منطق المصالح قد يدفع تركيا لتغيير موقفها من الأسد
٣٠ يونيو ٢٠١٦يبدو أن تركيا تحِنّ أكثر من أي وقت مضى للسنوات التي طبعتها سياسة "صفر مشاكل مع الجيران"، والذي كان من كبار مهندسيها داوود أوغلو المستقيل من منصبه كرئيس للوزراء في مايو/ أيار الماضي. وبلّور أوغلو الأسس النظرية للدبلوماسية التركية في كتاب شهير يحمل عنوان "العمق الاستراتيجي" يدعو فيه لضرورة العودة للماضي العثماني واستعادة نفوذ تركيا في القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والبلقان، بالاعتماد على هوياتها الإقليمية المتعددة التي لا يمكن حصرها في هوية واحدة. ومن ثم ضرورة خفض الخلافات مع دول الجوار إلى الصفر. ومن المفارقات أن يكون مهندس هذه النظرية هو من ترك وراءه أزمات دبلوماسية لا سابق لها مع روسيا وإسرائيل ومصر بل وحتى مع الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين ما وضع أنقرة في عزلة إقليمية ودولية غير مسبوقة.
وإثر تطبيع تركيا لعلاقاتها مع إسرائيل بعد ستة أعوام من القطيعة، وسعيها لرأب الصدع مع روسيا وربما مصر يتساءل المراقبون عما إذا كان هذا التوجه سيشمل أيضا نظام الرئيس السوري بشار الأسد خصوصا مع تنامي العمليات الإرهابية لتنظيم "الدولة الإسلامية" والانتصارات الميدانية التي حققها الأكراد في سوريا. وفي حوار مع DWذهب المحلل السياسي السوري أكثم سليمان إلى أنّ التقارب التركي الإسرائيلي والتركي الروسي خلق مزاجا جديدا في المنطقة، ولم يستبعد أن تمتد أجواء التصالح لتشمل نظام بشار الأسد أيضا. غير أن الباحث في الشؤون التركية علي حسين باكير اعتبر في حوار مع DWعربية أن تشخيص أنقرة للشأن السوري لم يتغير، وهي لا تزال تُحمّل نظام الأسد مسؤولية مآسي المنطقة من حيث تنامي الإرهاب وتدمير شعب بكامله.
دينامكية جديدة في المنطقة
ساهمت مجموعة من التطورات الأمنية والسياسية في تغيير مزاج السياسة الخارجية التركية. فقد أوضح رئيس الوزراء الجديد بن علي يلديريم في أولى حواراته الصحفية قائلا "إسرائيل وسوريا وروسيا ومصر (..) ينبغي ألا تكون لدينا عداوة دائمة مع تلك الدول المطلة على البحرين الأسود والمتوسط". ويرى أكثم سليمان أنّ الانسجام بين طرف دولي هام كروسيا وطرف إقليمي هام كتركيا سيساهم في حل الأزمة السورية أو على الأقل لن يزيد في توترها.
يذكر أن أنقرة ما برحت تصر على رحيل الرئيس الأسد وتعتبر ذلك سبيلا وحيدا لتحقيق الاستقرار في سوريا، وهو موقف أجج الخلاف بينها وبين روسيا حليفة الأسد من جهة، وأبعدها من جهة أخرى عن التحالف الذي تقوده واشنطن والذي جعل من أولوياته ضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" وليس إسقاط الأسد. ومع أن الظروف قد تغيرت على الأرض، إلا أنّ من السابق لأوانه الحديث عن تغير جوهري لسياسة أنقرة تجاه دمشق، لكن رياح السياسة لا تمشي دائما بما تشتهي السفن. فقد تحقق أسوأ كابوسين لتركيا في سوريا، إذ مكّن التدخل الروسي الأسد من الاستمرار في الحكم، فيما استفاد مقاتلو "وحدات حماية الشعب" الكردية من الدعم الأمريكي في محاربة "الدولة الإسلامية" معززين بذلك مكاسبهم على أراض متاخمة للحدود التركية، وبالتالي اقتربوا أكثر من حلم تأسيس كيان كردي مستقل أو على الأقل يتمتع بالحكم الذاتي.
هل غيرت أنقرة رؤيتها تجاه الأسد؟
إلا أنّ الباحث علي حسين باكير لم يلمس، أي تغيير في جوهر الموقف التركي "ما نعانيه اليوم من ظاهرة الإرهاب داخل سوريا وخارجها والأضرار الفادحة التي تعرض لها هذا البلد وجواره الإقليمي من حيث عدد اللاجئين، يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى نظام الأسد". ويخلص المحلل إلى أن الحل يكمن في زوال هذا النظام.
في سياق ذي صلة، ذكرت صحيفة "الوطن" السورية أنّ الجزائر قامت بوساطة سرية بين أنقرة ودمشق لكن ذلك لم يتم تأكيده من قبل السلطات التركية. ويرى باكير أن "هذه المعلومات مؤشر على نوايا يُراد لها أن تقود لتنسيق بين الجانب التركي والنظام السوري" لكنها لا تعكس الواقع بالضرورة.
ولكن إذا تحققت المصالحة مع إسرائيل وروسيا وربما مصر، فما الذي يمنع أن تتحقق مع الأسد تبعا لمنطق "ليس هناك أعداء دائمون وإنما مصالح دائمة"؟ معلقا على هذا الرأي يرى أكثم سليمان أنّ أنقرة دخلت المعركة السورية على أمل أن يتسلم أصدقاؤها الحكم في دمشق، غير أن ذلك لم يتحقق، بل والأدهى من ذلك أنّ "الأكراد حصلوا على شبه دولة مستقلة"، ما يشكل فشلا تاما للتكتيك التركي على حد تعبير سليمان. إلا أن أن باكير رد بأنه "ليس هناك اليوم شيء اسمه النظام السوري، فالمسيطر على القرار السياسي والعسكري في دمشق هم الميليشيات الشيعية والمرشد الإيراني الأعلى والرئيس بوتين". ونصح ببحث الموضوع السوري مباشرة مع روسيا. غير أن التاريخ علمنا أن كل شيء ممكن في الشرق الأوسط فحسابات الربح والخسارة قد تتغير من لحظة إلى أخرى.