الملكية الفكرية مقابل "الحرية الفكرية"
يرتدي كل منا ملابسه، التي ربما تحمل علامة تجارية شهيرة أو مجرد اسم مصنع بسيط. وترجع فكرة الملابس، وإن اختلفت تصميماتها، إلى الفكرة البسيطة التي اخترعتها إحدى النساء، أو ربما كل النساء منذ العصر الحجري، في الوقت الذي خرج فيه الرجال للصيد والبحث عن طعام. ولا يتساءل أحد عن مخترع الخبز، الذي يمثل أهمية كبرى في حياتنا، ولا تخلو منه موائدنا. وغيرها من المنتجات الأولية، والتي اخترعها أجدادنا دون التفكير في احتكار هذه الاختراعات، أو فرض رسوم للسماح باستخدامها أو حتى إطلاق اسمهم عليها.
أما اليوم فتخضع معظم منتجات الإنسان الفكرية لشروط الملكية الفكرية، وبرغم النية الحسنة التي تقف وراء اتفاقية الملكية الفكرية، وتتلخص في الحفاظ على حقوق المبدع وتأمين مناخ محفز عل الإبتكار، إلا أنها تؤدي أيضاً إلى نتائج عبثية، فمثلاً حرمت شروط الملكية الفكرية المفروضة على أدوية الإيدز الدول الفقيرة من إعادة إنتاجها بأثمان مناسبة، مما أدى إلى زيادة أعداد المصابين بهذا المرض. كما قللت شروط الملكية الفكرية من فرص حصول الفقراء على المعرفة العلمية، لعدم استطاعتهم دفع ثمن الإطلاع عليها. والنتيجة الأكثر سلبية هي ربط المعرفة بالاستهلاك، وإضعاف مفهوم الانتاج المشترك.
نشأة منظمة الملكية الفكرية (الويبو)
ظهرت الحاجة إلى توفير الحماية الدولية للملكية الفكرية عندما امتنع عدد من المخترعين الأجانب من المشاركة في المعرض الدولي للمخترعات في فيينا عام 1873، خشية من أن تتعرض أفكارهم للنهب والاستغلال التجاري في بلدان أخرى. فجاءت اتفاقية باريس عام 1883 لتحمي براءات الاختراع والعلامات التجارية إضافة إلى الرسوم والنماذج الصناعية، وبدأت بتوقيع 14 دولة. وتوالت بعدها الاتفاقات في المجالات المختلفة، فظهرت الحاجة لقيام جهة مسئولة عن تنفيذ هذه الاتفاقات، ونشأت بالتالي عام 1970 المنظمة العالمية للملكية الفكرية والتابعة للأمم المتحدة.
و تهدف المنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو إلى تقديم المساعدة من أجل ضمان حماية حقوق المبدعين وأصحاب الملكية الفكرية في جميع أنحاء العالم. و هي ترى في هذا الدور اعترافاً بالمبدعين والمخترعين ومكافأة لهم على إبداعاتهم. كما تعتبر هذه الحماية حافزاً يشجع على الإبداع والتميز ويدفع بعجلة التجارة الدولية نحو الأمام بتوفيرها مناخاً مستقراً من أجل تبادل منتجات الملكية الفكرية. ويبلغ عدد الدول الأعضاء في الويبو 180 دولة أي أكثر من 90% من دول العالم. وفي سنة 2000 اختارت الدول الأعضاء للمنظمة يوم دخول اتفاقية الويبو حيز التنفيذ 26 أبريل ليصبح يوماً عالمياً للملكية الفكرية تشجيعاً منها لصغار المبدعين وإيماناً منها بأهمية الملكية الفكرية في الحياة اليومية.
سرقة إلكترونية أم إبداع جماعي؟
وأضاف عالم الانترنت المفتوح صعوبات في التحكم في تبادل المعلومات ونشرها، فالمجال مفتوح للجميع للنقل وليس من السهل الوصول للناقل. كما انتشر تبادل الأغاني والأفلام حتى قبل ظهورها في دور العرض أحياناً، مما أثر سلبياً على صناعة السينما والموسيقى. بالإضافة لذلك انتشرت عمليات الانتفاع التعسفي بالعلامات التجارية وأسماء الدول أو المنظمات الحكومية في أسماء الحقول على الانترنت. وفي الوقت الذي تحاول فيه الويبو تقديم تسوية المنازعات في هذا المجال، والدفاع عن الملكية الفكرية، ولدت جمعيات كثيرة تدعو إلى الحرية الفكرية في تبادل المعلومات مثل جمعية البرامج الحرة أو جمعية المصادر المفتوحة أو مشروع "جنو GNU".
وبدأ جدال طويل حول الحدود ما بين سرقة عمل الغير وإبداعه، وبين الاستفادة من تراكم الخبرات كنوع من أنواع العمل الإبداعي الجماعي. وبينما يتفق الجميع على كون من يطلق اسمه على قطعة موسيقية أو قصة كتبها غيره سارق، تزيد الحيرة أمام من يموتون بسبب نقص الأدوية، لمجرد أن بلادهم لا تستطيع دفع ثمن هذا الإبداع العلمي. ويرتفع التساؤل أمام كل الاختراعات التي يمكن أن تنقذ حياة الملايين، ولكنها تبقى حكر على الأغنياء تحت مسمى حماية الإبداع والحرية الفكرية.
حرية النقل مقابل حق الملكية الفكرية
وتهدف جمعيات الحرية الفكرية إلى ترك المجال مفتوحاًُ لأي فرد للانتفاع بنص ما أو غيره. فمن حق أي شخص النقل أو التغيير فيه، كما يحق له الانتفاع به. ولا يهدف ذلك إلى الانتفاع غير المشروع بمؤلفات الغير أو إلى سرقة أفكار الغير، وإنما يهدف إلى الابتكار الجماعي. فكل شخص يستطيع تطوير نص ما أو برنامج ما لخير الجميع. وقد أثارت تطبيقات هذا النظام انتباه الجميع في الوقت السابق. وجاء على رأس التطبيقات فتح المجال لتطوير بعض برامج الحاسب الآلي بعرض مصدرها وتركه مفتوحاً للمبرمجين الهواة لتحديثه. وقد وصل هذا المبدأ ببرنامج فايرفوكس، على سبيل المثال، إلى منافسة الاكسبلورر منتج مايكروسوفت الشهير كما بدأ نظام لينوكس، والذي تطور أيضاً تبعاً لمبدأ المصدر المفتوح، في منافسة الويندوز.
وفي الوقت نفسه، نشأت برامج ال"ويكي" والتي تتيح للزوار كتابة المواضيع بشكل جماعي، دون رقابة أو قيود، ودون خوف من الخطأ أو التخريب، لأنه من السهل تصحيح هذه الأخطاء أو إصلاح ما يحدث من عبث. حيث تسمح العديد من برامج ويكي لمدراء الموقع حماية صفحات معينة بحيث لا يمكن تعديلها. كما تحتفظ المواقع بكل المحتويات والتغييرات التي تحدث عليها في قاعدة بيانات متشعبة مما يحفظ المعلومات من الضياع. وقد أنشأ وارد كوننجهام أول موقع ويكي في 25 مارس 1995، وأطلق عليه هذا اللفظ الذي يعني "بسرعة" في لغة سكان هاواي الأصليين. وتعتبر موسوعة ويكيبيديا إحدى التطبيقات الهامة لهذا النظام.
سمر كرم