اندماج أوروبا: من مجموعة الفحم والصلب إلى الاتحاد الأوروبي
٢٥ يوليو ٢٠١٢دخلت وثيقة إنشاء المجموعة الأوروبية للفحم والصلب حيز التنفيذ في ال 23 من يوليو/ تموز 1952 باقتراح من وزير الخارجية الفرنسي آنذاك روبرت شومان الذي دعا إلى اتباع إدارة مشتركة لإنتاج الفحم والصلب لتتولى إدارة دولية صلاحيات القرار في هذا القطاع الحيوي للصناعة الأوروبية، علما أن العلاقات الألمانية الفرنسية كان يسودها عدم الثقة بعد الحرب العالمية الثانية التي لم يمر عليها في ذلك الوقت أكثر من خمس سنوات. فما المغزى من مخطط الوزير شومان الذي اعُتبر آنذاك مبادرة ثورية في أوروبا؟ الوزير روبرت شومان لخص الهدف من المجموعة الأوروبية للفحم والصلب مع ألمانيا بقوله: "يجب على أوروبا الكف عن الاستمرار كأرض معركة تستنزف القوى المتصارعة. نتطلع من خلال التوصل إلى هذا الاعتراف الذي كلف الكثير إلى السير في طريق جديد يؤدي بنا إلى أوروبا موحدة يعمها أخيرا السلام".
الوحدة أساس تحقيق التكامل
وعايش روبرت شومان الحربين العالميتين الأولى والثانية وعاش في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ حيث تابع أيضا دراسته العليا. وبعد شق مشواره السياسي في فرنسا كوزير للخارجية أعلن عن مشروع تأسيس إدارة مشتركة لإنتاج الفحم والصلب مع ألمانيا يمكن لبدان أخرى الانضمام إليها من أجل تحقيق تعاون بين الدول الأوروبية وتأمين علاقات وطيدة بين البلدان المتناحرة لعقود من الزمن. وعلى الجانب الألماني وجد شومان في المستشار الألماني آنذاك كونراد أديناور حليفا قويا يؤيد نفس التوجهات، ويتجلى ذلك في أحد تصريحاته التي جاء فيها أن "الحديد والصلب لعبا في العقود والقرون الماضية في الصراع بين الشعوب الأوروبية دورا مميتا، لأن جميع الأسلحة كانت من الحديد والصلب. والآن يراد من الحديد والصلب أن يقربا الشعوب الأوروبية لتحقيق وحدة في العمل والتفكير".
ويعتبر مخطط شومان الذي انبثق عنه ما ُسمي اتحاد مونتان اللبنة الأولى لقيام المجموعة الأوروبية، لأن بيان التأسيس كان يتحدث منذ ذلك الحين عن التداخل اللاحق للدول الأعضاء. وكان شومان يؤمن بضرورة أن يؤدي اتحاد مونتان إلى اتحاد أكبر وأعمق، "هذا الاقتراح يترجم لأول مرة على أرض الواقع فيدرالية أوروبية ضرورية لتأمين السلام".
الوحدة الأوروبية مشروع سياسي
لكن تلك الفترة لم تشهد بعد النضج المطلوب لاستيعاب مخططات شومان في مطلع الخمسينات، ليستقيل هذا الأخير بعد سنتين عن منصبه كوزير للخارجية، لأنه لم يتمكن من فرض تطبيق فكرة قيام مجموعة أوروبية. واستغرق الوقت سبع سنوات إلى أن أصبحت الدول الأوروبية مستعدة للتوقيع على التزام أوثق ضمن معاهدة روما. إلا أنه تم تكريم جهود شومان فيما بعد، لأنه انتخب كأول رئيس للبرلمان الأوروبي.
واعترف المستشار الألماني كونراد أدناور في وقت لاحق بأن شومان كان منذ 1950 رجلا له تصورات أوروبية، وذلك حين قال :"كانت له نظرة أوسع مني عندما اقترح تأسيس اتحاد مونتان. لا تظنون بأنه فعل ذلك لأسباب اقتصادية. إنها كانت قضية سياسية بامتياز". وشكلت فكرة شومان منذ مطلع الخمسينات بداية عملية توحيد انتهت اليوم بقيام الاتحاد الأوروبي الذي يضم حاليا 27 دولة عضو تضم نحو نصف مليار نسمة.
فابيان شميت/ محمد المزياني
مراجعة: حسن زنيند