه في حال وصوله إلى سدة الرئاسة.
مؤيد دون كلل لقضايا اللاجئين
لم يترك الرئيس المقبل أي فرصة تمر دون أن يعبر عن تأييده لسياسة ميركل في استقبال اللاجئين، حتى أنه ذهب أبعد من ذلك بعد تصريح المستشارة الألمانية بأن سياستها في الاستقبال ربما كانت خاطئة، حيث أكد في أكثر من تصريح على أن هذه السياسة يجب أن تستمر، معتبراً أنه لاحتواء هذه الأزمة يجب أن يتم حل المشكلة في البلدان التي تصدر اللاجئين، أي إنهاء الأزمات بشكل سريع.
مواقف المرشح المتوقع للرئاسة في ألمانيا من اللاجئين، دعمت بالأفعال، إذ تعددت نشاطاته، بين لقاءات مع لاجئين سوريين في ألمانيا وخارجها مثلا بالأردن ولبنان وتركيا، ومشاركتهم فعالياتهم، ومناسباتهم الدينية والاجتماعية، داعياً لإنقاذ اللاجئين من تجار البشر والعمل مع دول أوروبا وتركيا للحد من تلاعبهم باللاجئين.
هذه التصريحات أرخت بظلالها على موقف شتاينماير من الأزمة السورية، إذ لم يترك وزير الخارجية الحالي أي مناسبة دون أن يدعو لحل الأزمة السورية بطرق سلمية، حيث كان من أشد الداعمين للهدنة الروسية الأميركية لوقف الأعمال القتالية في شمال سوريا خلال شهر سبتمبر/ أيلول 2016، حيث قال في لقاء سابق معDW: "علينا أن نساعد على خلق ظروف تدفع الناس إلى البقاء في بلدانهم وعدم مغادرتها، علينا أن نساعد على حل الأزمات وإنهاء الصراعات والحروب الأهلية في شمال إفريقيا وسوريا، وهي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء موجة النزوح التي نشهدها الآن".
التوزان في الزمن الصعب
الدبلوماسي الألماني المخضرم أخذ عدة مواقف متوازنة مما يجري في العالم، ومنها اعترافه بضرورة عودة الدب الروسي كقوة فاعلة في السياسة العالمية، حيث قال في عدة مناسبات "نحن نحتاج روسيا لنتجاوز بؤر الأزمات الدولية الكبرى على سبيل الأزمة في سوريا وليبيا"، في حين لفت محللون إلى أنه ومع شتاينماير ستحظى ألمانيا برئيس أكثر مرونة من المستشارة ميركل "اتجاه روسيا".
شتاينماير في حال دخل القصر الرئاسي الأربعاء المقبل سيكون أحد أكثر السياسيين انتقاداً لوصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في أميركا، حيث عبر عن ذلك صراحة في مناسباتٍ عدة قائلاً إن نتخاب ترامب يعتبر "أمراً مرعباً للعالم"، محذراً من أن العلاقات بين ضفتي الأطلسي ستصبح "أكثر صعوبة".
لشتاينماير دورٌ بارز في السياسة الداخلية الألمانية رغم بروزه في وزارة الخارجية، إذ عُرف بقربه من غيرهارد شرودر الذي عينه مستشارا أول له خلال رئاسته للحكومة الألمانية، واشتهر بدوره في إعداد الإصلاحات الاقتصادية والصحية والضريبية الشاملة التي نفذتها حكومتا شرودر الأولى والثانية خلال 1998-2005، كما أصدر إلى الآن كتابين، الأول عام 2004 وعنوانه "صنع في ألمانيا 21"، والثاني عام 2009 وعنوانه "ألمانيتي، ماذا أؤيد؟"
شخصية محبوبة
زيغمار غابرييل نائب المستشارة ميركل، ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي له شتاينماير أعرب بعد ترشيحه للرئاسة عن سعادته قائلاً إن الحزب لم يبد أي جهد للحصول على الموافقة بترشيحه إذ أن "شتاينماير كافيا بشخصه"، حيث يتمتع بشخصية محبوبة. وهو متزوج من قاضية كانت زميلة له في الجامعة ولديهما بنت واحدة، وينشط شتاينماير من أجل قضية وهب الأعضاء، خاصةً بعد أن قام في العام 2010 بالانسحاب من الساحة السياسية لفترة وجيزة لكي يقدم إحدى كليتيه لزوجته.
وفي أول تعليقٍ عائلي على ترشيحه للرئاسة أعربت والدة فرانك-فالتر شتاينماير عن اعتزازها الشديد بابنها، وقالت أورزولا شتاينماير إنها تعتبر ابنها مناسبا "فهو متعقل وأمين وتصالحي ولم يكن أبدا سريع الغضب، ولا تسمع منه كلمة بصوت عال"، كما علق شقيقه ديرك شتاينماير قائلاً: "عندما يعتقد آخرون أنه لم يعد من الممكن فعل شيء آخر، فإنه يواصل العمل، ويأتي بالفرقاء على طاولة واحدة وينجز التوصل إلى حلول".
السياسي الألماني المخضرم سيصل إلى الرئاسة في وقت لا يبدو فيه العالم في أحسن حال، مع عدة أزمات ستلقي بظلالها وتطرح على الطاولة: تبدأ من سوريا دولياً وتنتهي بأزمة اليونان أو انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصولا إلى العلاقة الصعبة المتوقعة مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ستجعل هذه الأزمات من منصبه الجديد تحدياً له وهو الذي لم يكن يتوقع أن يكون في هذا المكان حيث قال سابقاً لمجلة "بونتي": "لم أكن أنوي أبداً أن أكون رجل سياسة"، فهل سيشهد العالم حلولاً وسطية لأزمات متطرفة في عهد صاحب الدبلوماسية الوسطية؟
ر.ج/ وكالات DW/ م.س