انقسام المعارضة السورية خدمة كبيرة لنظام الأسد
١٧ مايو ٢٠١٢
هناك قاعدة تقول بأن من يريد البقاء في السلطة، عليه أن يجعل خصومه يتشاجرون فيما بينهم. هذه القاعدة البسيطة اتبعها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لمدة 30 عاماً بنجاح. في البدء قام الأسد بتحريض طائفة العلويين، أي طائفته هو، ضد الطوائف ومكونات المجتمع السوري الأخرى. وفي وقت ما أصبحت قاعدة مؤيديه في هذه الفئة من الشعب ضيقة، فوسع الأسد هذه القاعدة وزاد عليها بعضاً من النخبة الاجتماعية بين السنة والمسيحيين في البلاد. وقد استفادت هذه الفئة الاجتماعية اقتصاديا من كونها مقربة من الرئيس الأسد، مما جعل الأخير ينام مطمئناً، لأنه كان باستطاعته الاعتماد على ولاء هؤلاء الشركاء. فالأموال والامتيازات التي حصلوا عليها من النظام، أماتت لديهم كل حوافز المعارضة والتمرد عليه.
وأما ابن حافظ الأسد، بشار، فيبدو أنه أيضاً ينام مطمئناً، وعلى الأقل يبدو أن باله مرتاح في وسط الوضع الثوري المبلبل في سوريا، لدرجة أنه يجد الوقت ليشتري موسيقى بوب غربية من متاجر افتراضية على الإنترنت. راحة البال هذه التي يستمتع بها بشار الآن، يعود "فضلها" إلى الصراعات الأيديولوجية التي أشعل أبوه فتيلها على مدار أربعة عقود. صراعات لم تهدأ حتى بعد موت الأسد الأب ولا زالت مشتعلة حتى الآن في الأوقات العصيبة التي تمر بها سوريا الآن.
ومع العلم بأن النظام السوري يقمع الثورة بيد من حديد، إلا أن السبب في عدم توحد قوى المعارضة في صف واحد هو المعارضة نفسها: فهي تتفق على نقطة واحدة فقط لا غير، وهي أن على بشار الأسد التنحي عن السلطة، كل ما عدا ذلك يشكل نقاط خلاف جوهرية بين أطياف المعارضة، مما يعطي الانطباع بأنها بعد عشرات السنين لم تتغلب بعد على التفكير الثنائي القائم على تقسيم محيطها إلى أعداء وأصدقاء.
نقاط خلاف جوهرية
هناك ثلاث نقاط تختلف عليها قوى المعارضة السورية، كما تقول هدى زين، الباحثة والمدرسة في "معهد دراسات الشرق الأدنى والأوسط" في جامعة ماربورغ. نقطة الخلاف الأولى حسب رأيها تتمحور حول التدخل العسكري في سوريا، إذ أن "المجلس الوطني السوري"، يؤيد فكرة التدخل العسكري، بينما تعارضها "هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي". وبينما يرى المجلس الوطني بأن التدخل العسكري سينهي العنف في البلاد سريعاً، تخشى هيئة التنسيق أن يزيد التدخل العسكري الأجنبي في الأزمة السورية تعقيداً.
وترى زين بأن الطرفين مختلفان أيضاً على ما إذا كان من المفيد أن يُسلح "الجيش السوري الحر" المعارض، الذي انشق أفراده عن الجيش النظامي. نقطة خلاف أخرى بينهما هي كيفية التعامل مع نظام بشار الأسد. فالمجلس الوطني يرفض أي حوار مع النظام، في حين تؤيد هيئة التنسيق هذا الحوار. أي أن تنحي بشار الأسد هو مطلب كل أطياف المعارضة، ولكن كيفية تنحيه هو ما لم يتفق عليه المعارضون حتى الآن.
أما تصورات سوريا بعد الأسد فهي الأخرى موضع خلاف بين مجموعتي المعارضة، كما تقول الباحثة في جامعة ماربورغ، هدي زين: "المجلس الوطني يتحدث عن سوريا جديدة، مدنية، ديمقراطية. أما هيئة التنسيق فتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، متصورة سوريا كدولة مدنية فيها تعددية، تفصل بين الدين والدولة وتضمن والحريات والحقوق لكل المواطنين، بغض النظر عن انتمائهم الديني."
تبرر زين هذا التباين في تصورات الطرفين بالموقف المحافظ الذي يتخذه المجلس الوطني السوري، الذي يتمتع فيه الإخوان المسلمون بنفوذ كبير، مع أنه يضم قوى علمانية. أما هيئة التنسيق، حسب رأيها، فهي عبارة عن تجمع للقوى اليسارية الليبرالية في المعارضة، وتتبع منهجاً علمانيا.
الثقة في اللجان المحلية
كلا طرفي المعارضة أصبحا غريبين عن الشعب السوري، كما تقول الصحافية والناشطة الحقوقية السورية رولا أسد. وتتابع: "السوريون الذين ينشطون فعلاً في داخل سوريا يشعرون أن هاتين المنظمتين لا تمثلهما، لأنهما تعلقان على ما يحدث في سوريا، ولكنهما بعيدتين عن ما يحدث على الأرض هناك." وتقول أسد إن المجلس الوطني السوري يُدار ويقاد من خارج سوريا، وهيئة التنسيق تُدار أجزاء منها أيضاً من خارج سوريا. وتضيف الناشطة السورية إلى ذلك أن المواطنين الذين يقاومون النظام في أشد الظروف ويخاطرون بحياتهم، يشعرون بأن الطرفين غريبتين عنهم، "لهذا فإن هؤلاء يتعاونون مع لجان التنسيق المحلية الموجودة في عين المكان وليس في الخارج."
وهذا هو رأي الأستاذة الجامعية هدى زين أيضاً، التي تقول بأن لدى الشعب السوري الآن الانطباع أنه لا يحصل على الدعم، لا من المجتمع الدولي ولا من قوى المعارضة، وأنه يواجه النظام السوري لوحده. وتعزي زين ذلك إلى أن جماعات المعارضة السورية لم تنجح حتى الآن في الاتفاق على أرضية مشتركة. "غير أن هذا شيء أساسي جداً، لأن كل انتفاضة أو ثورة تحتاج إلى قيادة سياسية تتكلم باسمها وتركز على مطالبها السياسية. وإذا غابت هذه القيادة السياسية، يصعب حينئذ حشد الدعم الدولي لهذه الثورة."
ولهذا، تقول رولا أسد، يثق الناشطون الآن بشكل رئيسي في لجان التنسيق المحلية، لأن هذه اللجان تبذل الآن جهدها لتوحيد صفوف العارضة المحلية، والتغلب على الخلافات في الآراء والوصول إلى أكبر قدر من الاتفاقات بين المجموعات المختلفة. وبهذا تبني اللجان القاعدة المناسبة للمعارضة كي تعبر عن مطالبها. والناشطون في هذه اللجان يضحون، حسب رأيها، بأشياء كثيرة: "العديد من هذه اللجان تتكون من شباب، وكثير منهم قـُتلوا في الأشهر الخمسة عشر الأخيرة، ولكن وجودهم في الميدان هو الذي يعطيهم أيضاً مصداقيتهم." وجوهر الحديث، كما تلخصه هدى زين، هو أن القوتين الأساسيتين في المعارضة، فشلتا في مهمتهما المتجسدة في تمثيل جميع تيارات المعارضة السورية.
ثلاثون عاما قضاها حافظ الأسد في زرع الفتنة بين فئات الشعب المختلفة، ويبدو أن السوريين تعودوا مع مرور الزمن على هذه الخلافات فيما بينهم، لدرجة أنهم ليسوا قادرين في هذه الأوقات العصيبة على تخطي هذه الخلافات. هذه النزاعات الأيديولوجية تضعف المعارضة، وتقوي عدوها اللدود.
تقرير: كيرستن كنيب/ نادر الصراص
مراجعة: عارف جابو