«اورزدي باك» ..أول «سوق مركزي» في الشرق الأوسط
١٩ سبتمبر ٢٠١٣
ضحكت الحاجة رسمية جمعة، التي تعدت الستين من العمر بقليل، وهي تستمع لحديث حفيدها الطالب في الإعدادية حين اخبرها بأن " الاورزدي باك" هي كلمة تعود بالأصل إلى تاجر يهودي من فرنسا يسمى" اورزدي باك"، الحاجة التي قطعت مئات الأمتار في نهاية الستينيات لتصل من منطقة " الرحمانية " إلى هذه السوق التي افتتحت في شارع الرشيد لتتسوق منها بضاعتها الرخيصة تذكرت تلك الأيام قائلة:"كان ولدي الموظف في وزارة الصحة هو أول من دفعني لشراء بضاعة محلنا الجديد الذي افتتحناه حديثا في المنطقة. فهذه الأسواق تباع فيها البضائع المصنوعة محليا والمستوردة، فهي تشمل الأقمشة ولعب الأطفال والملابس والمواد الغذائية، فضلا عن المواد الكهربائية والإكسسوارات والعطور وملابس نسائية رخيصة الثمن".
قصة المكان
تبدأ حكاية هذه السوق الواقعة في شارع الرشيد بين منطقتي حافظ القاضي وسيد سلطان علي، بـأرض مساحتها شاسعة أنشأت عليها شركة عمر أفندي التجارية، غير أن اليهودي "اورزدي باك" اشتراها من زمن الثلاثينيات ليحولها إلى مشروع تجاري كبير حتى وصل به الأمر إلى عام 1972 ليتملك المكان برمته أرضا وبناءً وببدل نقدي زهيد دون أن يدخل مزايدة علنية، ورغم تحويل المكان إلى اسم شركة المخازن العراقية، إلا أن البغداديين مازالوا يسمونه "اورزدي باك" .
ذكريات أحد العاملين
الموظف المتقاعد راضي جبار والذي عمل أكثر من ربع قرن في منشأة الأسواق المركزية تحدث عنها قائلاً:" ربما لا يعلم الكثيرون من الناس بأنه أول "مول" انشأ في الشرق الأوسط، حيث كان محطة مهمة للتسوق فبضاعته من المناشئ العالمية وأسعارها منافسة للأسعار في الأسواق المحلية، خاصة في سوق الشورجة القريب منه.
وكانت منافسة قوية لكثير من تجار بغداد بسبب رخص أسعارها وتنوع منتجاتها، وهناك فروع لشركة المخازن العراقية، إحدى مؤسسات الدولة في أحياء مختلفة من بغداد، بينها المنصور والشعب و الكاظمية وحي العامل وسوق الثلاثاء وبغداد الجديدة، إضافة لفرع الرشيد. وكانت أسعار السوق مدعومة من قبل الحكومة، ولذلك سرعان ما تنفذ البضائع الجديدة بسرعة حال طرحها داخل السوق، خصوصاً بعد قرار الحكومة نهاية الثمانينيات والتسعينيات بإيقاف خروج العملة الصعبة إلى خارج العراق ليصبح الاستيراد بالعملة الصعبة محصوراً على الحكومة فقط، حتى غدت السلع في الأسواق رخيصة . وبقيت السلع المستوردة من قبل التجار غالية الثمن بسب توفيرها بالعملة الصعبة من السوق السوداء.
حسرة على الماضي
الموظفة الحكومية علياء طه تحسرت وهي تستذكر أسعار الأسواق المركزية قائلة:" الوضع الاقتصادي في العراق الآن يدعو لإعادة الحياة إلى هذه الأسواق التي يجد فيها المواطن ما يحتاجه هو وعائلته عكس ما نراه اليوم في بغداد، خصوصا وعد انتشار "المولات" الحديثة في العديد من مناطق بغداد البعيدة والقريبة". وتابعت مضيفة: "أسعار "المولات " الآن باتت تثير حفيظة المتسوقين، وخاصة من الشرائح ذوي الدخل المحدود، ما يضطر المتسوق للذهاب إلى محال البيع الصغيرة لوجود الفرق بالأسعار عن هذه "المولات" التي تحولت إلى مراكز تسوق للأثرياء.
من جانبه، الأكاديمي د. سعد عباس تحدث عن الفروقات بين الأسواق المركزية وبين "المولات الآنن" قائلا: "لا تنافس بين هذين المكانين فقد كانت الأسواق المركزية حضنا دافئا للعائلة العراقية.
بينما نشاهد أسعار "المولات" التي بدأت تطير إلى السماء بحجة وجود "الماركة" التي لم تكن معروفة آنذاك في الأسواق المركزية التي كانت تشبه الجمعيات التعاونية، لأنها مشمولة بالإعفاءات الضريبية والخدمات، مما يقلل أسعار بضاعتها. أما في "المولات"، وخاصة الحديثة منها، فهي تحمل تكاليف النقل والإيجار والعاملين فيها، ما يدعو أصحاب الدخل المحدود إلى أن يهرب بعيداً من دخول أماكنها الأنيقة، لأنه يحتاج إلى سلفة من اجل شراء حاجات عائلته.
نقلا عن صحيفة الصباح العراقية