النظام الجزائري يتردد في رفع يده عن قطاع الإعلام
٢٧ مارس ٢٠١١يخالف عمر زريان المدير التقني لتلفزيون الشروق أونلاين، هذا الرأي، فهو من الجيل الجديد، و يرفض أن تستمر الأوضاع الإعلامية على حالها، بل يعتبر أن على الصحف الجزائرية المستقلة، البدء من الآن في تجربة التلفزيون الخاص المختلف عن التلفزيون الرسمي في كل شيء، و يقول في هذا الصدد لدويتشه فيله "لقد وضعت الشروق اليومي، كل الإمكانات التي يمكن توافرها في السوق الجزائرية، من أجل بدء تجربة البث التلفزيوني عبر الانترنت، و لدينا الآن مجموعة من المصورين والمنتجين الشباب، الذين كونتهم الشروق بإمكاناتها الخاصة، و يمكنكم مشاهدة ما نقدمه على الشبكة العنكبوتية وقت ما شئتم".
و يمكن للمرء و هو في مقر أصغر استوديو تلفزيوني في الجزائر، أن يلحظ ما يشبه الرضيع الإعلامي أو الخلية الأولى لانطلاقة إعلامية لم تعرفها الجزائر من قبل، و لحسن الحظ كما يرى الكثير من الإعلاميين في الجزائر، أن القانون الجزائري لم يحدد رأيه في البث التلفزيوني عبر الانترنت، لذلك أمكن مشاهدة صحافيي الشروق و هم يهرولون بكاميراتهم وسط العاصمة و في مدن أخرى، غير آبهين بقوات الأمن، التي لن تسألهم من أين جئتم و ماذا تفعلون؟ لأنه ليس هناك قانون يسمح لهم بسؤالهم.
تردد الدولة يعمق الفراغ الإعلامي
وأضاف عمر زريان "أعتقد أن التأخر في السماح للقنوات الخاصة بالعمل، سيزيد من الفراغ الإعلامي، و سيدفع الجزائريين بالنظر إلى جهات أخرى، و أقصد بذلك القنوات الفضائية الأجنبية التي أبعدت الجزائري عن واقعه، لذا فإن الإسراع بفتح المجال الإعلامي السمعي البصري لا غنى عنه في الوقت الحالي".
و لربما كان عمر زريان بسبب شبابه و حيويته أكثر تفاؤلا من المحلل السياسي حميد روابة الذي قال لدويتشه فيله "لا أعتقد أن النظام الحالي سيسمح بإنشاء قنوات تلفزيونية خاصة، لأنه يعيش في عالم غير العالم الذي نعرفه، إن هذا النظام له تصور خاص لما يجب أن يكون عليه العالم الخارجي، لذا لابد أن يتغير النظام الحالي، و يأتي نظام آخر كي يتمتع الجزائريون بمشاهدة قنواتهم الخاصة".
في المقابل، فإن الجزائر لم تعرف غير المؤسسة الوطنية للتلفزيون قناة إعلامية مرئية جزائرية خالصة يمكن للجزائريين مشاهدتها واعتبارها قناة وطنية خاصة بهم، لكن الانتقادات لهذه القناة ما فتئت تزداد في الفترة الأخيرة، بل و منذ اثنين و عشرين عاما، أي قبيل أحداث الخامس من أكتوبر من عام 1988 بسبب انحيازها للحكومة و دفاعها المستمر عما تسميه إنجازاتها، ما دفع بالجزائري العادي لتسمية هذه القناة الوحيدة باليتيمة، و هي التسمية التي تسمى بها في كامل الصحافة الجزائرية المستقلة.
أمل في التغيير
غير أن التطورات الأخيرة في المنطقة العربية، و الاضطرابات الاجتماعية التي عرفتها الجزائر قبل شهرين، قد دفعت رئاسة الجمهورية إلى إعطاء الأوامر للتلفزيون الحكومي بفتح المجال أمام المواطنين و القوى السياسية المعارضة كي تعبر عن رأيها فيما يجري دون الخوف من مقص الرقيب، لذا فقد استحسن بعض الجزائريين أوامر الرئيس الجزائري و اعتبروها خطوة في الاتجاه الصحيح، مثل شريفة مقراني من حي بلكور الشعبي التي قالت لدويتشه فيله "على الشباب أن يكون قنوعا فالرئيس أعطى لهم الكثير هذه المرة، بطاقات الإعفاء من الخدمة العسكرية، قروض الاستثمار والسكن وبإمكانهم الآن فتح أفواههم كما يشاءون، أنظر إلى التلفزيون فكل هؤلاء الحمقى بإمكانهم قول ما يشاءون الآن..."
إلا أن هذا التعليق الشعبي المتعجل، لا يمكن مقارنته بما يؤكده ميلود شرفي المكلف بالصحافة والإعلام، في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يرأسه أحمد أويحي الذي ما هو إلا رئيس الحكومة نفسه، و يقول ميلود شرفي لدويتشه فيله "ليست هناك مشكلة في فتح المجال السمعي البصري، و سيأتي الوقت الذي سيفتح فيه لا محالة، لكننا نرى أن هذا الانفتاح يجب أن يكون مقترنا باحترام دفتر شروط من أهم ما فيه، العمل في مرحلة ابتدائية مع المؤسسات الإعلامية الحكومية المتواجدة حاليا بسبب ما لديها من خبرات تمتد على مدى خمسين عاما و أكثر".
و يضيف ميلود شرفي لدويتشه فيله: " كما أن من بين ما نؤكد عليه في دفتر الشروط، هو احترام قوانين البلاد و الحريات الخاصة و العامة، أعتقد أن تجربة الصحافة الوطنية الخاصة المكتوبة، كاف جدا لتطبيقه على التجربة الجديدة التي نحن بصددها، و دفتر الشروط هذا يوجد ما يشبهه في دول العالم الأخرى، فنحن لا نبتدع جديدا".
التريث ولكن إلى متى؟
الواقع أن ما يقترحه ميلود شرفي، هو نفس ما يتوقعه الكثير من المراقبين، الذين يرون أن تأخر الحكومة في إعلان مشاريع الإصلاح السياسي و الإعلامي، إنما هو نابع من باب التريث لوضع خطة محكمة لا تضيع وسطها كل أوراق مؤسسات الدولة، لأن انفتاح الإعلامي له جوانبه التطبيقية التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها في الواقع السياسي الحالي.
مثال ذلك كما يقول المحلل السياسي غمراسة عبد الحميد "ماذا لو اتجهت كاميرا تابعة لتلفزيون خاص إلى وال من الولاة، أو وزير من الوزراء تسأله عن تقصير أحد مدرائه أو مستشاريه، أو ما يقال في أحد أفراد عائلته أو استدعاء مصالح الأمن، لأحد المقربين إليه؟ كل هذا غير وارد في التلفزيون الجزائري الحكومي الحالي".
هناك من يعتقد أن الانفتاح الإعلامي السمعي البصري المنتظر في الجزائر، إلى جانب أنه ممكن، في المستقبل القريب أو المتوسط، يجب أن توازيه تربية ثقافية إعلامية حقيقية تخدم الديمقراطية والتعدد السياسي الحقيقي، و مصالح الناس التي يريدون أن تدافع عنها الصحافة الحقيقية.
هيثم رباني/ الجزائر
مراجعة: حسن زنيند